بعد سنوات من الإطاحة بالرئيس الإخوانى محمد مرسي من منصبه, لا تزال جماعته تفكر في العودة مجددا للحكم، إلا أنهم منقسمون على أنفسهم ، فبينما يرى الحرس القديم أن التفاوض هو الحل ، يرى القادة الأصغر سنا أن العنف هو الحل، ومن هنا ظهرت جماعات مسلحة نظمت هجمات ضد أفراد الشرطة والجيش، ووفقا للخبراء قد تزيد وتيرة هذا العنف في الأيام المقبلة بسبب دعوات الجناح الثورى بالجماعة.. كان هذا محور المقال الذى كتبه الباحث الأمريكى إريك تريجر في مجله فورين أفيرز الأمريكية, حيث أشار إلى أنه في 14 أغسطس عام 2013 ، وقت فض اعتصامات الإخوان المسلمين في الميادين والساحات العامة بالقاهرة والجيزة، لم يكن الأمر مفاجيء للجماعة. وأضاف الكاتب أنه في حقيقة الأمر منذ لحظة الإطاحة بمحمد مرسي في 3 يوليو عام 2013 ، أيقن قادة حماعة الاخوان المسلمين أنهم دخلوا في صراع قاتل أو مقتول مع الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش،وكانوا يعتقدون أن تنظيمهم الهرمي المعروف، الذي يتضمن شعاره " الجهاد في سبيل الله أسمى طموحاتنا" يمتلك القوة البشرية لتجاوز أي اعتداء أو قتال ،لافتا إلى أن المتحدث باسم الإخوان حينها جهاد الحداد قال للصحفيين قبل أسبوعين من فض الاعتصام" إذا كانوا يريدون تفريق اعتصام القاهرة،فسيتعين عليهم قتل 100. الف متظاهر" كما أضاف أيضا " إنهم لا يستطيعون فعل ذلك لأننا مستعدون لتقديم مائة ألف شهيد" . وأشار تريجر إلى أنه من بين العديد من الأخطاء التقديرية الاستراتيجية التي ارتكبتها جماعة الإخوان خلال الربيع العربي في مصر، اعتقادها بأنها يمكن أن تفلت من أيدى النظام،وهو الأمر الذي كلفها الكثير ،لكن ما حدث بعد فض رابعة انه تم القبض على قادة الإخوان بشكل أدى إلى قطع رأس الجماعة على الصعيد الوطنى، وحتى داخل المحافظات ما جعلها غير فعالة على أرض الواقع ،وخلال أشهر لم تكن المنظمة التي فازت بسلسلة من الانتخابات والاستفتاءات خلال عامين ونصف مرئية بالكاد في معظم أنحاء البلد، وبعد 4 سنوات أصبحت جماعة الإخوان منقسمة إلى حد كبير. ورأي تريجر أن هذا الانقسام ظهر داخل الإخوان بعد فض اعتصام رابعة مباشرة ،حيث انتقدت الكوادر الأصغر سنا قادة كبار من أجل تغيير الوضع السياسي الذي أدى إلى الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي، وسوء إدارة الصراع اللاحق على السلطة. وعلى الرغم من أن الجماعة حشدت للعنف ضد خصومها عدة مرات خلال رئاسة مرسي،فإن قادتها دعت إلى اللاعنف بعد الإطاحة به ،حيث أعلن المرشد الأعلى محمد بديع بشكل غير شرعي شعار" سلميتنا أقوى من الرصاص" لكن من وجهة نظر الإخوان الأصغر كانت هذه استراتيجية ساذجة وبشكل خطير، وقال حينها عمرو فراج وهو شاب بارز من جماعة الإخوان في اسطنبول ، في وقت لاحق على صفحته على فيس بوك:" كان إخواننا الأعزاء يقولون نحن سلميون،وسلميتنا أقوى من الرصاص، ولكننا دفعنا ثمن ذلك ،وحصلنا على صفعة على أعناقنا" ،وكذلك كشف حينها أحمد المغير وهو شاب إخواني آخر أن احد مواقع مظاهرات الإخوان مسلح بما فيه الكفاية لصد اي هجوم لوزارة الداخلية وربما الجيش أيضا، إلا أنه زعم أن هذه الأسلحة تم إزالتها قبل ايام من فض رابعة بسبب خيانة كبار قادة الإخوان وفقا ل "المغير". وقال تريجر إنه في الأشهر التي تلت فض اعتصام رابعة ،بدأ شباب الإخوان داخل مصر في حمل السلاح، وكما أشار الباحث في معهد هدسون صموئيل تادروس في دراسته عن الإخوان ما بعد رابعة،أنشأ الشباب وحدات حماية للدفاع عن الاحتجاجات المنظمة التي نظمتها الجماعة حينها لكنها كانت ضعيفة في ذلك الوقت ،إلا ان وحدات الحماية هذه بدأت قبل فترة طويلة في الهجوم ، وأفرزت عدد من الجماعات المسلحة التي استهدفت مراكز الشرطة والعسكريين وأبراج الكهرباء والطرق والبنية التحتية الأخرى، وقد حظيت هذه الأعمال بدعم وتشجيع بعص كبار القادة، أبرزهم عضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين الراحل محمد كمال ، كما أن الإخوان الذين ظلوا مختبئين داخل مصر ،شكلوا لجان عمليات خاصة تهدف إلى زعزعة استقرار النظام. وأوضح تريجر أن قادة الحرس القديم في جماعة الإخوان حاولوا كبح جماح فصيل الثورة ، واعربوا عن قلقهم من تشكيل لجان العمليات الخاصة دون موافقتهم ،مما يزيد من تآكل القيادة وسيطرتها على الجماعة، كما حذروا من أن العنف الذي تمارسه الجماعة الثورية سيؤدي إلى إضفاء الشرعية على العنف الذي تمارسه الدولة ضدهم على حد زعمهم،لكن هذه الجهود باءت بالفشل ،حيث ادعى الجناح الثورى فوزه في الانتخابات الداخلية التي جرت في اوائل عام 2014 ، واندلع الخلاف بين الفصيلين في منتصف عام 2015, عندما انفصل شباب الإخوان البارزون ومكاتب المحافظات علنا عن الحرس القديم. ووفقا لتريجر كان محمد كمال يدعم أعمال العنف ،وكلف لجنة الشريعة الإسلامية للإخوان بصياغة لهجة للدفاع عن النشاط الثورى القائم على الشريعة الإسلامية. ونقل تريجر عن مختار عوض بجامعة جورج واشنطن تقديره المفصل عن نهاية المطاف،حيث قال إن الجماعة تحولت إلى العنف ،وقال إن المنتج النهائي للجنة الشرعية الذى حمل عنوان "فقه المقاومة الشعبية للانقلاب" ،أدى إلى مجموعة واسعة من أعمال العنف ،بما في ذلك قتل ضباط الشرطة والجنود وأولئك الذين اعتبروهم متعاونون مع الحكومة المصرية، كما زعمت لجنة الشريعة الإسلامية أن المسيحيين يحاصرون المساجد ويقتلون المصلين ويعتقلون النساء الإسلاميات. ورأي تريجر أنه من المحتمل ايضا أن ينضم الإخوان المسلمون الثوريون إلى مختلف الجماعات المسلحة التي ظهرت بعد الإطاحة بمرسي، مثل لواء الثورة وحسم ،التي شنت هجمات مميتة على افراد الأمن والمنشآت منذ منتصف عام 2016 , رغم أن علاقة هذه الجماعات بالإخوان لا يمكن أن تنشأ إلا بشكل ظرفي على الأقل في الوقت الحاضر، ولذلك فإن أفعالهم ومزاعمهم تشبه بشده فصيل الراحل محمد كمال، وصفحات وسائل الإعلام الاجتماعية التي تنشر هجماتها غالبا ما تعزز شعارات الإخوان وشخصياتهم التاريخية. وفي الوقت نفسه صعد الجناح الثوري للإخوان من مواجهاته مع الحرس القديم، وفي سلسلة كتيبات بعنوان "الرؤية 28 "، التي صدرت في وقت سابق من هذا العام، قام الجناح الثوري بإضعاف قادة عصر مرسي بسبب فشلهم العظيم، بما في ذلك ميلهم إلى مزج السياسة بالوعظ ، وعدم قدرتها على بناء أرضية مشتركة مع القوى السياسية الأخرى ، وعدم استعدادهم الكامل للحكم مرة واحدة في السلطة ، وقبولهم لدور الجيش في إدارة التحول الذي أعقب ثورة يناير، ومما لا شك فيه أن هذه حجة تخدم المصلحة الذاتية كما يرى تريجر، فالجناح الثوري لجماعة الإخوان ينتقد بشكل فعال الحرس القديم لكونه ثوريا غير كاف،وتم اختتام هذه الكتيبات بالدعوة إلى إنشاء وسائل وأجهزة جديدة لمواجهة الحكومة المصرية،ما قد يعني وجود منظمة أو نهج جديد للإخوان مكرس لاستعادة السلطة في القاهرة. ورأي تريجر أن الإخوان الثوريون مستعدون للمضي قدما دون الحرس القديم ، الذي يعتبرونه ثقيل ومتزايد الوزن،وفي مقال تم نشره على فيس بوك في وقت سابق من هذا الشهر، ذكر الإخوانى مجدي شلش، وهو أحد محامي الراحل محمد كمال ، زملائه أن الهدف الأساسي للإخوان هو إعادة الخلافة وحذرمن أن ذلك لا يمكن تحقيقه طالما استمر الانقسام، ولذلك دعا إلى إجراء انتخابات داخلية جديدة ، مشيرا صراحة إلى أن مدة القيادة السابقة انتهت بالتأكيد وأضاف تريجر, هذه ليست الطريقة التي ترى بها قيادة الحرس القديم الذي يرفض تماما سلطة الجناح الثورى، ولهذا السبب فإن الانقسام داخل الإخوان الذي اتسع بعد فض رابعة من المرجح أن يستمر، مع استمرار جزء صريح من الإخوان في الدعوة للعنف، وربما لتنسيق الهجمات العنيفة داخل مصر ،وكل هذه الأمور ستضمن استمرار الضعف السياسي للجماعة وفقا لتريجر ، حيث يرى أنها في حالة حرب مع نفسها وحكومتها بشكل يعوق تقدمها للأمام.