«نانسي سودربرج» مستشارة السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خرجت عن صمتها وكشفت جميع الأسرار مستشارو «بوش» أقنعوه ب«خرافة» أنه ما دامت أمريكا القوة العظمي فإنه يمكنها استخدام قوتها العسكرية لإجبار العالم علي الركوع تقارير المخابرات المركزية الأمريكية حول بن لادن كانت مشوشة ولم تكن دقيقة وهذه كانت بداية الحرب الخاطئة علي الإرهاب المتشددون في إدارة كلينتون رفضوا عقد صفقة مع السودان لتسليم بن لادن مما كان سبباً في جلب البلاء للعالم أجمع الحرب علي العراق كانت «خدعة» كبري ومغامرة ليست محسوبة تسببت في تراجع الكثير من الدول عن دعمها لأمريكا الجيش الأمريكي فقد ألفي جندي بعد عام واحد من احتلال العراق ويواجه حرب عصابات شرسة منظمة من قبل الشعب وقائع تجنيد الإرهابيين في عمليات التجسس لصالح الممخابرات الأمريكية سنوات عديدة تحاول فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية إقناعنا بأنها تكرس كل ما أوتيت من قوة لمحاربة الإرهاب في جميع بلدان العالم.. لكن الحقيقة غير ذلك فمنذ أن أطلقت بلاد العم سام يديها في بلاد المشرق والمغرب خصوصا العربية والاسلامية منها بزعم القضاء علي الإرهاب تحولت هذه البلدان إلي كرة لهب انتشرت فيها أعمال العنف والقتل بشكل غير مسبوق.. الولاياتالمتحدة نفسها تجرعت مرارة هذه الأعمال الإرهابية بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعتها في معالجة هذه القضية.. هذا كان هو محور الكتاب الهام والخطير جدا ل"نانسي سودربرج" مستشارة السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والذي حمل عنوان "خرافة القوة العظمي استخدام القوة الأمريكية وسوء استخدامها" وحاولت فيه أن توضح الجهود الأمريكية في مكافحة الإرهاب العالمي من خلال شعورها بأنها القوة العظمي الوحيدة في العالم ومن هنا تأتي مسئوليتها -حسب الكاتبة- في الدفاع عن العالم وتقمص دور الشرطي العالمي، وهو الأمر الذي فشلت فيه علي مدار عقود حيث لم ينته الإرهاب في العالم وبالتالي فعلي الولاياتالمتحدة أن تقنع دول العالم بأن تشاركها في نفس الهدف الذي لم تنجح فيه حتي الآن. ووفقا للكاتبة عندما تولي جورج بوش الابن رئاسة الولاياتالمتحدة وقبل ذلك خلال حملته الانتخابية في عام 2000 كان يسعي إلي الحد من مشاركة أمريكا في البحث عن السلام في صراعات العالم، إلا أن مستشاريه كافحوا لفرض آرائهم المختلفة عليه فكان منهم من يدعم فكره الذي ينادي بمبدأ الحد من الطموح الأمريكي في السياسة الخارجية وفي المقابل كان هناك المهيمنون الذين روجوا لما أسمته الكاتبة "خرافة" أنه ما دامت أمريكا هي القوة العظمي الوحيدة فإنه يمكنها استخدام قوتها العسكرية لإجبار العالم علي الرضوخ لرغباتها ومواجهة ظهور أي منافس لها وسرعان ما وقع بوش ضحية لهذه الخرافة وبعد حادث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أصبحت الولاياتالمتحدة معرضة للخطر ووقف العالم كله بجانب أمريكا فلأول مرة استعانت منظمة شمال حلف الأطلنطي (الناتو) بالمادة الخامسة من ميثاقها التي تنص علي أن الهجوم علي أي من أعضائها يعد هجوما علي الأعضاء جميعا، ووافقت الأممالمتحدة علي قرار شامل ينص علي وقف دعم الإرهابيين في أنحاء العالم كما تمت الموافقة علي الإطاحة بطالبان في أفغانستان بعد رفض قادتها تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة آنذاك وبعد الدعم العالمي لاستخدام القوة العسكرية الأمريكيةبأفغانستان قرر بوش خوض حرب ضد العراق علي الرغم من عدم وجود تهديد وشيك علي بلاده وبغض النظر عن عدم العثور علي أسلحة للدمار الشامل هناك، والفشل في تحقيق أهداف هذه الحرب، فهي كانت اختبارا حقيقيا للاعتقاد بأن واشنطن لا تحتاج إلي حلفاء أو الأممالمتحدة لمواجهة تحديات هذه الفترة وعلي مستوي الداخل الأمريكي توحد الكونجرس والشعب للموافقة علي رد بوش علي الهجمات الإرهابية وفي الرابع عشر من سبتمبر وافق الكونجرس علي قرار بنسبة 98 إلي صفر في مجلس الشيوخ و420 إلي واحد في مجلس النواب علي أن يخول الرئيس بسلطة القيام بعمل عسكري ضد تلك الدول والمنظمات التي خططت للهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 أو أجازتها أو ارتكبتها أو عاونتها وفي الثامن من أكتوبر عام 2001 أصدر زعماء الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) موافقة علي قرار بوش ببدء ضربات عسكرية في أفغانستان ووفقا ل "سودربرج" فإن هذه الحرب التي أصبحت فجأة أبرز بند علي أجندة السياسة الخارجية الأمريكية كان عمرها عقداً من الزمان حيث بدأت بوصول بن لادن إلي السودان عام 1991، ولكن خلال السنوات التالية فشل المسئولون الأمريكيون وفقا للكاتبة في تقدير خطر زعيم القاعدة، كما فشلوا في تنظيم المعلومات التي بحوزتهم وتعطيل قدرة بن لادن علي مهاجمة أمريكا علي نحو فعال. وأوضحت الكاتبة أنه في بداية التسعينيات كان المسئولون الأمريكيون ينظرون إلي زعيم القاعدة علي أنه الممول الرئيسي للإرهاب وليس باعتباره شخصا يدير شبكة إرهابية بنفسه، وكان بن لادن مركز اهتمام تحقيق سعودي مصري مشترك كشف في مايو 1993أنه استخدم مصالحه التجارية لتوصيل أموال إلي المتطرفين المصريين، حيث مول سفر مئات المحاربين الأفغان القدماء إلي السودان للتدريب الإرهابي وفي يوليو 1995 زعم أحد أعضاء الجهاد الإسلامي المصري أن بن لادن ساعد في تمويل الجماعة وكان علي علم بهجمات إرهابية بعينها ضد المصالح المصرية كما أن مصطفي حمزة رئيس الجماعة الإسلامية التي كانت وراء محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في عام 1995، عمل في أواخر عام 1993 مديرا تنفيذيا لشركة وادي العقيق التابعة لبن لادن، وبحلول عام 1995 قيل إن زعيم القاعدة هو الممول الرئيسي لمعسكر كونار في أفغانستان وهو معسكر تدريبي إرهابي لأعضاء جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين وبدأت البلدان العربية التركيز بشكل كبير علي بن لادن واتهمته حكومات مصر والجزائر والمغرب واليمن جميعا بتمويل الجماعات الإسلامية المتشددة علي أراضيها، وفي أوائل عام 1993 وصفه مسئولون يمنيون بأنه الأب المؤسس للجهاد الإسلامي باليمن وممول المنظمة المسئولة عن الهجوم ضد الجنود الأمريكيين المتمركزين هناك وعند اتضاح شبكة بن لادن الإرهابية نأت المملكة العربية السعودية بنفسها عنه، ففي فبراير 1994 خلعته عائلته وسحبت الرياض جنسيته بسبب سلوكه الذي يتناقض مع مصالحها ويضر بعلاقاتها مع البلدان الشقيقة، وأصبح زعيم القاعدة معارضا متحمسا للنظام الحاكم السعودي حيث شكل لجنة استشارية وإصلاحية تتخذ من لندن مركزا لها وأصدرت في عام 1995 أكثر من ثلاثمائة وخمسين منشورا ينتقد الرياض ولفتت الكاتبة إلي أن بن لادن رحل عام 1991 إلي السودان حيث حظي بترحيب زعيم الجبهة الإسلامية الوطنية القومية حسن الترابي وهو قائد عسكري موال للإسلاميين استولي علي السلطة عام 1989 ولم يكن واضحا متي بدأ بن لادن معاملاته التجارية في السودان رغم أنه اعترف في حديث صحفي عام 1994 انه بدأها عام 1983 وسرعان ما أقام علاقات تكافلية مع قيادات الجبهة من خلال تنفيذ مشروعات تطوير البنية التحتية بالنيابة عن النظام الحاكم ومثال علي ذلك الطريق الذي يربط الخرطوم ببور سودان. وقالت سودربرج إن تقارير المخابرات المركزية الأمريكية حول بن لادن كانت مشوشة حيث وصف بأنه أحد أهم رعاة الأنشطة الإسلامية المتطرفة في العالم وأقام علاقة وثيقة مع الزعماء الإسلاميين المتشددين كالزعيم السوداني حسن الترابي ورئيس الوزراء الأفغاني قلب الدين حكمتيار وزعيم فصيل في حزب الإصلاح اليمني عبد الماجد الزنداني ودعمهم للإطاحة بالدول العلمانية المعتدلة في الشرق الأوسط مثل مصر والجزائر. وتابعت في كتابها: في عام 1996 صعدت الإدارة الأمريكية من ضغطها علي حكومة السودان لتسليم بن لادن وإنهاء دعمها للجماعات الأخري مثل حزب الله والجهاد الإسلامي المصري وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وأبو نضال والجماعة الإسلامية، كما كان هناك اعتقاد بأن السودان تدرب المقاتلين وترسلهم لدعم الجهاد الإسلامي الإريتري والعديد من الحركات الإسلامية في جنوب إثيوبيا، بجانب إشارات تدل علي تورط الخرطوم في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في عام 1995 وكان يُعتقد أن المشتبه بهم الثلاثة موجودون في السودان. وأوضحت الكاتبة أنه كان هناك جدل بشأن ما إذا كان المتشددون في إدارة كلينتون قد أهدروا إمكانية عقد صفقة مع السودان لتسليم بن لادن، حيث كان يري البعض أن الخرطوم كانت تفتح أبوابها بالفعل لهذا الأمر لكن الإدارة الأمريكية آنذاك رفضت العرض وبالتالي استمر دعمه للارهاب الذي بدأ يزداد يوما بعد يوم ونتيجة لفشل الإدارة الأمريكية في القبض علي بن لادن بالسودان أو اقناع الخرطوم بتسليمه ضاعف دعمه لشبكة القاعدة وفي فبراير 1998 نظم اجتماعا علي مستوي عال لكل الجماعات المرتبطة بالتنظيم في معسكر لتدريب الإرهابيين بخوست بأفغانستان وأسفر الاجتماع عن بيان تم توزيعه علي نطاق واسع عنوانه "الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين" وتضمن فتوي تبيح قتل الأمريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين علي أساس أن هذا الأمر فرض عين علي كل مسلم في كل دول العالم متي تيسر له هذا الأمر وفي مايو 1998 ناقش بن لادن في مؤتمر صحفي كيفية نقل الحرب إلي داخل أمريكا وانتقدت الكاتبة تقاعس الإدارة الأمريكية حينذاك عن القيام بواجبها والتحرك إزاء تهديدات بن لادن المتزايدة حيث إنها لم تتقبل المعلومات الخاصة بتهديد السفارات الأمريكية في الخارج، وبالفعل نجحت القاعدة في تفجير سفارتي أمريكابنيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تنزانيا علي الرغم من أنهما كانا قد تلقيا تهديدا قبل التفجير بعام، إلا أن واشنطن لم تستجب بسبب ما سمته الشك في المصدر وعلي الرغم من ذلك لا يزال المسئولون بالولاياتالمتحدة يعتقدون بخرافة "عصمة" أمريكا وفقا للكاتبة. وبدأت أمريكا منذ تفجير السفارتين تدرك خطورة بن لادن وطوال العام ونصف التالي سعت إدارة كلينتون إلي استخدام القوة العظمي للقضاء علي بن لادن والقاعدة بما في ذلك محاولة اغتياله وبالفعل تغيرت الطريقة التي تخوض بها أمريكا الحرب علي الإرهاب ونجحت في منع الكثير من الهجمات ضدها وفي نوفمبر 1998 تم إصدار لائحة اتهام طويلة ومفصلة تضم 238 تهمة ضد بن لادن ونائبه حينذاك محمد عاطف في محكمة مانهاتن الفيدرالية للتآمر علي قتل أمريكيين كما أعلنت وزارة الخارجية عن جائزة قدرها 5 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي للقبض علي الإرهابيين وفي أكتوبر عام 2000 كان علي محمد وهو مواطن من أصل مصري في الثامنة والأربعين من عمره ورقيب سابق بالجيش الأمريكي الشخص الأول الذي أدين باتهامات تفجير السفارتين الأمريكيتين وغيرهما من الأهداف الأمريكية والبريطانية والفرنسية في نيروبي، كما قدم صورا ورسومات وتقارير لبن لادن بالخرطوم وأشار إلي المكان الذي يمكن أن تدخل منه الشاحنة، حيث جاءت هذه العملية انتقاما من الولاياتالمتحدة علي ما فعلته في الحرب الأهلية بالصومال وبعد ثبوت إدانة بن لادن قرر كلينتون الانتقام وفي العشرين من أغسطس أصدر أمرا للقوات الأمريكية بإطلاق خمسة وسبعين صاروخا علي ستة معسكرات تدريب في أفغانستان وثلاثين آخري علي مصنع أدوية بالخرطوم، مما أسفر عن مقتل عشرات الإرهابيين لكن بن لادن لم يكن من بينهم. وأوضحت سودربرج أن كلينتون تلقي عددا من الاتهامات بعد هذه الضربات حيث اعتبرها البعض نوعا من صرف الانتباه عن فضيحته الجنسية مع إحدي المتدربات بالبيت الأبيض وهي مونيكا ليونيسكي، فقبل الضربة بثلاثة أيام كان الرئيس الأمريكي الأسبق يدلي بشهادته أمام المحلفين بشأن هذه العلاقة وكان الهدف من هذه الضربات هو قتل بن لادن وهو الأمر الذي لم يحدث، ولذلك أجاز كلينتون ثلاث هجمات جديدة أكثر دقة ضد بن لادن وكبار قادة التنظيم بناء علي تحديد وكالة الاستخبارات المركزية لموقعه، إلا أن المعلومات لم تكن علي القدر الكافي من الدقة لانجاح هذه الضربات، مما اضطر الإدارة الأمريكية إلي الموافقة علي الاستعانة بالقوات البرية داخل أفغانستان، كما أمر القوات البحرية بأن تضع بشكل دائم غواصتين مهاجمتين من طراز لوس أنجلوس مزودتين بصواريخ كروز توماهوك بالقرب من أفغانستان في جنوب المحيط الهادي والخليج الفارسي وخلال عاميه الأولين في الحكم حافظ الرئيس بوش علي هذه القوي وظل يستخدم مبادرة التكنولوجيا الاستخباراتية الخاصة بالسنوات الأخيرة من إدارة كلينتون وبعد الفشل في استخدام القوة حاولت الإدارة الأمريكية استخدام الدبلوماسية علها تقنع طالبان بتسليم بن لادن، فقامت بالتهديد بوقف حق هبوط الطائرات الأفغانية وتجميد أصولهم ومنع تأشيرات الدخول لمنع سفر قيادة طالبان إلا أن هذه المحاولات لم تنجح أيضا بعد ذلك قامت الولاياتالمتحدة بتحريك المسألة بمجلس الأمن الذي أدان طالبان بسبب دعمها للإرهاب، لكن المنظمة الأفغانية تحدت الجميع ورفضت تسليم بن لادن وما حدث هو أن زعيم القاعدة استطاع تنفيذ ماهدد به ونقل الحرب داخل الولاياتالمتحدة وفي الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 نفذ عملية كبري مستخدما طائرة كصاروخ وهو الأمر الذي لم يتوقعه أحد، ليؤكد الفشل الذريع لأجهزة الأمن التي لم تأخذ التقارير الاستخباراتية علي محمل الجد والتي كانت أكدت أن عدداً من الإسلاميين المتشددين يتلقون تدريبات في مدارس طيران أمريكية. وأوضحت الكاتبة أنه لم يتم تحميل أي فرد في الإدارة الأمريكية حينذاك مسئولية الحادث والسبب هو أن الفشل في الحيلولة دون وقوع هذا الحادث هو الفشل النظامي علي مستوي الحكومة في فهم التهديد الذي يمثله بن لادن لأمريكا، لأن الحكومة كان لديها أولويات أخري كما تطرقت الكاتبة إلي حرب العراق حيث أفردت لها فصلا كاملا من الكتاب تحت عنوان "عقد من الخداع" موضحة أنه في فبراير عام 2003 جلس وزير الخارجية حينذاك كولن باول أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاقناعه بأن العراق يخدع مفتشي الأسلحة التابعين للمنظمة الدولية، وقدم صورا للأقمار الصناعية واعتراضات إلكترونية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية التي تثبت فكرته وسعي لتقديم حجة علي أن العراق بتصرفه كأن لديه شيئاً يخفيه لابد وأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، مع التركيز علي تصوير صدام علي أنه المنبوذ الذي أخل بالتزاماته تجاه الأممالمتحدة وتصوير الولاياتالمتحدة علي أنها القائد متعدد الجوانب الذي يدافع عن أهمية الأممالمتحدة ومطابقتها لمقتضي الحال. وأوضحت سودربرج أن العالم كله التف حول بوش لدعمه في غزو العراق ولكن سرعان ما تفكك من حوله بعد أن تأكد أن هدفه هو صدام حسين نفسه وليس الحفاظ علي النظام العالمي وللولايات المتحدة تاريخ طويل مع نظام صدام في العراق الذي تأسس كمملكة مستقلة في عام 1932 عند رحيل السلطات الاستعمارية البريطانية، وبعد أن تولي الرئيس العراقي السابق السلطة عام 1979 اقترح برنامجا سياسيا يقوم علي النموذج الأوروبي يهدف إلي تجميع الجماعات العرقية والدينية في البلاد، وعلي مدي ثلاث إدارات كانت الحكومة الأمريكية تهتم بهذا النظام كي يكبح الحماس الإسلامي في إيران والمساعدة في تأمين واردات النفط المستقرة، وعلي الرغم من القمع واستخدام السلاح الكيماوي ضد الأكراد في عام 1988 كانت الولاياتالمتحدة تعتبره نظاما حليفا،لكن هذا الأمر تغير تماما في عام 1990 بعد أن حشد صدم سبع فرق علي الحدود الكويتية العراقية بسبب ديونه التي خلفتها الحرب مع إيران لمدة ثماني سنوات وفشلت كل الجهود لايجاد حل سلمي للأزمة وفي السادس عشر من يناير بدأت عملية عاصفة الصحراء بالقصف الجوي للعراق واستمرت ثلاثة وأربعين يوما وفي الثاني من مارس 1991 وافق مجلس الأمن علي القرار رقم 686 الذي يحدد شروط وقف إطلاق النار بين العراق والكويت وقبل ممثلو الحكومة العراقية الشروط رسميا في الثالث من مارس ووقعوا اتفاقية الوقف الدائم في السادس من أبريل من نفس العام. وقالت الكاتبة إن جورج بوش الأب اضطر لأن يوقف الحرب وقتها علي الحدود العراقية لأنه لو كان دخلها لكان مجبرا علي احتلالها وحكمها وهو الأمر الذي كان سيؤدي إلي فض التحالف من حوله ولاسيما من الدول العربية التي ساعدته علي طرد صدام من الكويت، ولكن بدأت مرحلة توقيع العقوبات علي العراق والتي سببت المعاناة للشعب العراقي وظلت الحرب الدبلوماسية طوال عقد كامل بين بغدادوواشنطن داخل أروقة مجلس الأمن الدولي واستغل بوش الابن فور وصوله للسلطة العلاقة المزعومة بين تنظيم القاعدة وصدام حسين لإقناع المجتمع الدولي بغزو العراق، لاسيما أن الرئيس العراقي لم يخف ابتهاجه بحادث الحادي عشر من سبتمبر واحتفل علي مرأي ومسمع من العالم مما دعم فكرة تواصله مع التنظيم الارهابي الدولي، وبحلول خريف 2002 كان الرئيس الأمريكي الأسبق قد أوشك علي اتخاذ قراره بالاطاحة بالرئيس العراقي وبالفعل تم احتلال الدولة العربية الكبري، وظن الجميع أن المهمة انجزت ولكن غلبت الفوضي علي شوارع بغداد وبحلول عام 2004 كان الجيش الأمريكي قد فقد ألفي مقاتل وبعد عام من احتلال العراق ظل القانون والنظام مراوغين ولم تكن الحكومة المؤقتة التي تم وضعها نيابية ولا مشروعة كما أن واشنطن لم يكن لديها خطة عملية لانهاء الاحتلال، وفشلت إدارة بوش في توقع أن الشعب العراقي سيشعر حيال قواتها باستياء شديد ويبدأ في شن حرب عصابات ضدها، والمذهل أن هذه الحرب لم تحقق أهدافها من تحقيق الأمن للعراقيين وخلق شرطة وجيش وطنيين قادرين علي تولي المهمة الأمنية عن القوات الأمريكية وبعد ثلاثة أعوام ونصف من أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبحت أمريكا في خطر فالتهديد من القاعدة ازداد وأصبح أكثر خطورة، فالأمريكيون وحلفاؤهم أصبحوا هدفا وأصبح العراق جاذبا للارهاب وكذلك أفغانستان. وأوضحت الكاتبة أن الولاياتالمتحدة لم تفشل في الحرب فقط لكنها أيضا فشلت في الحفاظ علي علاقتها بالدول العربية والشرق الأوسط حيث أغفلت الحاجة إلي الإصلاح في المنطقة فعلي امتداد عقود أبرمت واشنطن صفقة مع الدول العربية المعتدلة تقدم بمقتضاها النفط وتمكين الجيش الأمريكي من احتواء العراق وفي المقابل تترك الولاياتالمتحدة الأنظمة الداخلية علي حالها بينما تجدد جهودها لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وأدان النظامان الأكثر حاجة إلي الإصلاح وهما المملكة العربية السعودية ومصر خطة أمريكا الرامية إلي معالجة الأنظمة بالقاهرة والرياض حيث وصفوها بأنها مسعي أمريكي لفرض الديمقراطية علي كل البلدان العربية بغض النظر عن ظروفها وخصوصيتها الثقافية. وفي النهاية أكدت سودربرج أنه إذا كان علي أمريكا أن تعيد نفسها مرة أخري كقوة من أجل التقدم والعمل ومصالح المجتمع الدولي ككل، فلابد من أن تغير مسارها، الذي جعلها أقل أمنا وخسرت الدعم من الحلفاء وخلقت المزيد من الأعداء ويتطلب هذا المسار إعادة ترتيب السياسة الخارجية الأمريكية كي تعمل باتساق مع المجتمع الدولي بدلا من التصادم معه.