قبل نياحة البابا شنودة الثالث كان الكل متخوف ...و ماذا بعد هذا الرجل العظيم؟هل ستسقط الكنيسة؟ ماذا سيحدث بداخل هذه المؤسسة الكبيرة؟هل سيختلف قادتها و يتحاربوا على الكرسى من بعده؟ هل سيقفوا ضد البابا القادم ايا من كان؟.... هل سيحدث فيها كما حدث فى مصر عند انتقال السلطة من مبارك للعسكر او من العسكر للاخوان؟ و ظل الجميع يتساءلون طويلا : هل توجد شخصية بداخل الكنيسة تستطيع ان تقود هذه المؤسسة الكنسية الكبيرة الحساسة بعد البابا شنودة؟ و البعض تساءل هل يوجد رجل حكيم اخر عند الاقباط يلتفت حوله الجميع؟ وعند نياحة و انتقال قداسة البابا شنودة الثالث الكل توقع ان السيناريو سيكون حالك الظلام ، الا ان الكنيسة كانت – وستظل – متماسكة قوية ،و رغم ما مرعليها من رياح عاتية الا ان اساسها القوى و محبة و رحمة الله بها قدم لها شخصا عظيما ابا روحيا متواضعا حكيما و هو الانبا باخوميوس مطران البحيرة، الذى قادها لمدة ثمانية اشهر فى سلام و محبة و تواضع كنموذج يحتذى به عالميا فى انتقال السلطة ،حيث لم ينظر الى ذاته بل الى سلام و امان الكنيسة بكل اخلاص. و اجرى انتخابات ديمقراطية شفافة، اختار الله القديرمن خلالها شخصية فريدة تتلمذت على يد هذا الرجل النبيل القائم مقام الانبا باخوميوس فى وسط حضور حشد كبير من مصر و العالم ، و تحت انظار الجميع ، هو قداسة البابا تواضروس الثانى ...انا شخصيا كانت معرفتى بالبابا تواضروس محدودة ، حيث كان يخدم فى وجه بحرى و انا من الصعيد ، لكن كنت اعرف انه رجل منظم و حكيم و رجل ادراة و روحانى،و لذلك انتخبته فى انتخابات البطريرك .... و فرحنا جميعا بهذا الاختيار الالهى من يد الله. و توقع الكثير ان الايام الاولى فى رعاية قداسة البابا تواضروس للكنيسة ستقارن بعهد قداسة البابا شنودة و سيتخلص من كل منافسيه على الكرسى البطريركى.....الا ان حكمة و تواضع هذا الرجل رفعته امام اعين الكل ، فقد قال لى شخصيا انه رجل يعلم جيدا حدود امكانياته ،حيث لا يمكن ان يعمل الا فى مجموعة عمل ، و لا يجيد العمل الفردى بل يحب دائما العمل الجماعى ، و ذكر لى ان هذه هى مدرسة الانبا باخوميوس ، فوجدناه يتعامل مع منافسيه بأسلوب حضارى حكيم.... حيث عين الانبا روفائيل- الذى كان منافسه على الكرسى البطريركى- سكرتيرا عاما للمجمع المقدس ، و هو الرجل الثانى فى الكنيسة ، ثم عين نوابه على مستوى العالم من منافسيه ايضا ، مثل الانبا كيرلس اسقف ميلانو بايطاليا نائبا له فى اوروبا ، و هكذا انتهج اسلوبا نموذجيا مسيحيا سليما .... كما ان قراراته التى اتخذها عند بداية رعايته كانت تنصب على ترتيب البيت من الداخل كما ذكر هو ....حيث اعتكف على علاج المشاكل الداخلية و الادارية داخل الكنيسة على مستوى مصر و العالم ، و رسم اساقفة و كهنة فى كل المناطق المحتاجة لذلك.... ثم اهتم بوضع امور كثيرة فى نصابها الصحيح ، حيث اصدر مع المجمع المقدس لوائح تنظيمية فى ادارة الخدمة و العمل الرهبانى. ثم قام بدعم الخدمات المعاونة للكنيسة فى كل مكان , و الكثير و الكثير.... الا اننى ارغب فى التعليق على مواقف البابا تواضروس فى العمل الوطنى و خدمة مصر، حيث انه بصفته بطريركا انجز الكثير للكنيسة ، الا انه انجز الكثير لمصر ايضا ... حيث ان مواقف البابا الوطنية التى افصحت عن عمق حكمة هذا الرجل و رؤيته و نظرته الشاملة للامور ، و انه يتعامل مع الاحداث بفكر عميق و حكمة و موضوعية ، و ليس فكر ضيق محدود، هذا بخلاف تسامحه الشديد الذى اظهره لاخوتنا فى الوطن ، و الذى لم ينم عن ضعف بل قوة و جرأة و حب ...حيث كان فى عهد الرئيس مرسى لا يخافه ، حتى عندما قام مرسى بتهديد الكنيسة ،و سمح بالاعتداء على الكاتدرائية ،ثم اتصل مرسى بقداسة البابا ليحتوى الامر فرأينا البابا شجاعا و علق على موقف الرئيس تعليقا جريئا و على ضعف رئيس الجمهورية و لم يقلق من اى محاولة للانتقام منه... و عندما طلب منه قبل ثورة يونيو من السفيرة الامريكية فى زيارتها الخاصة له ، و كذلك مساعى الدول الاوروبية لديه ان يوصى الاقباط بعدم الخروج فى المظاهرات فلم يمتثل لطلبهم بل قرر انهم يثورون للحق ، و لا يستطيع ان يقف امام الحق او يحد من حرية الاقباط فى ذلك .... و عندما طلب منه يوم 3/7 ضرورة حضوره جلسة الفريق السيسى فى عزل مرسى ، ووضع خريطة طريق للبلاد ، لم يتوانى فى تنفيذ دوره الوطنى لانقاذ البلاد و كان من الممكن ان يعتذر لاى سبب ، او يطلب منهم عدم وضعه هو او الكنيسة كطرف فى الثورة ، او فى موقف سياسى يحتسب عليه ، بل على العكس تماما وافق و دعم العمل الوطنى و ذهب و القى كلمته الشهيرة فى وصفه و تأمله الرائع عن علم مصر ، و ما معناه بالنسبة لكل المصريين ......و لم يخاف و لم يتخاذل عندما هددوه الاسلاميين بالقتل و الانتقام علنا و كذلك بالفضائيات ........و عندما قاموا بحرق الكنائس التى يصل عددها الى 102 كنيسة حتى يومنا هذا امام اعين الجميع بدون الدفاع من احد عن تلك المقدسات ، رد البابا تواضروس بكل حب ووطنية بأن هذه الكنائس ترفع كذبيحة لله من اجل سلام و امن مصر.....و مواقف عديدة ثمينة و نفيسة على قلوبنا اعتز بها كل الاعتزاز ان يكون دور بطريركنا الوطنى بقدر هذه العظمة و الحب و التسامح ، ليعرف الجميع ان وطنية المسيحيين لا تقل عن وطنية اى مصرى, و اننا جميعا نحب هذه البلد اكثر من انفسنا .... و اخيرا جاء رد فعله و موقفه القوى عندما سئل عن رد فعله تجاه احداث الوراق، التى قتل فيها الاطفال الابرياء غدرا ، فكان رده بكل الحب انه يدعو لهؤلاء المجرمين بالتوبة و الرحمة. هذا هو بطريركنا المصرى الاصيل الوطنى النبيل البابا تواضروس الثانى ..... انا احبه كما الكثير من المصريين يحبوه و يقدروه و يشيدوا بقوته و حكمته و وطنيته. اذ ندعو له بالصحة و العون الالهى بكل اعماله و ادارته للكنيسة ، و ان ينعم عليه الله بالسلام و الامان له و لمصرنا الحبيبة و لرعيته ازمنة مديدة سالمة.... و مازلنا ننتظر منه الكثير و الكثير للمشاركة فى بناء مصر متوحدين بقلب رجل واحد لرفعة بلادنا و سلامة كل الشعب المصرى و لخيره و امانه ......كل سنة و قداسته طيب.