تحتفل الكنيسة الارثوذكسية اليوم بالذكرى الاولى لتجليس البابا تواضروس الثانى، ويعنى ب " التجليس " فى مصر، اى جلوس البطريرك المنتخب على كرسى مامرقس، كاروز الديار المصرية، الذى حمل الإيمان المسيحى لمصر، وكان اول بطاركتها. ويأتى البابا تواضروس الثانى، البطريرك 118 فى تاريخ الكنيسة المصرية، ويأخذ لقب الثانى نظراً لكونه ثانى بطريرك يحمل أسم تواضروس، فقد حمل هذا الاسم البابا تواضروس الاول، البطريرك ال 25 ، فى عهد الخليفة هشام بن عبد المالك ( 730 - 742 م)، و اتسمت بداية بطريركيته بالهدوء نظراً لوجود حاكماً عادلاً، فلم تقابل الكنيسة فى عهدة كثير من المتاعب، على العكس تماماً نجد بداية بطريركية البابا تواضروس الثانى مليئة بالمتاعب و الازمات التى مرت على الكنيسة و الوطن اجمع، فلم يمر اقل من اربعة اشهرعلى تجليسه واندلعت احداث الخصوص التى راح ضحيتها 4 شباب من المسيحيين، واعقبتها محاصرة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية و الاعتداء على مقر سكن بطريرك الكرازة المرقسية، فى حدث سوف تُخلد فى تاريخ الكنيسة القبطية الحديث. فبعد مضي العام الاول الملئ بالاحداث المتعاقبة دعونا نقيم السنة الاولى فى رئاسة البابا تواضروس للكنيسة المصرية. الراعى و الكنيسة من الصعب تقييم أداء البابا تواضروس الثانى، داخليا بشكل حقيقى نظراً لانه مايزل عامه الاول كبطريرك بالاضافة للظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد، و لكن يمكننا النظر فى توجهات البطريرك الجديد، و أعتقد انه من الواضح ميل البابا الى الاصلاح الكنسى، فقد سعى لاخراج لائحة انتخاب البطريرك و التى اثارت لغطاً كبيراً إبان رحيل البابا شنودة الثالث، كما صدر فى السنة الاولى له عدد من اللوائح والقوانين الكنسية التى تنظم الاوضاع داخل الكنيسة، كلائحة الاباء الكهنة وغيرها منما يعطى توجهاً لعمل مؤسسة منظمة تقوم على اللوائح والقوانين، وايضاً تخصيص البابا أسقفاً لشؤون الكهنة وهو نيافة الانبا دانيال أسقف المعادى والذى استعان بعدد من القساوسة، و هو اجراء و توجه جديد لدى باباوات الكنيسة بالاضافة لاستعانة البطريرك بالكهنة العلمانيين بدلا من الرهبان فى السكرتارية الخاصه به منما يضعنا امام توجه للاهتمام بالقساوسه، احد اهم العناصر داخل المؤسسة الكنسية الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الشعب. و يجد البعض ان البابا قد اخفق حتى الان فى التعامل مع بعض الملفات الداخلية كملف الزواج الثانى، وبعض ملفات المُبعدين كنسياً كنيافة الانبا آمنيوس اسقف الاقصر و غيرها. و اعلم انه هنالك محاولات من قداسة البابا للتقرب بين الطوائف منما يعتبر بداية لعصر جديد من الانفتاح الفكرى للكنيسة. الوطنى والسياسة جاء البابا تواضروس الثانى فى ظروف قد تعد هى الاصعب فى تاريخ اى بطريرك، فقد تم اختياره كبطريرك عقب اضطراب شديد داخل الشارع المصرى اثناء الانتخابات الرئاسية بجانب نشاط كبير للتيارات المتطرفة و المعروفه بعدائها الشديد للمسيحيين و لرموزهم الدينية، فبعد شهور قليله توالت احداث العنف الطائفى حتى وصلت لاكثر من 6 محاولات اعتداء على كنائس او مبانى تابعه لها فى اسوان و بنى سويف و المنيا، حتى وصلت لاول صدام حقيقى فى احداث الخصوص و الكاتدرائية فى مطلع ابريل الماضى و الذى قابله البابا بحكمة وضبط نفس شديدين ونجح على المستوى الوطنى فى اول اختبار حقيقي له. اظهر البابا فى بداية عهدة ميل للابتعاد عن المعادلة السياسية و لكن لم يستمر ذلك طويلاً نظراً لحرج واستثنائية المرحله الحالية فتم اقحامه فى المعادلة السياسية إبان ثورة 30 يونيو، و سعيه دائماً لتأكيد انحيازة المستمر فى تصريحاته، للازهر الشريف والقوات المسلحه، والذى من الممكن وضعه فى اطار الدور الوطنى للكنيسة فى هذه المرحلة الحرجه من التاريخ. و فى اعقاب ثورة 30 يونيو تصاعدت اعمال العنف الطائفى ضد المسيحيين و التى وصلت لاقصى درجاتها فى اعقاب فض اعتصامى رابعه و النهضة بأحراق قرابة ال 80 كنيسة فى ثمان محافظات مختلفة، بجانب محاولة تدمير التاريخ و التراث القبطى، رغم كل ذلك فأظهر البابا وطنية شديدة بمقولته الشهيرة " إن كان هذا ثمن حرية الوطن فأننا سعداء بذلك ". البابا و الشباب حتى الان لم تتضح علاقة البطريرك الجديد بالشباب بشكلٍ كبير و لكن أذكر ان مجموعة من الشباب عقدت مقابلة مع قداسته إبان احداث احتجاز المسيحيين المصريين بليبيا، للاسف لم اشرف بمقابلته ولكن زملائى نقلوا الى بعض الانطباعات العامه عنه، و تلخصت بعض الاراء حول كونه راهباً من الدرجة الاولى و لا يهتم كثيراً بالامور السياسية، ذكى، حاد الطباع، قوى الشخصية، و لكن حتى الان لم يتم فتح حواراً جاداً مع الشباب البطريرك و المستقبل ارى اننا امام فرصه هامه لمستقبل افضل للكنيسة وشعبها، فقد ابدى البابا ميلاً للاصلاح الكنسى بالاضافة الى ميلاً لاخراج الكنيسة من المعادلة السياسية و الاكتفاء بالدور الوطنى، و هنا تقع مسؤلية على اجيال الشباب فى ضرورة ان تخرج لتمارس الحياة السياسيه خارج اسوار الكنيسة، ومسؤلية على البطريرك الذى يجب عليه الا يخلط بين الدور السياسى و الدور الوطنى، واعتقد انه يلزم على البابا العمل على احتواء الاجيال الشابه و الثائرة بطبعها، لانه من الخطورة ان تخرج اجيال تستمر فى خلاف دائم مع كنيستهم، فيجب اتباع منهجية الحوار و فتح سبل للنقاش، كما اؤكد على ضرورة الاستمرار فى الاصلاح الكنسى و بذل مزيد من الجهد فى بعض الملفات الشائكة كالطلاق و الزواج الثانى، و المستبعدين كنسياً بجانب انعاش الحياة الروحية داخل الكنيسة.