ترصد الكاتبة والناقدة ناهد صلاح في كتابها "الفتوة في السينما المصرية" نماذج شخصية "الفتوة" التي قدمت في عشرات الأعمال السينمائية المصرية وجسدها عدد من أشهر النجوم لتنطلق من تلك الشخصية إلى الحاضر المعاش الذي يشهد انتشار ظاهرة العنف وبروز مصطلحات البلطجة والفراغ الأمني. ويعني الكتاب الجديد الصادر عن دار "أخبار اليوم" المصرية في 176 صفحة من القطع الصغير بتعريف الفارق بين "الفتوة" الذي يعني في العامية المصرية الرجل القوي صاحب السلطة والسطوة و"البلطجي" وهو الخارج عن القانون الذي يلتمس له الكتاب أعذارا كثيرة متمثلة في الفقر والجهل والظلم والقهر التي تخلق من المواطن الصالح مجرما. ويضم الكتاب ثمانية فصول مترابطة تركز على شخصية "الفتوة" كما ظهرت في أفلام حقبة الثمانينات من القرن الماضي والتي يعتمد معظمها على روايات كتبها حائز نوبل المصري الراحل نجيب محفوظ الذي يكشف الكتاب أنه اتجه لكتابة هذه الروايات التي تعتمد على البطل الشعبي بعد نجاح أحد الأفلام السينمائية التي كتبها نهاية الخمسينيات على عكس الاعتقاد الشائع بأن صناع السينما لجأوا لكتاباته لتقديم أعمال عن الفتوة. وعرفت السينما المصرية عشرات الأفلام التي كان بطلها أو أحد أبطالها شخصية "الفتوة" بينها "الشيطان يعظ" و"التوت والنبوت" و"الفتوة" و"سعد اليتيم" و"قلب الليل" و"فتوات الحسينية" و"فتوة الناس الغلابة" و"فتوة درب العسال" و"المطارد" وغيرها. ويشرح الكتاب كيف رسخت السينما المصرية لشخصية الفتوة باعتباره المعادل الشعبي للحاكم الذي يتمكن في ظل انحسار دور الشرطة من ضبط الأمن دون أن يغفل شخصيات الفتوة الظالم الذي يثور عليه أحد الحرافيش ليزيله عن مكانته ويجلس مكانه في إطار عماده الوحيد القوة البدنية. لكن الكتاب يخصص فصلا كاملا للفارق بين "الفتوة" و"البلطجي" مع ربط الأخير بالواقع المصري والعربي الحالي حيث باتت لفظة "البلطجية" أو "الشبيحة" أو "البلاطجة" متداولة بشكل واسع باعتبارها مرادفا للخارجين عن القانون الذين يلجأون للعنف للسلب والنهب والقتل والترويع. ويضم الكتاب أيضا شهادات خاصة لعدد من صناع أفلام "الفتوة" بينهم الممثل نور الشريف والمخرج علي بدرخان وكاتبا السيناريو وحيد حامد ويسري الجندي يتضح منها أن معظم أفلام "الفتوات" التي قدمت من تأليف نجيب محفوظ أو اقتبست عن كتاباته الفلسفية العميقة كانت أفلاما تجارية بحتة بينما أفلاما قدمها الكاتب يسري الجندي والمخرج علي بدرخان كانت أفلاما فلسفية تغوص في أعماق الشخصية ولا تغازل شباك التذاكر. ويخصص الكتاب فصلا كاملا عن "نساء الفتوة" التي تباينت بين كونها الشخصية التي تقود البطل إلي الهاوية كرمز للغواية والشهوة أو كونها الروح الطيبة التي تنقذه من مصيره المظلم أو المحرضة التي تدفعه دفعا نحو مصيره المحتوم. ويرصد الكتاب بوضوح النزعة الذكورية للمجتمع في عصر "الفتوات" الذي لم يكن يعترف أصلا بالمرأة أو يمنحها أيا من الحقوق ويتعامل معها باعتبارها مجرد جارية أو عشيقة أو خادمة. وتشير الكاتبة في مقدمتها للكتاب إلى أن انتشار ظاهرة العنف عالميا وازديادها في السنوات الأخيرة في ظل الهيمنة المطلقة للولايات المتحدةالأمريكية علي مقدرات الشعوب الأخري انطلاقا من مفهوم القوة بعد انتصارها في الحرب الباردة أفرز تعبيرات من نوع "الفتوة المعاصر" و"البلطجي الأمريكي" وغيرها من التعبيرات التي تسود الفضاء العالمي حول نظرية "القوة تصنع الحق".