هذا سؤال يطرح نفسه في ظل هذه الصراعات وتلك المنازعات وحب الذات والأثرة والحرص على المنفعة الحزبية أو الذاتية مع إهمال المنفعة العامة للوطن بأسره. ومن المفترض أن يكون واجبنا جميعاً أن تكون الإجابة أن يبقى الكل للوطن. لماذا؟ لأن في بقاء كل شيء للوطن هو في حقيقته بقاء لجميع الأحزاب وبقاء لجميع الأفراد؛ لأن خير الوطن إنما يكون لأهله وأبنائه، وإن تقدمه وارتقاءه ليلقي عليهم كذلك بظلاله الوارفة وثماره الطيبة. وما جعلت الأحزاب وقامت فكرتها إلا لتعلي مصلحة الوطن، لا لتعلي المصلحة الحزبية الخاصة. إذ كل حزب يقدم أفضل ما لديه لخدمة هذا الوطن وتقدمه وازدهاره؛ وهو ما ينعكس إيجاباً على جميع أفراد الوطن باختلاف مبادئهم وتنوع مشاربهم. ولكننا وبعد ما نراه من محاولة انتصار هذا الحزب أو ذاك التوجه لرؤيته الخاصة ومصلحته دون النظر إلى المصلحة العامة أو وضعها في الاعتبار؛ نجد هذا السؤال يطرح نفسه: وماذا يبقى للوطن؟؟؟ فجميع الأديان جاءت لنشر الخير والمحبة لأنها من عند الله العزيز الحكيم؛ والذي يقدر الخير ويأمر به. والعجب مع ذلك أن نرى من الأحزاب من لا يرى إلا مصلحته الحزبية دون مصلحة الوطن العامة. وهذا لا يعني الدعوة لعدم التفكير في المصلحة الحزبية؛ بل لا بد من التفكير فيها لا لتكون غاية في ذاتها ولكن لتكون وسيلة يتم من خلالها تقدم هذا الوطن ونموه وارتقائه؛ لأن المصلحة الحزبية في وطن قوي ومزدهر ومتقدم هي بلا شك أعظم وأرقى من المصلحة ذاتها في وطن أقل شأناً ورفعة ومكانة بين الأمم. وهذا الفكر الراقي من إعلان المصلحة العليا للوطن إنما نجده في الدول المتقدمة؛ إذ بغض النظر عن الكم والمقدار الذي يحصدونه من ثمار الديمقراطية، لا يفكرون إلا في مصلحة وطنهم وكيف يرتقون به من خلال أفكارهم ورؤاهم في ضوء إمكانات الوطن ومؤسساته الشرعية. وحينئذٍ تتوافق قواعدهم الإستراتيجية مع خطواتهم التكتيكية لمزيد من البناء والرخاء والرقي. وحينئذٍ يبقى للوطن كل شيء ويبقى خيره لجميع أحزابه كل حسب جهده وإخلاصه. أيضاً في ظل الحرص من بعض الأفراد على الحصول على منفعتهم الشخصية بأي وضع كان وأي سبيل أو طريق يؤدي للحصول علي هذه المصلحة أو تلك المنفعة؛ ضاربين عرض الحائط بكل المبادئ والقيم والمثل العليا؛ مخطئين في ظنهم واعتقادهم بأن هذا هو الخير بالنسبة لهم؛ حينئذٍ يقول المحب والمخلص لهذا الوطن سائلاً: وماذا يبقى للوطن؟؟؟ في هذه الحالة ما يبقى للوطن يطرد بالسلب بحسب هؤلاء الأفراد الأنانيون والانتهازيون وعددهم. فمن مسئول لا يسعى إلا لمصلحته وراحته في دائرة اختصاصه ومن متعاون ومتساهل مع الفاسدين بغية الحصول على المنفعة المادية التي تقود من وجهة نظرهم إلى المكانة الاجتماعية. ومن ساكت صامت على كل ما يراه من فساد وهدم في بناء وطنه دون أن يعير ذلك أدنى اهتمام. وماذا لو فكر كل فرد بطريقة مصلحتي أولاً وليهلك الجميع؟؟؟ حينئذٍ ينتشر قانون الغاب وتتلاشى القيم وتتهاوى المبادئ؛ فلا يهنأ ذلك الأناني بما جناه ولا ذاك الفاسد بما حواه ولا هذا السلبي بصمته على الفساد وما رآه. والعكس صحيح تماماً؛ فكلما كثر الأفراد المخلصون لهذا الوطن وكلما تعاظم حبه في قلوبهم وتعالت مصلحته في عقولهم وأذهانهم؛ كلما عم الخير وزاد وانتشر. وكذلك كلما قل هؤلاء الأنانيون والفاسدون والسلبيون في وطنهم كلما قلت مساحة الفساد والبوار؛ وزادت على الفور مساحة الحب والبذل والعطاء. وحينئذٍ يمكننا القول بأن الباقي للوطن هو كل جميل وكل تقدم ورخاء ينعكس مباشرة على جميع أفراده أمناً وأماناً وتقدماً ورقياً وازدهاراً. ولكي يبقى للوطن كل ما هو جميل وفيه الخير والنماء والتقدم والارتقاء؛ لابد من التمسك بالسلوك القويم والطريق المستقيم. والعمل كذلك على انتشار روح الفريق في كل ما نقوم به من أعمال، لأن الحزب أو الفرد إذا أحس بروح الفريق مع سائر الأحزاب والأفراد في إعلاء مصلحة الوطن وبنائه عم الخير على الجميع. إضافة إلى ترك الأنانية وحب الأثرة واستبدالها بحب الخير والبذل والعطاء. ومع الإخلاص والجهد يبقى كل تقدم ورقي وازدهار للوطن والذي هو في حقيقته تقدم ورقي وازدهار للجميع على حد سواء.