(نبذة عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه) نسبه : هو : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي ، أمير المؤمنين ، أبو عمرو ، الأموي ، ذو النورين ، ومَن تستحي منه الملائكة ، ومَن جمع الأمة على مصحفٍ واحد بعد الاختلاف ، ومَن افتتح نوّابه إقليم خراسان وإقليم المغرب؛ وكان من السابقين الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله . وممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وزوجه بابنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهم أجمعين . مَن نظر في تحرِّيه وقت أمره بجمع القرآن علم مرتبته وجلالته ... ، عداده في السابقين الأولين ، وفي العشرة المشهود لهم بالجنة ، وفي الخلفاء الراشدين؛ وهو أفضلُ مَن قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، وروى جملةً كثيرة من العلم ... . قتله سودان بن حمران يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة ، وعاش بضعًا وثمانين سنة ... وكان ممن جمع العلم والعمل ، والصيام ، والتهجُّد ، والإتقان ، والجهاد في سبيل الله ، وصلة الرحم . فقبّح الله الرافضة( ). من فضائل عثمان رضي الله عنه الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البخاري رحمه الله تعالى : وقال عبدان : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن أنّ عثمان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف عليهم وقال : أنشدكم الله ولا أنشد إلاّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من حفر رومة فله الجنة)) فحفرتُها ؟ ، ألستم تعلمون أنه قال : ((مَن جهّز جيش العُسرة فله الجنة)) فجهزتُه ؟ ، قال : فصدّقوه بما قال))( ). وقال البخاري أيضًا : ((حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي عثمان ، عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا وأمرني بحفظ باب الحائط ، فجاء رجلٌ يستأذن فقال : ((ائذن له ، وبشِّره بالجنة)) فإذا أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : ((ائذن له ، وبشِّره بالجنة)) فإذا عمر ، ثم جاء آخر يستأذن ، فسكت هنيهة ثم قال : ((ائذن له ، وبشره بالجنة على بلوى ستصيبُه)) فإذا عثمان بن عفان . قال حمّاد : وحدثنا عاصم الأحول وعلي بن الحكم سمعا أبا عثمان يحدِّث عن أبي موسى ( بنحوه ) . وزاد فيه عاصم : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطّاها))( ). وقال البخاري : ((حدثنا مسدّد ، حدثنا يحيى ، عن سعيد ، عن قتادة أن أنسًا رضي الله عنه حدّثهم قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أُحدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف ، فقال : ((اسكن أُحد)) أظنُّه ضربه برجله ((فليس عليك إلاّ بيٌّ وصدِّيق وشهيدان))( ). وقال البخاري : ((حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ، حدثنا شاذان ، حدثنا عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ((كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أَحدًا ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لا نفاضل بينَهم)) . تابعه عبد الله ابن صالح عن عبد العزيز))( ). وعن عطاء وسليمان ابني يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنّ عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ، فتحدَّث ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك ، فتحدّث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوّى ثيابَه . قال محمد : ولا أقول لك في يوم واحد ، فدخل فتحدّث؛ فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها : دخل أبو بكر فلم تهتشّ له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلستَ وسويّت ثيابك ؟ ، قال : ((ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة))( ). وقال أحمد بن جعفر القطيعي : ((حدثنا الهيثم قال : نا الخليل بن عمرو البغوي ، قال : نا محمد بن سلمة الحراني أبو عبد الله ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد ، عن أبي أنيسة ، عن محمد بن عبد الله ، عن المطلّب ، عن أبي هريرة قال : دخلت على رقيّة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عثمان بن عفان وفي يدها مشط ، فقالت : خرج من عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفًا رجلَّت رأسَه فقال : ((كيف تجدين أبا عبد الله)) ؟ ، قلت : كخير الرجال ، قال : ((أكرميه؛ فإنه من أشبه أصحابي بي خلقًا))( ). ((وعن يحيى بن سعيد بن العاص : أن سعيد بن العاص أخبرَه أنّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدّثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ، ثم انصرف ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ، ثم انصرف؛ قال عثمان : ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : ((اجمعي عليك ثيابك)) ، فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت ، فقالت عائشة : يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان ؟ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إن أذنتُ له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته))( ). وعن ابن شهاب : أخبرني عروة أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسوّر ابن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا : ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه ؟ ، فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة ، قلت : إن لي إليك حاجة ، وهي نصيحة لك ، قال : يا أيها المرء منك ، قال معمر : أراه قال : أعوذ بالله منك؛ فانصرفت فرجعت إليهما إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال : ما نصيحتك ؟ ، فقلت : إن الله سبحانه بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، وكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهاجرت الهجرتين ، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأيتُ هدْيَه؛ وقد أكثر الناسُ في شأن الوليد ، قال : أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، قلت : لا ، ولكن خلص إليّ من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها ، قال : أما بعد : فإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق ، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله ، وآمنتُ بما بعث به وهاجرت الهجرتين كما قلتَ ، وصحبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بايعته؛ فوالله ما عصيتُه ، ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم أبو بكر مثله ، ثم عمر مثله ، ثم استخلفت ، أفليس لي من الحقّ مثل الذي لهم ؟ ، قلت : بلى ، قال : فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ؟ أما ما ذكرتَ من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله . ثم دعا عليًّا فأمره أن يجلد ، فجلده ثمانين))( ). وقال الإمام أحمد : ((ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : ثنا الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن حوالة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظل دومة وعنده كاتب له يُملي عليه ، فقال : ألا أكتبك يا ابن حوالة ؟ ، قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عني . وقال إسماعيل مرة في الأولى : نكتبك يا ابن حوالة ؟ ، قلت : لا أدري فيم يا رسول الله ، فأعرض عني . فأكبَّ على كاتبه يملي عليه ، ثم قال : أنكتبك يا ابن حوالة ؟ ، قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله فأعرض عني ، فأكبّ على كاتبه يملي عليه . قال : فنظرت فإذا في الكتاب عمر ، فقلت : إن عمر لا يكتب إلا في خير ، ثم قال : أنكتبك يا ابن حوالة ؟ ، قلت : نعم ، فقال : يا ابن حوالة كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر ؟ ، قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله ؟ ، قال : وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى فيها انتفاخة أرنب ، قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله ، قال : اتبعوا هذا ، قال : ورجل مقفى حينئذ ، قال : فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبيه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : هذا ، قال : نعم ، قال : وإذا هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ))( ). وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، ثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال : لما قتل عثمان رضي الله عنه قام خطباء بإيلياء فقام من آخرهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له مرة بن كعب فقال : لولا حديثٌ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة وأحسبه قال : فقربها شكّ إسماعيل ؛ فمرّ رجل متقنع فقال : هذا وأصحابه يومئذ على الحق ، فانطلقت فأخذت بمنكبه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : هذا ؟ ، قال : نعم ، قال : فإذا هو عثمان رضي الله تعالى عنه )) ( ). وقال الإمام أحمد أيضًا : ((ثنا بهز وعبد الصمد قالا : ثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن مرة البهزي قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال بهز في حديثه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تهيج فتنة كالصياصي فهذا ومن معه على الحق)) ، قال : فذهبت أخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه ))( ). وقال الإمام أحمد : ((ثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا موسى بن عقبة قال : حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة : أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافًا أو قال : اختلافًا وفتنة )) فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ ، قال : ((عليكم بالأمين وأصحابه)) وهو يشيرُ إلى عثمان بذلك))( ). وقال الإمام أحمد : ثنا أبو المغيرة قال : ثنا الوليد بن سليمان قال : حدثني ربيعة ابن زيد ، عن عبد الله بن عامر ، عن النعمان بن بشير ، عن عائشة قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفّان فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر كلام كلمه أن ضرب منكبه ، وقال : ((يا عثمان ! إن الله عز وجل عسى أن يلبسك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ، يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ثلاثًا ...)) ، فقلت لها : يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك ؟ ، قالت : أُنسيتُه والله فما ذكرتُه ، قال : فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرضَ بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إليّ به ، فكتبت إليه به كتابًا))( ). والأحاديث في هذا كثيرة جدًّا ، ونستحسن أن نضيف إلى هذه الأحاديث المشرقة في فضائل عثمان كلماتٍ نيِّرة لأخيه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكلمات حق صدع بها لإبراز مكانة أخيه ولقطع ألسنة الطاعنين فيه والمغرضين : فمما ثبت عن علي رضي الله عنه : قال أبو بكر القطيعي في ((زوائد فضائل الصحابة)) : حدثنا أحمد ، قال : ثنا الترجماني قال : حدثتني أم عمرو ابنة حسّان بن زيد أبي الغصن قالت : سمعت أبا الغصن يقول : دخلت المسجد الأكبر مسجد الكوفة وعلي بن أبي طالب يخاطب الناس قائمًا على المنبر ، فنادى ثلاث مرار بأعلى صوته : يا أيها الناس نُبِّئت أنكم تكثرون فيّ وفي عثمان بن عفان ، وإن مثلي ومثله كما قال الله عز وجل : { ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانًا على سرر متقابلين } ، وقالت : سمعت أبي يقول : إن عثمان جهّز جيش العسرة مرتين( ). وقال الإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) : ثنا محمد بن جعفر ، نا شعبة ، عن أبي عون قال : سمعت محمد بن حاطب قال : سألت عليًّا عن عثمان فقال : هو { من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم آمنوا ثم اتقوا }( )ولم يختم الآية . وقال الإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) : نا يحيى بن سعيد ، عن شعبة قال : حدثني أبو بشر ، عن يوسف بن سعد ، عن محمد بن حاطب قال : سمعت عليًّا يقول : يعني : { إن الذي سبقت لهم منا الحسنى } منهم عثمان( ). رضي الله عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد وأرضاه؛ فإنّ فضائلَه ومزاياه كثيرة لا يتّسعُ المقامُ لاستيفائها ، والمسلمون الصادقون يعرفون قدْرَه ومكانته ، وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعرف الفضل إلاّ ذووه ، ولا عبرة بالروافض والرعاع وأمثالهم مِن سقطِ المتاع .