يخطو الفيلم الوثائقي الرابع للشاعرة والمخرجة الإماراتية نجوم الغانم خطوة إضافية باتجاه معاينة صورة المجتمع الإماراتي من الداخل عبر بورتريه جديد يقترب أكثر من الواقع الحديث للامارات التي احتفلت قبل أيام بذكرى اتحادها الأربعين. فبعد فيلميها السابقين اللذين تناولا سير شخصيات متفردة وخاصة جدا تعيش في مناطق بعيدة عن المدن المزدانة بابراجها ومعمارها الحديث المتواصل أي شيخ صوفي وامرأة مسنة تمتلك قدرات على مداواة الناس على الطريقة القديمة، زرعت المخرجة كاميرتها هذه المرة في قلب المدينة التي يتخالط فيها ما يزيد عن مئة جنسية مختلفة.
بين أبو ظبي ودبي والشارقة، فوق رمال الصحراء او داخل الصروح الثقافية المتحولة وسط جغرافيا عمرانية تعكس الرغبة في كل ما هو جديد، صورت نجوم الغانم بورتريه لفنانة سورية اتخذت من أبو ظبي مكانا للجوء الاقتصادي فقصدت الإمارات بعقد عمل موقت لكنها سرعان ما وجدت نفسها اسيرة لحياة أخرى عنوانها الوظيفة.
ويطرح الفيلم المشارك إلى جانب 13 فيلما في مسابقة "المهر الإماراتي" ضمن فعاليات مهرجان دبي السينمائي الكثير من الأسئلة حول معنى العيش في مكان آخر يتعين على المرء فيه أن يبدأ كل شيء من الصفر فيمحى التاريخ الشخصي ليبدأ كل مهاجر وإن بصورة موقتة تاريخه من جديد.
وتقول نجوم الغانم حول فيلمها "أمل" انه عبارة عن "وثيقة بصرية عن الممثلة السورية أمل حويجة المعروفة في مجال المسرح والتي قدمت اعمالا قليلة للتلفزيون لكنها ارتبطت بوجدان الكثيرين من العرب من خلال المسلسلات الكرتونية التي مثلت فيها خلال حياتها."
وتضيف المخرجة أن فيلم "أمل" يتحدث عن حياتها اليوم كفنانة مختفية وبعيدة وعن انكساراتها وجراحها التي حملتها بسبب الفن والمعايير التي يفرضها بعض المخرجين في حياة الفنان او يتسببون بها.
وتشير الغانم الى ان الفيلم يعكس كذلك "جانبا من حياة كل مغترب عليه ان يثبت نفسه ويحاول إيجاد ذاته في البلدان الجديدة وفي عالم مليء بالفوضى والضجيج".
أما الفنانة أمل حويجة التي تبدو مرحة باستمرار في ظل الظروف السائدة والتي تجرؤ على تعرية حاضرها وحياتها، فقالت بعد مشاهدتها الفيلم مع الجمهور: "لم أتوقع أن يكون رد الفعل ايجابيا لأن العمل فيه شيء شخصي جدا وخفت الا يتقبل الجمهور ذلك".
وعبرت حويجة عن قلقها الذي سبق عرض الفيلم لكنها بدت مطمئنة للنتيجة بعد العرض، فقالت "وصلتني رسائل كثيرة مفادها أن الموضوع مهم ويعنيهم جميعا وهذا الأمر أراحني. كنت اخاف ان يحمل الفيلم طابعا شخصيا لكن رد فعل الجمهور اكد لنا اننا دخلنا في مساحات كنا نتمنى دخولها ووصلت للحضور. كنت متأكدة أنه اذا لم اخرج التناقضات التي في داخلي فان أهمية العمل ستكون أقل."
وأضافت حويجة "أركز على هذا الجانب حتى عندما أكتب القصة وتحديدا عندما أحكي عن النقاط التي تكشف دائما الجانب الآخر للقوة او الاستقرار... أتمنى أن يتحلى كل شخص يشعر بالتردد أو القلق بقوة أكبر لأنني عشت هذه المرحلة لفترة لا بأس بها ورأيت أنني أضعت الكثير من الوقت."
وفي غضون 88 دقيقة، يتوقف الفيلم عند حاضر الفنانة التي تتطرق إلى ماضيها الفني وسيرتها وعلاقتها بعملها وفنها وأمها وزوجها وإحساسها بالتهميش الثقافي في الإمارات حيث يعجز المرء عن التفاعل الفني في بلد يعيش حرية نسبية ويبدو أقرب إلى المطار كما تلاحظ في الفيلم قبل أن تبدل رأيها.
ويتميز فيلم "أمل" بأنه الفيلم الوثائقي الاماراتي الأول الذي يتعاطى مع قضية الهجرة ويسعى إلى أن يصنع للمكان المتنامي بسرعة ذاكرة وإن بمقيميه العابرين، ولا سيما أن الصداقات والعلاقات العاطفية تبدو عرضة للانهيار في أي لحظة ومع أي قرار بالعودة.
وتأتي المخرجة الى الصورة متسلحة بتجربتها الشعرية الطويلة التي تتبدى في اطراف الفيلم وفي أعمالها السابقة، مضيفة إلى العمل ابعادا انسانية شاملة عبر ملامسة قضايا الوحدة والعمل والصداقات والحب والفن والمنفى ووجع الأوطان.
وكشفت نجوم الغانم لوكالة فرانس برس انها انهت العمل على سيناريو فيلم روائي تتوقع ان تبدأ تصويره العام المقبل: "احلم بهذا الفيلم منذ أن دخلت الجامعة لدراسة الانتاج السينمائي وهو يدور في رأسي باستمرار لكن الظروف لم تساعدني من قبل، أعتقد أن الوقت قد حان ليرى النور".
ويحمل الفيلم عنوان "سالم" وتدور أحداثه أيضا حول مواجهة الواقع وآلامه وإمكانية الانكسار أمامه او الانتصار عليه في دبي اليوم.
وسبق لنجوم الغانم ان حازت عن اعمالها الوثائقية السابقة جائزة افضل مخرجة اماراتية في مهرجان دبي السينمائي الدولي (2008) وجائزة افضل فيلم اماراتي في مهرجان الخليج عن فيلم "المريد" (2008) وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة "المهر الاماراتي" (2010) عن فيلم "حمامة" الذي نال ايضا جائزة افضل فيلم وثائقي في مهرجان الخليج السينمائي هذا العام.
وأصدرت نجوم الغانم كشاعرة هذا العام مجموعة بعنوان " ليل ثقيل على الليل" وستصدر قريبا جدا كتاب "أسقط في نفسي".