تعد رواية أولاد حارتنا محاولة شجاعة وجريئة من روائى بارع وفريد ، فى ان يمارس دوره فى فهم القصص الدينى وتأويله من خلال تناوله فى سياق روائى ملىء بالرمزية ، فى تجربة اولى وفريدة من نوعها منذ ظهور فن الرواية العربية على مسرح الابداع الادبى العربى . على المستوى الفنى تعد تلك الرواية عمل روائى فريد مزج فية الكاتب بين الواقع والخيال , و الحقيقة والرمز , وهى عمل مستمر فى الزمان يستشرف المستقبل بقدر ما يستفيد من عبر الماضى وبقدر ما يعالج اخطاء الحاضر
ويظهر ذلك جلياََ فى توظيف احداث تلك الرواية بما يخدم الواقع السياسى والاجتماعى الذى تعيشه الامة العربية والاسلامية الان , فكانت الرواية موصولة الصلة بواقعنا الحالى مستبينة امراضه , مجتهدة فى طرح الحلول الجذرية لعلاج كثير من الامراض التى أمتلأ بها جسد الامة العربية والاسلامية قديما وحديثا
ورغم ان الاستاذ نجيب محفوظ قد لجأ لاسلوب الرمز والتورية فى تناول شخصيات الرواية وذلك يرجع لطبيعة الموضوع الذى يتصدى له ولمقتضيات الحبكة الروائية , الا ان ذلك لا يخفى جوهر الرسالة التى يريد ان يبعثها الكاتب من استلهام واضح لاروع ملاحم التاريخ البشرى , فقد قصد الكاتب فى ظنى تناول اروع ملحمة فى تاريخ البشرية ، ملحمة الانبياء فى سياق روائى مبسط ليستنبط الكاتب بهذا الاسلوب المجازى أروع القيم الانسانية فى سيرهم , ويرد لهولاء العظماء من البشر حقهم الذى اغتصب ظلما وعدوانا فى عصر تألة فية الانسان وغره تقدم علومه وأزدياد معارفه ، ظنا منه انة بذلك يستطيع ان يمحو تراث من كان لهم اكبر الاثر فى انسانية الانسان وتطوره الاخلاقى
واذا كان الاستاذ نجيب قد حاول جاهداََ فى تلك الرواية معالجة قضية " العلم والدين" باعتبارها القضية المحورية فى الفكر الانسانى , فقد أعلن الاستاذ بوضوح انحيازه الكامل للعلم كباعث لغدا مشرق ، محذراً فى نفس الوقت من ان العلم بدون اخلاق أو غاية هو اكبر مأساة للانسانية , وموضحا ان معركة العلم والدين لن تنتهى بانتصار احدهم على الاخر بل الخاسر فى النهاية هو الانسان , محاولا بذلك ازالة الالتباس بينهم ليعمل كل منهم فى مجاله فلا يستبعد احدهم الاخر بل يعيشان جنباً الى جنب فى عالم اصبحنا جميعا ننتظره ونأمل فيه
فلم يكن فى الحقيقة موت الجبلاوى تعبيراً عن موت الاله بشكل فعلى كما ظن الكثير ، بقدر ما كان فى الحقيقة تعبيراً رمزيا عن مرحلة تاريخية تأله فيها الانسان بعلمه وأراد ان يرسم طريقه بعقله بدون معونة خارجية من الاله معلنا بذلك بداية زمن الحرية للانسان وتخلصه من العبودية الى الابد
الا ان الحلم ما لبث ان انتهى بكابوس مزعج وبفشل ذريع وفساد وظلم وتخبط شامل , فما لبث الانسان ان تخلص من عبودية السماء الا ليجد نفسه عبداََ لسلطة اخرى ارضية ! فما زال يعانى من العبودية بل أصبح يعانى أسوء انواع العبودية
وفى مقابل ذلك كان الندم على موت الجبلاوى والرغبة فى عودته من جديد الى الحياة وفى نيل رضاه ، تعبيرا رمزيا ايضا عن حاجة الناس الى الايمان والدين كحاكم اخلاقى لاغنى عنه بقدر احتياجهم للعلم ومنجزاته
وهكذا ينتهى هذا العمل الابداعى الفريد بدعوة الانسانية لحياة جديدة قائمة على ( الايمان والعلم والمعرفة معاً ) لتشرق من جديد شمس الانسانية الجديدة
لانه وكما ختم الاستاذ روايته " لا بد للظلم من اخر ، والليل من نهار ، ولنرين فى حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب