هل من الممكن أو من المحتمل أن يفكر حلف الأطلنطى فى التدخل لحماية المدنيين السوريين من إراقة دمائهم على يد نظام قمعى باطش لم يكف يوما عن إراقة الدماء؟ الجواب على هذا السؤال هو بالنفى بكل تأكيد، والسبب ببساطة شديدة هو أن سوريا لا تنتج بترولا أو غازا طبيعيا تستطيع الولاياتالمتحدة وحلفاؤها أن يستخلصوا من ثمنه فاتورة التدخل بالكامل مضافا إليها قيمة الأرباح بحيث تصبح العملية بالنسبة لهم عملية مجزية مثلما حدث فى ليبيا فى العملية الأخيرة ومثلما حدث من قبل ذلك فى العراق. إن أهم ما تشتهر سوريا بإنتاجه هو البندق والفستق وقمر الدين والمشمش الحموي!!، وحلف الأطلنطى لن يغامر بطبيعة الحال بشن عملية باهظة التكاليف لكى يقال له حين يحين موعد أداء الفاتورة: «فى المشمش»، ذلك أن كل إنتاج سوريا من المشمش لن يغطى ربما واحدا فى الألف من إجمالى التكلفة!!، كذلك فإن حلف الأطلنطى لن يغامر بشن مثل هذه العملية توقيا لأى مخاطر محتملة قد تصدر من النظام السورى الراهن فذلك النظام رغم شعاراته الرنانة لايزال يلبى الحدود الدنيا وربما ما هو فوق الحدود الدنيا من المطالب الأمريكية والإسرائيلية.. الأوضاع فى الجولان هادئة تماما.. ولم تنطلق منها رصاصة واحدة منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما.. والطائرات الإسرائيلية تحلق فى أمان فوق الأجواء السورية لكى تطمئن إلى أنه ليس على الأرض ما يقلق أو يخيف، وربما قامت بقصف ما ينتابها أى شك فى أمره دون أن يجرؤ النظام السورى على الرد بأكثر من الكلام، والنظام السورى قد أبدى استعداده أكثر من مرة لإبرام معاهدة صلح مع إسرائيل سواء فى عهد حافظ الأسد أو فى عهد بشار الأسد، لكن إسرائيل هى التى رفضت أن تعيد إليه الأرض التى احتلتها فى عام 1967 بالكامل، وعلى هذا فإن النظام السورى الراهن لا يمثل خطرا كبيرا سواء الآن أو فى المستقبل القريب على المصالح والأطماع الإسرائيلية مما قد يبرر توجيه ضربة وقائية إليه، صحيح أن النظام السورى لا يخفى تأييده لإيران ولا يخفى تأييده ودعمه لحزب الله الذى يمثل الشوكة العربية الوحيدة التى تدمى صدر أمريكا وإسرائيل دون أن تقدر أى منهما على انتزاعها غير أن دور سوريا فى دعم هذا الحزب لا يتجاوز كونها همزة وصل بين المنبع (إيران) وبين المصب (حزب الله)، وكونها همزة وصل لا يكفى فى حد ذاته لشن حرب عليها ولو بحجة حماية أرواح الأبرياء من المدنيين السوريين!! وهكذا فإن دول حلف الأطلنطى سوف تكتفى على الأرجح بمتابعة الإدانة والشجب واستنكار مشاهد أنهار الدماء، رغم أن تلك الدول قد ساهمت وما زالت تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر فى تأجيج تلك المشاعر أملا فى أن تقوم الجماهير السورية العزلاء بخوض المعركة نيابة عنها وإزاحة ذلك النظام الذى لا يلبى مطالب أمريكا وإسرائيل بالكامل.. وإفساح الطريق أمام قوى بديلة لعلها تفض التحالف مع إيران وتوقف تدفق المساعدات إلى حزب الله.. وربما كانت الحالة الافتراضية الوحيدة التى يمكن لنا فيها أن نتصور نظريا إمكانية تدخل عسكرى غربى دون انتظار لسداد الفاتورة نقدا أو نفطا.. هذه الحالة هى أن يلوح فى الأفق أن القوى التى سوف تكون بديلا عن النظام السورى هى قوى ثورية راديكالية حقيقية معادية للمصالح الأمريكية والإسرائيلية .. حينئذ سوف يتدخل حلف الأطلنطى بكل ثقله، ليس لحماية المدنيين، لكن لإجهاض الانتفاضة الشعبية ودعم النظام السورى ذاته باعتباره فى هذه الحالة الافتراضية أهون الضررين، ولا عبرة عندئذ بعدد الضحايا الذين سيسقطون ولا بحجم أنهار الدماء السورية التى سوف تسيل.. ولاعزاء للمشمش.