«الفجر» تنشر خطة السلفيين والجماعة الإسلامية لضرب مرشحى الحرية والعدالة من الإسكندرية إلى أسوان أسبوع هروب الإسلاميين من «جنة» الإخوان
المصالح السياسية لا دين لها، والإخوان أيضا لا عهد لهم، وأيام الانتخابات دوارة.. فالإسلاميون الذين رفعوا المصاحف فى وجوهنا وأطلقوا النفير لغزوة الصناديق بالأمس، لم يجدوا غضاضة فى أن ينحوا نفس المصاحف جانبًا اليوم عندما حان وقت تقسيم الغنائم الانتخابية فيما بينهم، فلم يأت خلافهم على برامج حزبية أو أمور عقائدية، لم يتصادموا قط بشأن ولاية امرأة أو قبطي، ولكن أشهروا سيوفهم فى وجوه بعضهم عندما تعلق الأمر بالسياسة التى كانوا يكفّرون أصحابها فى الماضي. وجد السلفيون والجماعات الإسلامية أنفسهم فجأة بعد ثورة 25 يناير قوى وليدة فى الشارع السياسى بلا خبرة كافية، وبدون كوادر مجهزة أو كيانات فعلية على الأرض، فصدقوا الذئب الإخوانى العجوز، الذى فتح لهم ذراعيه ومناهم بحلم تطبيق الشريعة، كما وعدهم بمنحهم الفرصة والدعم، وأن يكون لهم المظلة السياسية، التى يحتاجونها، فى مقابل الاستفادة من كتلتهم التصويتية الكبيرة فى الانتخابات. فاستكانوا فى أحضانه، إلى أن استيقظوا على خدعته الكبري.. فالذئب تأهب لالتهام كل المقاعد، فوجد السلفيون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يرضوا بالبواقى التى يرميها لهم الإخوان، وإما أن يقفزوا من سفينة التحالف الديمقراطي، ومن ثم اختارت الأحزاب السلفية ومعهم البناء والتنمية (الجناح السياسى للجماعة الإسلامية ) القرار الأصعب والأجرأ، متوعدين بالثأر من الإخوان الذين خدعوهم، وهو ما قاله صراحة د.صفوت عبدالغنى مسئول ملف الانتخابات فى حزب البناء والتنمية: «سننافس الإخوان ولن ترك لهم مقعداً واحداً «. لتنتهى بذلك شهور العسل التى بدأت بين جماعة الإخوان والإسلاميين، عقب الثورة عندما تلفتت الانتهازية الإخوانية حولها بعد سقوط النظام، فلم تجد حليفا أفضل من عدو الأمس، السلفيون والجماعات الإسلامية، سياط النظام السابق فى ظهر الإخوان وورقة الضغط فى لعبة القط والفأر بينه وبينهم، لكى تستعين بهم ضد التيارات الليبرالية والعلمانية للخروج بتعديلات دستورية تنتهى بتعجيل انتخابات برلمانية تصب فى صالحها بعد أن نجحت فى تخويف الشارع من اللعب فى المادة الثانية من الدستور التى تحتفظ لمصر بهويتها الإسلامية. ومع الاستعداد للانتخابات إذا بلهيب الغرام المفاجئ يشتعل بين الطرفين وبوصلات الغزل المتبادلة بينهما تبدأ بتصريحات د.عصام العريان بأن علماء التوجه السلفى مشهود لهم ب«رجاحة العقل ودقة الفهم»،وإذا بأوصاف مشايخ السلفية السابقة للإخوان المسلمين بأنهم لا يفهمون من إسلامهم إلا مظاهر وهتافات لا غذاء فيها» تختفى ويحل محلها تصريحات الشيخ محمد حسان والشيخ أحمد النقيب: «الإخوان هم أقرب الناس إلينا ونصرهم فى الحقيقة نصر للإسلام»، «هم الأولى بدخول المعترك السياسى بما يملكونه من خبرة تنظيمية كبيرة فى العمل العام «،بعدها تحول مشايخ السلفية بقدرة قادر إلى نجوم فى المؤتمرات الجماهيرية للإخوان المسلمين ،خاصة مؤتمر الهرم «الإخوان والسلفيون إيد واحدة الذى دشن فيه الإخوان والسلفيون تحالفهم بشكل معلن بحضور 50 ألفًا من أتباعهما. هكذا بذل السلفيون كل ما بوسعهم فى سبيل إنجاح تحالفهم مع الإخوان واعتمدوا على كتلتهم التصويتية التى تطمع الجماعة فى الحصول عليها فى الانتخابات دون أن يضعوا فى اعتبارهم أن هذه الكتلة التصويتية إذا جاءت فى مقابل أن يضحى الإخوان بمقعد واحد فى مجلس الشعب فسيستغنون عنها فى أول منعطف يقابلهم . وهو ما حدث بالفعل.. فكان حزب النور هو صاحب الكلمة الأولى فى الانتفاضة الإسلامية ضد الإخوان وأول الخارجين من التحالف الديمقراطي، ولكن ظل المأزق الأكبر أمامه فى عدم وجود مرشحين كافين لديه فى بعض محافظات الصعيد، بالإضافة إلى بعض مناطق القاهرة الكبري،الجماعة الإسلامية أيضًا انسحبت من التحالف بعد ساعات فقط من إعلانها الانضمام إليه ، حيث رفض قادة البناء والتنمية تماما سياسة التهميش والتجاهل التى مارسها الإخوان وتحالفهم، ضد مرشحى الجماعة الإسلامية فى الصعيد، معقل الجماعة ومنطقة نفوذها، عندما تم تخفيض عدد مرشحيها من 150 إلى (70-80) مرشحًا، لتنتهى ب20 مرشحًا لها فقط وفى ذيول القوائم. ما دفع صفوت عبدالغنى القيادى بالجماعة الإسلامية ومعه وكلاء مؤسسى الأحزاب الإسلامية المنسحبة كمال حبيب وكيل مؤسسى الحزب الجهادى «السلامة والتنمية «وعمر عزام وكيل مؤسسى «التوحيد العربى « وكذلك محمد إمام عضو الهيئة العليا للفضيلة إلى اتهام الإخوان المسلمين بممارسة «الابتزاز الرخيص» ، وهو ما رد عليه د.محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة باستخفاف «أرفض أن يتعاظم الشعور بالذات لدى أى فصيل سياسى مهما كان حجم انتشاره».. هكذا هى النظرة الدونية من جماعة الإخوان المسلمين إلى باقى القوى الإسلامية الواردة حديثا إلى الحياة السلمية الشرعية المدنية. وقد وقف الإسلاميون صفا واحدا ضد جماعة الإخوان تجمعهم المصلحة المشتركة وتقويهم الرغبة القوية فى الثأر من الجماعة التى خدعتهم وغررت بهم، ليدشنوا الأسبوع الماضى أسبوع المفاوضات الأعظم فيما بينهم. لم يضيع النور الوقت، فشكل لجان تفاوض عقدت جلساتها فى جولات مكوكية بشكل يومى حتى منتصف الليل طيلة الأسبوع الماضى مع ممثلى الأحزاب الإسلامية التى خرجت من التحالف الإخوانى لخوض الانتخابات على قوائمه. بدأ التفاوض مع الأصالة على مدار عدة أيام حول القوائم، فوافق النور على تقسيم رؤوس القوائم الأربع فى القاهرة بالمناصفة بين الحزبين، فذهبت القائمة الرابعة فى مدينة نصر إلى د.عادل عبدالمقصود عفيفى رئيس حزب الأصالة، بينما حصل نائبه ممدوح إسماعيل على رأس الدائرة الأولى فى شبرا والساحل وروض الفرج، فيما فشل حزب الأصالة فى الفوز برأس قائمة ثالثة. لكن النور كان قد أكمل جميع قوائمه بالكامل فى محافظات الاسكندرية، والبحيرة وكفر الشيخ والإسماعيلية والقليوبية، فلم يوافق على انضمام الأصالة على قوائمه فى هذه المحافظات، حيث سيخوض فيها الانتخابات منفردا، وبينما شكلت محافظة مرسى مطروح معضلة بين الحزبين اللذين يملك كل منهما قائمة قوية هناك، تم الاتفاق على أن يشارك الأصالة على قوائم النور بمرشحين له فى محافظات أسوان والسويس والمنيا، لينتهى التنسيق بقبول 15مرشحًا من أصل 50 مرشحاً اقترحهم الأصالة على قوائم النور فيما تأجل التفاوض على الفردي. غير أن مفاوضات النور مع الجماعة الإسلامية شهدت مراحل أكثر تعقيدا بسبب عقبة الصعيد، الذى قررت الجماعة خوض الانتخابات فيه ب20مرشحا من عمداء العائلات بحيث يستطيعون مواجهة الفلول فى محافظات -خاصة- المنيا وسوهاج وقنا والفيوم وأسوان. وبينما كشف عماد عبدالغفور رئيس حزب النور أن المؤشرات المبدئية للتفاوض تجنح إلى حصول الجماعة الإسلامية على نسبة الثلث من قوائم الصعيد فى مقابل الثلثين للنور هناك، ذهب مقعدان من قوائم النور لحزب التوحيد العربى أحدهما للمهندس عمر عزام فى دائرة حلوان. من جانبه.. كان الوسط قد قرأ اللعبة الإخوانية منذ بدايتها، وسيدفع بجميع قياداته فى الانتخابات، فى وقت لا يزال يفرض فيه سياجا من السرية على أسماء عدد من الشخصيات العامة التى انضمت إليه فى الفترة الماضية ووصفها المهندس طارق الملط المتحدث الرسمى للحزب ب «المفاجأة الضاربة »، فلم يكتف فقط بخوض الانتخابات بقائمة مستقلة على نسبة 100% من المقاعد فى محافظات مصر، لكنه فتح الباب أيضا لمطاريد الإخوان للنزول على قوائمه عملا بمبدأ «لا يفل الحديد إلا الحديد» ، مدشنا بذلك تحالفًا آخر يقف على قدم مساواة مع تحالف النور السلفى فى العداء للإخوان المسلمين. غير أن شقيقاً ثالثا للوسط فى التاريخ الإخواني، هو حزب الريادة (تحت التأسيس)، بادر أولا بتلبية دعوة الأخير، لتأتى المفاجأة بتشكيل مرشحى الريادة لقائمتى حزب الوسط بالكامل فى الإسكندرية حيث سيخوض الوسط الانتخابات فى قائمة غرب إسكندرية وعلى رأسها المهندس خالد داود وكيل مؤسسى الريادة وأحد قيادات جيل السبعينيات فى جماعة الإخوان المسلمين سابقا لينافس بقائمته قائمة الإخوان هناك وعلى رأسها المرشح الإخوانى الأشهر حسن البرنس، فيما يخوض الوسط الإنتخابات فى شرق الإسكندرية وعلى رأس قائمته د.عمرو أبو خليل ، نائب وكيل مؤسسى الريادة، ورفيق عصام العريان فى اللجنة المركزية للإخوان المسلمين قبل سنوات ورئيس اللجنة المركزية أيضا للإخوان فى الإسكندرية قبل أن يعلن خروجه من الجماعة ، ليخوض هو الآخر الانتخابات أمام قائمة الإخوان وعلى رأسها صبحى صالح المحامى الإخوانى الأشهر. الإسكندرية ليست المحافظة الوحيدة التى حصل الريادة فيها على رءوس قوائم الوسط، بل سيخوض الريادة الانتخابات أيضا على رأس قائمة الوسط فى بنى سويف ممثلاً فى المهندس محمد هيكل، وكذلك البحيرة ممثلا فى د.عبدالمجيد الديب، هذا إلى جانب القاهرة وغيرها من المحافظات التى يشارك فيها مرشحو الريادة بفاعلية على قوائم الوسط. الأهم من ذلك أن كلتا الجبهتين التى أعلنت العداء على الإخوان سواء الأكثر تشددا ممثلة فى قائمة النور والأصالة والبناء والتنمية، أو حتى الأكثر انفتاحا ممثلة فى الوسط والريادة، لم يكتفيا فقط بوضع وثيقة شرف فيما بينهما تنص على عدم تجريح أى منهما للأخرى فى الدعاية الانتخابية، ولكنهما اتفقا بالفعل على التنسيق بينهما والسحب المتبادل للمرشحين فى الدوائر الفردية، خاصة فى محافظتى البحيرة وبنى سويف. وفى الأخير، حين شعر الإخوان المسلمون بخطر التحالفات الإسلامية الجديدة ضدهم، بدأت قيادات الجماعة تدور من جديد على أحزاب الوسط والنور والبناء والتنمية التى سبق أن طردتها من التحالف الديمقراطي، لتناشدها العودة إلى حظيرتها مرة أخرى لكن دون جدوي. بهذا حصل الإخوان على لقب الفصيل السياسى الانتهازى الأول فى مصر، بعد أن غدروا بجميع القوى السياسية الليبرالية والعلمانية، وأيضاً الإسلامية، سواء المتشددة منها، أو الأكثر انفتاحاً. المشهد الذى يرى فيه إبراهيم الزعفرانى القيادى الإخوانى السابق، أن تحالف السلف ضد الإخوان فى الانتخابات البرلمانية القادمة، من شأنه تغيير الخريطة الانتخابية فى مصر، حيث ستتفتت الكتلة التصويتية بين تيارات إسلامية مختلفة، ولن تكون مقتصرة فقط على الإخوان أو حزبهم، لكن ورغم كل ذلك، سيبقى الإخوان المسلمون بحسب الدكتور عمرو الشوبكى الخبير فى شئون الحركات الإسلامية، هم الفصيل الإسلامى الأقل خسارة من خروج باقى الأحزاب الإسلامية من التحالف الديمقراطي، والأهم أن التقسيم الواضح بين التيارات الإسلامية فى جبهتين، سيفيد الإخوان بإظهارهم، باعتبارهم الفصيل الإسلامى المعتدل والأقل تشددا.