النتيجة واحدة: هدم الكنائس وحرقها بلا عقاب.. ودماء شهداء بلا ثمن ضابط أمن الدولة كان يتعامل مع الملف القبطى بانتمائه الدينى للإسلام.. فيبارك حرق الكنائس.. وأفراد الشرطة العسكرية كانوا يضربون شاباً قبطياً ويصرخون فيه: يا كافر
البابا شنودة سلم الأقباط لأمن الدولة ثم شكا من تجسس الجهاز على اعترافات رعاياه.. والمجلس العسكرى سلم الملف القبطى للسلفيين دون أى حنكة سياسية
توقع الشاب القبطى أى رد فعل، لكن لم يحدث شيء، فجلس إلى مكتبه مرة أخرى ليكتب رؤيته الخاصة فى إصلاح الكنيسة مدفوعا بأفكار الشباب وحماسهم، وضع رؤيته فى كتيب صغير، وضمن الكتاب نسخة بيانه الثانية الموقعة بأبناء القديس أثناسيوس، وقال إن هذا بيان وصله على عنوان بيته بالبريد، ليوحى لمن يقرأ كتيبه بعد ذلك أن هناك حركة إصلاحية بالفعل تحمل هذا الاسم. بعد أن طبع عدة مئات من كتيبه الصغير الذى يحمل رؤيته الخاصة، وجد من يستدعيه من مباحث أمن الدولة، قال له من استدعاه إن هذه الزيارة ودية للتعارف فقط، وعندما جلس إليه وجد البيان الذى أرسله إلى مكتب البابا شنودة على مكتبه. سأله الضابط عن هذا البيان الذى أورد نصه فى كتابه، من أين حصل عليه وكيف وصله؟ فأجاب عليه بما سبق له وأورده فى كتيبه بأنه وصله عبر البريد على عنوان بيته، وأنه لا يعرف شيئًا أكثر من ذلك عنه، وأن هذا البيان يمكن أن يكون قد وصل بالفعل لآخرين بالبريد على عناوينهم. خرج الشاب القبطى من مقر مباحث أمن الدولة بعد أن تبادل أرقام التليفونات مع الضابط، لكن ظل هناك سؤال يشغله، وهو كيف وصلت نسخة البيان الذى أرسله إلى مكتب البابا إلى مباحث أمن الدولة؟ إنه واثق أن هذا البيان هو نفسه الذى أرسله إلى مكتب البابا، فلا توجد أى نسخة فى مكان آخر إلا النسخة الثانية التى لديه، فهل أرسل البابا بنسخته إلى أمن الدولة؟ وإذا كان فعل.. فما الذى كان يريده البابا من وراء ذلك؟ الإجابة عن سؤال الشاب القبطى لم تكن صعبة، فهناك خط ساخن ومفتوح بين البابا شنودة أمن الدولة، وليس بعيدا أن يكون البابا أرسل هذا البيان إلى أمن الدولة حتى يتحروا عن أصحابه، ويأتوه برؤوسهم وهم صاغرون، ورغم أن هذا أمر غريب إلا أنه حدث بالفعل. هذه الواقعة التى لا أشك مطلقا فيها ولا فيمن رواها لي، تؤكد أن الكنيسة المصرية كانت غارقة حتى أذنيها وبرغبتها فى مستنقع جهاز أمن الدولة.. وهو مستنقع عرف البابا شنودة أنه آسن وعفن بعد أن فات الأوان.. فقد مكن أمن الدولة من أبنائه وأدخل ضباطه إلى المذبح.. ولما أصبح ضعيفا لا يستطيع أن يقف أمامهم حذر أبناءه منهم وعلانية. فى إحدى عظاته الأسبوعية وجه البابا شنودة النصيحة إلى جموع الأقباط بشكل واضح ألا يقدموا اعترافاتهم إلى الآباء الكهنة عبر التليفونات المحمولة أو شبكة الإنترنت، لأن الاعترافات يمكن أن تصل بهذه الطريقة إلى مباحث أمن الدولة. الجهاز الذى انفرد بملف الأقباط ورفض أن يتنازل عنه رغم مطالبات الجميع بالأمر، كان يتجسس إذن على الأقباط ويعرف عنهم كل شيء، لكن هل كانت العلاقة بين الأقباط وأمن الدولة فى عهد مبارك مقصورة على ما يمكن أن تسجله المباحث من اعترافات الأقباط بما فيها من أسرار خاصة؟ إجابة السؤال التى كان يعرفها الجميع أن العلاقات بين الكنيسة وأمن الدولة كانت أكبر وأعمق من أن نحصرها فى التجسس على التليفونات، فأمن الدولة فى مصر فى الغالب لا يحتاج إلى أن يتجسس أو يسجل أو يتصنت على تليفونات الأقباط، لأن الكنيسة كانت متعاونة للغاية.. بل وكانت تقدم ربما أكثر مما يطلبه جهاز الأمن طواعية دون أن يرغمها أحد على ذلك. ولا تندهش عندما تعرف مثلا أنه كان هناك من بين سكرتارية البابا شنودة من يعرف بأنه مسئول الأمن فى الكنيسة، أى أنه المسئول عن الاتصالات مع أمن الدولة وإدارة الأزمات التى تحيط بالكنيسة. وربما لهذا السبب كان يعتقد البعض أن هذا الأسقف تحديدا «الأنبا يؤانس « يمكن أن يخلف البابا بسبب قربه من الأمن، فهو يعتبر عند بعض الدوائر رجل الأمن فى الكنيسة، وسيكون من السهل والمناسب أن يتم التعامل معه، فهو يعرف الأمن ويعرفه الأمن، وهذا خير للجميع من أن يأتى رجل آخر يكون بعيدا عن مساحة التفاهم مع الأمن، وهو أمر سيكون متعبا للطرفين. ولم ينكر الكثير من الأساقفة أنهم يتعاونون مع أمن الدولة، لأن التعامل مع أمن الدولة كان أقصر الطرق لحل المشاكل التى تعترض طريق الأقباط، وهؤلاء كنا نسميهم أساقفة الأمر الواقع. فهم يعرفون أن أمن الدولة هو المسئول عن الملف القبطي، القرار قراره ولا يصدر أى قرار من أى جهة فيما يخص بناء الكنائس أو ترميمها أو إقامة الموالد للعذراء والقديسين أو إقامة ندوات ومعسكرات إلا بعد موافقة أمن الدولة، ولذلك فإنهم يذهبون إلى الجهة الصحيحة حتى لا يضيعوا أوقاتهم. ومن واقع متابعتى لملف الأقباط لسنوات طويلة كنت أعرف أن أكثر الأساقفة صراحة مع أنفسهم فى التعامل مع هذا الملف هو الأنبا مرقص أسقف شبرا الخيمة، لم يكن ينكر أنه يتعامل مع أمن الدولة، بل إن علاقته بمباحث أمن الدولة فى القليوبية كانت جيدة جدا، ومن خلال هذه العلاقة استطاع أن يحل كثيرا من المشاكل التى اعترضت طريقه. وذات مرة ضرب لى مثلا أنه كانت هناك فتاة من بنات الكنيسة اختفت لعدة أيام، وجاء والدها وعدد من الشباب وأرادوا أن يعملوا اعتصاما فى الكنيسة وأن ينقلوا اعتصامهم بعد ذلك إلى الكاتدرائية فى العباسية، حتى تتحرك الكنيسة وتنقذ الفتاة أو على الأقل تعيدها إلى أبيها. رفض الأنبا مرقص هذا التصرف ونصح الأب والشباب أن يهدأوا حتى يتصرف، وبالفعل أجرى اتصالاته مع أمن الدولة بالقليوبية، ولم تمض سوى أيام قليلة إلا وظهرت الفتاة. أراد الأنبا مرقص أن يدلل من خلال هذا الموقف أن علاقته جيدة بالأمن، لكن كانت هناك قراءة مختلفة لهذا الموقف.. وهى أن أمن الدولة يعرف أين تختفى بنات الأقباط ويمكن من خلال وساطات هادئة أن يعيد الفتيات إلى أسرهن بشرط ألا يلجأ الأقباط إلى التصعيد وكتابة البيانات وإرسالها إلى مواقع أقباط المهجر، لكن عندما يتشدد الأقباط ويلجأون إلى التظاهر فإن الأمن يمارس معهم سياسة العناد ولا يلبى لهم ما يطلبون. والدليل الأكبر على ذلك أن القيادة السياسية أثناء أزمة وفاء قسطنطين.. أوصت أن تنتهى الأزمة وعلى وجه السرعة، وتلقت الجهات الأمنية الأوامر، وبدلا من تنفيذ الأوامر الرئاسية على وجه السرعة.. تم تعطيل القرار أكثر من 24 ساعة من قبل جهاز الأمن، وهو ما ساعد فى اشتعال الموقف. وعندما استطاع البابا شنودة أن يخلص وفاء من بين أيدى الأمن، شعر وقتها المسئولون فى الأمن أن الكنيسة علمت عليهم بلغة الشارع، وأصبح هناك ثأر بايت بين الكنيسة وأمن الدولة.. خاصة أن البابا شنودة كان قد أغلق التليفون فى وجه حبيب العادلى أثناء مناقشته قضية وفاء قسطنطين، فاعتبر ضباط الجهاز أن كبيرهم الذى علمهم السحر أهين، ولابد من إعادة اعتباره. وعندما اندلعت أحداث كنيسة محرم بك فى الإسكندرية وهى الأحداث التى تدفقت طائفيا بعد ما تسرب عن مسرحية «كنت أعمى فأبصرت» التى قدمها شباب الكنيسة وفيها إساءة بالغة للرسول- صلى الله عليه وسلم- وللإسلام والقرآن، اشتعلت الإسكندرية بعد هذه التسريبات وخرجت المظاهرات تحيط بالكنيسة تريد أن تنال منها وممن فيها. خرجت المظاهرات فى القاهرة متناغمة ومشجعة للمظاهرات فى الإسكندرية، ولم يكتف المتظاهرون فى القاهرة بالتنديد والرفض لما جري، ولكن طالبوا البابا شنودة بأن يخرج على الرأى العام المصرى بالاعتذار، ووصلت الإثارة إلى ذروتها عندما خرجت بيانات من بعض الجماعات الإسلامية ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين تهدر دم البابا شنودة وتدعو إلى قتله عقابا له على إساءة الشباب القبطى التعامل مع الرسول والإسلام. وقتها قيل إن أمن الدولة وقف وبقوة وراء تسريب هذا السى دى الذى يحمل المسرحية، ونشره تحديدا بين أوساط الجماعات الإسلامية وكان يعرف جيدا رد الفعل، ولم يكن هذا رغبة من أمن الدولة فى صنع فتنة طائفية بقدر ما كان انتقاما من البابا شنودة وإذلالا له، فقد كان الثأر بين البابا وأمن الدولة لا يزال قائما وساخنا، ولم يكن من المناسب أن يتم التفريط فيه.. لأن الأمر كان يتعلق بهيبة الجهاز، وهى هيبة كان يمكن أن يدفع رجاله حياتهم دون أن تمس أو أن يعتدى عليها أحد. لعبة القط والفأر التى كان جهاز أمن الدولة يلعبها مع الأقباط.. كانت ترجمة دقيقة لحالة الاستخدام السياسى التى كان يمارسها حسن عبد الرحمن رئيس الجهاز السابق وبرعاية مباشرة من حبيب العادلى لملف الأقباط.. وهو ملف كان ولا يزال شائكا للغاية. كان أمن الدولة هو المسئول عن بناء الكنائس وليس رئيس الجمهورية.. كان هو الذى يمنع ويمنح.. كان هو المسئول عن ملف إشهار الإسلام.. وكان كثيرا ما يسهل إعلان الإسلام، ويقف حجر عثرة أمام من يريدون أن يخرجوا من الإسلام، كان يرعى كثيرا من الأحداث الطائفية التى يشغل بها الرأى العام عن القضايا السياسية الكبري. لكن الواقع يقتضى أيضا أن نقول إن جهاز أمن الدولة كان حذرا فى ملف الأقباط، وكان يعرف أين ومتى يضرب.. وأين ومتى يتوقف، وهو ما دعانى إلى أن أرفض من يطالبون بأن يترك الجهاز الملف، لتأسيس ما سمى بمجلس قومى للوحدة الوطنية. كنت أرى أن مجلسًا قوميًا للوحدة الوطنية أو المواطنة مهما أوتى من قوة، ومهما أوتى أعضائه من حكمة وخبرة وحنكة، لن يقدروا على أن يقفوا فى وجه الأزمات الطائفية التى تبدأ عادة بمشاجرات بين المسلمين والأقباط، وهذه المشاجرات لا يمكن أن يقف فى وجهها إلا رجال الأمن، الذين لو تركوا المتنازعين حتى يصلوا إلى مجلس الوحدة الوطنية المقترح، فإنهم حتما سيصلون إليه وهم جثث تم التمثيل بها وبلا رحمة. ثم ما الذى يمكن أن يقوم به هذا المجلس إلا تلقى الشكاوى الطائفية ودراستها والبت فيها والتوصية بحلها، فلو كان المجلس القومى للمرأة استطاع أن يحل مشاكل المرأة وهو يحظى بتأييد ورعاية السيدة الأولى فى مصر وقتها، ولو كان المجلس القومى لحقوق الإنسان استطاع أن يحل مشاكل التعذيب فى الأقسام رغم مباركته من السلطة الحاكمة، لتفاءلنا خيرا بمجلس قومى للمواطنة والوحدة الوطنية. كانت ملاحظتى الأساسية على أداء أمن الدولة فى الملف القبطى أن انتماء الضابط الدينى يؤثر فى عمله، فهذا الضابط فى النهاية وفى الغالب الأعم مسلم، ولديه ثقافته الخاصة التى تقوده إلى كراهية الأقباط أكثر من استيعابهم، ثم إنه فى النهاية مواطن مصرى تربى على الفتاوى التى يبثها رجال الأزهر وشيوخ السلفية وفقهاء الإخوان المسلمين، وهى فى النهاية فتاوى ليست فى صالح الأقباط، ولا فى صالح وجودهم الآمن فى مصر. إن ضابط أمن الدولة الذى كان يعمل فى الملف القبطى يخرج إلى الواقعة الطائفية وهو مقسوم إلى نصفين، النصف الأول رجل الأمن فيه، الذى لابد أن يحفظ الأمن ويعاقب المخطئ بصرف النظر هل هذا المخطئ مسلم أم مسيحي، وعندما يقوم بهذا الدور فإن النصف الثانى لديه يتحرك ويعمل وهو نصفه المسلم الذى يمكن أن يكون موافقا جدا على ما يحدث للأقباط. خذ عندك مثلا: زواج الفتيات القبطيات من الشباب المسلمين، تتعامل الكنيسة ومن ورائها الأقباط على أن ما يحدث ليس إلا حادث اختطاف، فنحن أمام شاب مسلم خدع فتاة مسيحية وأجبرها على الهروب من أهلها، وبعد أن اختطفها أجبرها على الدخول فى الإسلام ثم تزوجها. ضابط أمن الدولة المسلم يرى هذه الحادثة على عكس ذلك تماما، فهو أمام فتاة مسيحية أحبت شابا مسلما، وقد حلل الشرع الإسلامى هذا الزواج، وعليه فهى قصة عادية جدا ولا داعى لإثارة المشاكل بسببها. ولو قلت إن هذا الضابط تحديدا لا يتصرف بهذه الطريقة إذا كان الوضع معكوسا، أى إذا هربت فتاة مسلمة مع شاب مسيحي، أقول لك إن النصف المسلم فى رجل الأمن هنا يتحرك، فنفس الشرع الإسلامى يحرم أن تتزوج الفتاة المسلمة من مسيحي، وهو يفعل ذلك ووراءه ترسانة من الفتاوى وآراء الفقهاء الذين يؤيدون موقفه بأن يتحرك ليمنع هروب المسلمات مع مسيحيين. كانت هذه مشكلة كبرى تقابل ضابط أمن الدولة العامل فى الملف القبطي، وكنت أعتقد أنها مشكلة تحتاج إلى علاج سريع وقاطع، ولم يكن لها حل من وجهة نظرى إلا بأن تعلو الاحترافية فى عمل ضابط أمن الدولة، فيصبح همه الأول هو حفظ النظام والاستقرار فى المجتمع بصرف النظر عمن يكون معه الحق المسلم أم المسيحى فى واقعة بعينها. الانتماء الدينى لضابط أمن الدولة كان يؤثر بلا شك فى إدارة شئون الأقباط، ولم يكن الحل بالطبع فى الاستعانة بضباط أقباط فى جهاز أمن الدولة، لأن المشكلة ستظل قائمة، فانتماء القبطى إلى كنيسته سوف يؤثر على قراراته التى سيأخذها فى هذا الملف الشائك. الآن انهار جهاز أمن الدولة.. كنا نعرف على الأقل من يدير ملف الكنيسة.. كان الأقباط يعرفون مع من يتحدثون إذا وقعت واقعة.. لكن الآن من يدير الملف.. لا أحد يعرف.. وإن كنت على ثقة أنه لا أحد يدير ملف الأقباط الآن.. فالمجلس العسكرى لا يمتلك الحنكة السياسية اللازمة التى تجعله يدرك خطورة الملف. لا أقول الكلام عبثا أو فى الهواء، فعندما وقع أول حادث طائفى بعد الثورة وهو هدم كنيسة صول.. أخذ المجلس العسكرى شيوخ السلفية وعلى رأسهم الشيخ محمد حسان ليحلوا الأزمة بشكل ودي.. لم يهتم المجلس بأن يجرى تحقيقا.. أو ينفذ قانونا.. أو يعاقب مذنبا.. كل همه كان أن تنتهى الأزمة بأى شكل. هل أقول إن المجلس العسكرى سلم ملف الأقباط إلى الجماعات السلفية؟ هو ما جرى بالفعل دون أدنى مبالغة.. فالمجلس قابل السلفيين ووعدهم أن يحل لهم مشكلة كاميليا شحاتة، وهى الأزمة التى تم تصنيعها قبل الثورة بمشاركة واضحة جدا بين الأمن وبعض المجموعات السلفية، بل إن المجلس سمح لهم بتظاهرات حاشدة، أعلن فيها الشيخ محمد الزغبى أن المجلس إن لم يحل أزمة كاميليا فسوف يتجه السلفيون إلى الكنائس والأديرة بحثا عن كاميليا. أصبح للسلفيين اليد العليا على الأقباط.. صحيح أن أمن الدولة كان يطارد الجميع أقباطًا وسلفيين وخلافه.. وصحيح أن هذا كان وضعا غريبا ومستهجنا ومعاديا لحقوق الإنسان، لكن المجلس العسكرى ارتكب جرما هائلا.. فقد رفع الحظر عن السلفيين.. ومكنهم من أن يعملوا ويعلنوا عن أنفسهم.. وظل باقيا ومبقيا على حظر الأقباط.. بل لم يتعامل معهم بالجدية اللازمة.. بل تركهم نهبا لمشايخ السلفية ولم يعاقب أحدا حرض عليهم أو انتقص من قدرهم. كانت مشكلة ضابط أمن الدولة مع الأقباط أنه يتمزق بين انتمائه الدينى وواجبه الوطني، وهو ما رأيناه أيضا من ضباط الجيش وجنوده الذين تعاملوا مع الأقباط فى ماسبيرو.. صرخوا فيهم بأنهم كفرة.. فهم يرونهم كذلك، ولذلك فإن تصدى الشرطة العسكرية لمظاهرات الأقباط لم يكن مدفوعا بأن هناك شغبا ولابد أن تتصدى له الشرطة العسكرية، ولكنهم أمام كفرة يجب قتالهم وقتلهم. لم يصل الأمر بأمن الدولة أن أقام مذبحة للأقباط.. حتى اتهام الجهاز بتفجير كنيسة القديسين لا يزال محل نظر وتحقيق.. لكن المجلس العسكرى بإدارته لشئون البلاد كان هو من أقام للأقباط مجزرة.. يمكن أن يكون هناك شباب قبطى متهور.. ويمكن أن يكون هناك من حمل السلاح، ويمكن حتى أن يكون من بدأ الضرب أقباط.. لكن هذا ليس مبررا أبدا لأن ينتهى الأمر بمذبحة. ما حدث فعلا أن الأقباط خرجوا من قبضة أمن الدولة منهكين للغاية.. لا يقدرون على شيء، اعتقدوا أنهم يمكن أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولي.. لكنهم واجهوا واقعا أشد ظلاما وقسوة، وجدوا مدرعة المجلس العسكرى فى انتظارهم، تحصد أرواح أبنائهم بلا رحمة.. لتصبح النتيجة النهائية أنه من أمن الدولة إلى المجلس العسكرى النتيجة واحدة. مع أمن الدولة كانت الكنائس تحرق وتخرب دون عقاب لأحد.. والآن الأقباط يموتون دون ثمن