بدأت ميليشيات الحوثي في اليمن مرحلة جديدة من الصراع الاقتصادي، بإعلانها حربًا مفتوحة على القطاع المصرفي في مناطق نفوذها، من خلال الاستيلاء على أصول البنوك والمصارف التجارية، في خطوةٍ وصفت بأنها "نهب منظم" يهدد ما تبقى من النظام المالي اليمني. ففي أحدث تحركاتها، أعلنت الميليشيات عبر وسائل إعلامها عن تنظيم مزاد علني لبيع أرض مملوكة لبنك التضامن الإسلامي الدولي في حي الستين بصنعاء، مساحتها نحو 124 لبنة (أي قرابة 5500 متر مربع)، بقيمة ابتدائية تتجاوز 3 مليارات ريال يمني، أي ما يعادل نحو 5.8 ملايين دولار. تحذيرات البنك المركزي اليمني ردّ البنك المركزي اليمني في عدن بسرعة، محذرًا من التعامل مع ما وصفها ب "الإجراءات غير القانونية" الصادرة عن جهات غير شرعية. وقال البنك في بيان رسمي إن أي اتفاقات أو عقود بيع أو نقل ملكية تصدر عن سلطات الحوثيين باطلة قانونًا، كونها صادرة عن جماعة مصنفة على قوائم الإرهاب، مؤكدًا أن المتعاملين معها سيواجهون عقوبات محلية ودولية صارمة. الانشقاقات في صفوف الحوثيين تكشف عن أزمة ثقة عميقة: صلاح الصلاحي نموذجًا كيف يؤثر احتجاز الحوثيين للرهائن على العملية الإنسانية والسياسية في اليمن؟ وأشار البيان إلى أن المزاد المعلن عنه من قبل ما يسمى "المحكمة الجزائية المتخصصة" في صنعاء، لا يستند إلى أي أساس قانوني، مطالبًا جميع المواطنين والمؤسسات بعدم المشاركة فيه أو الاعتراف بنتائجه. وأكد البنك أن هذه التصرفات تُعدّ تهديدًا مباشرًا للقطاع المصرفي، ومحاولة لتجفيف مصادر تمويل الاقتصاد الشرعي في البلاد. "إعلان حرب مالية" ضد البنوك يرى خبراء اقتصاديون أن خطوة الحوثيين تمثل تصعيدًا خطيرًا في الحرب الاقتصادية الدائرة منذ سنوات بين الجماعة والحكومة المعترف بها دوليًا. فبحسب المراقبين، فإن بيع أصول البنوك في صنعاء "إشارة واضحة إلى نية الميليشيات مصادرة أموال المودعين والمؤسسات المالية"، خاصة بعد تراجع قدرتها على تحصيل الإيرادات نتيجة تدهور النشاط التجاري في مناطقها. موقف الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي وفي المقابل، شدد المجلس الرئاسي اليمني على ضرورة تمكين البنك المركزي في عدن من أدواته لإدارة السياسة النقدية وضبط الأسواق. وخلال اجتماعه الأخير، أشاد المجلس بتحسن أداء العملة الوطنية واستقرار أسعار السلع الأساسية، مؤكدًا أن الإصلاحات الاقتصادية الجارية بدأت تؤتي ثمارها. وأقرّ المجلس حزمة من الإجراءات لتعزيز الاستقرار المالي، أبرزها تشديد الرقابة على المنافذ الجمركية والبحرية والجوية، وتوسيع نطاق الربط الإلكتروني للإيرادات السيادية، إضافة إلى رفع كفاءة الإنفاق العام وتقليص الهدر المالي. وأكد المجلس دعمه الكامل للبنك المركزي في مواجهة الانتهاكات الحوثية، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات "تستهدف زعزعة الثقة في النظام المالي اليمني". تحذيرات سياسية ودبلوماسية من جانبه، وجّه وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني انتقادات حادة لما وصفه ب "تراخي المجتمع الدولي تجاه جرائم الحوثيين"، معتبرًا أن صمت العالم شجّع الجماعة على التمادي في ممارساتها العدوانية ضد الاقتصاد الوطني. وخلال مشاركته في مؤتمر "حوار المنامة للأمن الإقليمي"، أكد الزنداني أن الأزمة اليمنية تحوّلت من شأن داخلي إلى تهديد للأمن والسلم الدوليين، مشيرًا إلى أن الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر وما رافقها من قرصنة اقتصادية، تمثل مثالًا واضحًا على تقويض النظام العالمي. وأضاف أن الحوثيين "خلية زرعتها إيران في الجسد العربي"، تعمل وفق أجندة طائفية هدفها ضرب الاستقرار الإقليمي، مشددًا على أن الجماعة لا تمتلك مشروعًا وطنيًا لبناء الدولة، بل تعتمد على "الابتزاز والنهب لتأمين بقائها". وطالب الزنداني المجتمع الدولي باتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه ممارسات الحوثيين، ودعم الحكومة الشرعية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، مؤكدًا أن السلام في اليمن ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة استراتيجية لاستقرار المنطقة والعالم. تصعيد اقتصادي يهدد مستقبل اليمن يؤكد محللون أن الحوثيين يسعون من خلال هذه الخطوات إلى فرض أمر واقع اقتصادي، بعد فشلهم في تحقيق تقدم سياسي أو عسكري خلال العامين الأخيرين. كما أن السيطرة على أصول البنوك تمنحهم قدرة على تمويل عملياتهم العسكرية، في ظل العقوبات الدولية وتقلص الدعم الإيراني. لكن هذه السياسة، وفق خبراء الاقتصاد، قد تؤدي إلى انهيار ما تبقى من الثقة في السوق اليمنية، وتهجير ما تبقى من رؤوس الأموال والمستثمرين نحو الخارج، الأمر الذي يهدد بمزيد من الانكماش والتضخم. ويحذر الاقتصاديون من أن تكرار هذه الإجراءات سيُدخل البلاد في دوامة مالية يصعب الخروج منها، خاصة إذا أقدمت الميليشيات على مصادرة أصول بنوك أخرى أو حسابات المودعين. يذكر ان معركة الحوثيين على أصول البنوك في صنعاء ليست مجرد نزاع قانوني أو اقتصادي، بل هي جزء من صراع أوسع على هوية الدولة اليمنية ومستقبل مؤسساتها. فبينما تحاول الحكومة في عدن إعادة بناء الاقتصاد وضبط المالية العامة، تسعى الجماعة الحوثية لتقويض هذه الجهود عبر ما تسميه "المزادات الشرعية"، التي يراها المراقبون مجرد غطاء لعمليات نهب منظّمة. قطع خطوط إمداد الحوثيين عبر البحر الأحمر يحمي الملاحة الدولية في اليمن القضاء اليمني يضيق الخناق على الحوثيين بتجميد الأموال وحظر التعامل معهم