في ظل تصاعد التوترات النووية في الشرق الأوسط والعالم، وعودة الملف الإيراني إلى واجهة الأحداث الدولية، يبرز معهد انتشار الأسلحة النووية (NTI) كأحد أبرز المؤسسات البحثية المستقلة التي تلعب دورًا مؤثرًا في دعم الجهود الرامية إلى الحد من مخاطر الانتشار النووي وتعزيز الأمن العالمي، وذلك بعد تداول تقارير إعلامية تفيد بنيّة إيران الانسحاب من المعهد. معهد انتشار الأسلحة النووية.. رؤية إنسانية للأمن العالمي يُعد معهد انتشار الأسلحة النووية (Nuclear Threat Initiative – NTI)، ومقره واشنطن العاصمة، من أبرز الكيانات الدولية التي تسعى إلى حماية البشرية من الانزلاق نحو هاوية الدمار الشامل. تأسس المعهد عام 2001 بمبادرة من السيناتور الأمريكي السابق سام نان ورجل الأعمال والإعلامي تيد تيرنر، انطلاقًا من قناعة بأن التهديدات النووية لم تعد شأنًا سياسيًا بحتًا، بل خطرًا وجوديًا يهدد الإنسانية جمعاء. ومنذ تأسيسه، تحول المعهد إلى منبرٍ عقلاني في عالم يتصاعد فيه سباق التسلح، وأصبح مرجعًا علميًا لصياغة السياسات الوقائية الرامية إلى تجنب الكوارث قبل وقوعها.
رسالة المعهد وأهدافه ينطلق NTI من فلسفة جوهرية تقوم على مبدأ "الوقاية قبل الكارثة"، ويعمل في محاور رئيسية تشمل: منع انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية. تعزيز أمن المواد الانشطارية حول العالم. دعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق ضوابط شفافة. مكافحة التهديدات البيولوجية والأوبئة بوصفها جزءًا من منظومة الأمن العالمي الشامل. ويتبنى المعهد مقاربة قائمة على التعاون الدولي والشفافية والحوار بين القوى الكبرى والدول النامية، بما يسهم في بناء الثقة وتخفيف حدة التوترات الجيوسياسية.
مبادرات دولية رائدة على مدار أكثر من عقدين، أطلق المعهد مبادرات مؤثرة تركت بصمة واضحة في جهود الحد من الانتشار النووي، من أبرزها: مشروع بنك اليورانيوم منخفض التخصيب التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يضمن للدول الحصول على الوقود النووي للأغراض السلمية دون الحاجة إلى إنشاء قدرات تخصيب محلية، مما يقلل احتمالات الانتشار النووي. تأمين المواد النووية الحساسة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. حماية المرافق الحيوية من مخاطر الهجمات السيبرانية وتسرب المواد الإشعاعية.
مراقبة البرنامج النووي الإيراني يولي معهد NTI اهتمامًا خاصًا بالبرنامج النووي الإيراني، حيث يصدر تقارير تحليلية دورية تقيّم مدى التزام طهران بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) الموقعة عام 2015. وتشير تحليلات المعهد إلى أن الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال استئناف المفاوضات النووية بشكل جاد وشامل، مع تعزيز آليات التفتيش الدولي التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان الشفافية ومنع أي انحراف نحو التسلح النووي.
رؤية المعهد لحل الأزمة النووية طرح معهد NTI جملة من الحلول العملية لتفادي التصعيد في الملف الإيراني، أبرزها: 1. استئناف الحوار الدبلوماسي بين إيران والدول الكبرى دون شروط مسبقة. 2. تفعيل نظام التفتيش الدولي ومنح المفتشين صلاحيات الوصول الكامل إلى المنشآت النووية الإيرانية. 3. تعزيز الثقة الإقليمية عبر إطلاق مبادرات أمنية مشتركة في الشرق الأوسط. 4. تشجيع الخطوات المتبادلة بين طهرانوواشنطن لتخفيف العقوبات مقابل التزامات نووية واضحة.
دور محوري في السياسة الدولية يلعب معهد انتشار الأسلحة النووية اليوم دورًا استشاريًا مؤثرًا لدى الحكومات الغربية ومراكز صنع القرار الدولي، إذ تُعد تقاريره وتحليلاته مرجعًا أساسيًا في صياغة السياسات المتعلقة بالأمن النووي العالمي. ويُنظر إلى NTI باعتباره أحد أهم مراكز الفكر في العالم التي تجمع بين الدقة العلمية والعمل الميداني، في وقت تتصاعد فيه المخاطر النووية وتتزايد احتمالات انتشار السلاح النووي في مناطق النزاع. في النهاية؛ يظل معهد انتشار الأسلحة النووية (NTI) ركيزة أساسية في الجهود العالمية لمنع سباق التسلح النووي، ومع تصاعد التوترات بين إيران والغرب، تزداد أهمية الدور الذي يلعبه المعهد في توجيه النقاش الدولي نحو الدبلوماسية والعقلانية بدلًا من التصعيد والمواجهة.