في عصر تتحكم فيه مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام، لم يكن غريبًا أن يتحول إبراهيم الطوخي، بائع السمين في المطرية، إلى نجم تريند بفضل انتشار مقاطع الفيديو واهتمام البلوجرز والمؤثرين. لكن اللافت أن صعود الطوخي لم يكن مرتبطًا بجودة ما يقدمه بقدر ما كان نتاجًا مباشرًا لاقتصاد المشاهدات؛ حيث أصبح الذهاب إلى عربته أشبه بموضة مدفوعة بحمى التريند، وليس تجربة تستند إلى معايير الجودة أو السلامة. لكن الطوخي لم يكن مجرد ظاهرة رقمية، بل كان مثالًا واضحًا لكيفية تفاعل الإعلام التقليدي مع التريندات الرقمية، حيث انتقل من دور المراقب إلى المشارك، بل والمروج أحيانًا. ومع انتشار الأخبار عن وفاته، عادت الظاهرة إلى الواجهة، وبرزت معها تساؤلات أعمق: كيف تحوّل مشروع صغير إلى حدث إعلامي؟ ولماذا بدا وكأن القوانين تتراجع أمام شعبية السوشيال ميديا والقنوات الفضائية معًا؟ جنازة تحت أعين الكاميرات: كيف تعاملت الأسرة مع الإعلام؟ حتى بعد وفاة الطوخي، لم تتوقف الضجة الإعلامية. فبدلًا من أن تكون جنازته حدثًا عائليًا خاصًا، تحولت إلى مادة جديدة للتريند، وسط محاولات مستمرة من وسائل الإعلام ومؤثري السوشيال ميديا لتغطية الحدث. أمام هذا الضغط، أصدرت أسرته بيانًا واضحًا، ناشدت فيه الجميع – سواء الإعلام التقليدي أو البلوجرز – بعدم تصوير الجنازة أو العزاء، احترامًا لخصوصيتهم ومنعًا لحدوث مشاكل. ومع ذلك، لم يلتزم الجميع بهذه الرغبة، حيث حاول بعض صناع المحتوى اقتحام الجنازة، بينما تداول آخرون صورًا ومقاطع فيديو رغم رفض العائلة لذلك. وهنا يطرح السؤال: متى فقد الإعلام والبلوجرز إحساسهم بالحدود الأخلاقية؟ هل أصبح التريند أقوى من احترام رغبات الناس في لحظاتهم الخاصة؟ صناعة التريند: من السوشيال ميديا إلى القنوات الفضائية لم يكن الطوخي الأول في سلسلة الشخصيات التي تحولت إلى رموز رقمية بفعل السوشيال ميديا، لكنه كان نموذجًا واضحًا لكيفية صنع نجم من العدم. في البداية، كانت منصات التواصل الاجتماعي هي المحرك الأساسي لشهرته، عبر مقاطع فيديو متداولة لبلوجرز يروجون له كظاهرة تستحق الاهتمام. لكن ما جعل الظاهرة تتضخم إلى هذا الحد هو دخول القنوات الفضائية على الخط، حيث بدأت بعض البرامج التلفزيونية في استضافة الطوخي، وتصوير تقارير من داخل عربته، وتقديمه على أنه "بائع بسيط نجح في تحقيق شعبية جارفة"، دون أن تطرح أي أسئلة جادة حول قانونية عمله أو مدى التزامه بالاشتراطات الصحية. الإعلام الذي من المفترض أن يكون عين الرقيب، تحول إلى شريك في التريند، يتابع ما يحدث على السوشيال ميديا ثم يعيد إنتاجه على الشاشات دون أي تحقق. كيف تجاهل الإعلام والقنوات الفضائية المخالفات؟ في سبتمبر 2023، أعلنت محافظة القاهرة بالتنسيق مع وزارة الصحة إغلاق عربة الطوخي بسبب مخالفات صحية جسيمة، شملت ضبط لحوم غير صالحة للاستهلاك، وعدم استيفاء الاشتراطات الصحية، وفقًا لمحاضر رسمية موثقة. ومع ذلك، لم تتعامل القنوات الفضائية مع الخبر بنفس الحماس الذي تعاملت به مع التريند، وكأن القضية انتهت. لم يسأل أحد كيف عاد الطوخي إلى العمل رغم الإغلاق؟ لم تتابع القنوات أو ترسل تقارير استقصائية عن مدى قانونية نشاطه بعد العودة، بل استمرت في تقديمه كنموذج للنجاح الشعبي. كيف تتعامل الدول الأخرى مع ظواهر "نجوم التريند"؟ في دول مثل بريطانياوألمانياوالولاياتالمتحدة، توجد قوانين صارمة تحكم الترويج لمشروعات غير مرخصة، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الإعلام التقليدي. على سبيل المثال: 1. في بريطانيا، يُلزم المؤثرون (البلوجرز) قانونيًا بالإفصاح عن أي محتوى مدفوع أو ترويجي، خصوصًا إذا كان يتعلق بمنتجات غذائية. كما أن هناك هيئات رقابية مثل وكالة معايير الإعلانات (ASA) تراقب المحتوى المنشور، ويمكنها فرض غرامات أو حظر حسابات المخالفين. 2. في الولاياتالمتحدة، لا تستطيع أي عربة طعام أو مطعم العمل دون تصريح صحي واضح، ويتم إجراء فحوصات دورية مفاجئة من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA) أو الجهات المحلية المختصة. كما أن وسائل الإعلام لا تروج لأي مشروع غذائي دون التأكد من مطابقته للاشتراطات الصحية، وإلا قد تواجه دعاوى قضائية. 3. في ألمانيا، أي مشروع غذائي يخالف الاشتراطات الصحية يتم إغلاقه فورًا، ولا يمكنه العودة إلا بعد اجتياز فحوصات صارمة. كما أن الإعلام هناك أكثر حذرًا في الترويج لأي مشروع غير مرخص، لأن الجهات التنظيمية قد تفرض عقوبات حتى على وسائل الإعلام التي تروج لمخالفين. كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة في مصر؟ للحد من تكرار ظاهرة "نجوم التريند"، هناك عدة حلول يمكن تبنيها: 1. تشديد الرقابة على المحتوى الإعلاني في السوشيال ميديا يجب إلزام البلوجرز بالإفصاح عن أي محتوى مدفوع، خصوصًا عند الترويج للمطاعم وعربات الطعام. يمكن تطبيق عقوبات مالية على المؤثرين الذين يروجون لمنتجات غير مرخصة، كما هو الحال في بريطانياوألمانيا. 2. تفعيل الرقابة الصارمة على المشروعات الغذائية يجب أن تكون هناك حملات تفتيش دورية على عربات الطعام، مع نشر نتائج الفحوصات بشفافية عبر المنصات الرسمية. فرض عقوبات مشددة على الجهات التي تسمح بعودة المخالفين دون تصحيح أوضاعهم. 3. مساءلة القنوات الفضائية عن الترويج لظواهر غير مدروسة يمكن للمجلس الأعلى للإعلام فرض ضوابط تلزم القنوات بالتحقق من محتوى البرامج قبل بثها، منعًا للترويج لمخالفين. توجيه المؤسسات الإعلامية نحو التحقيقات الاستقصائية بدلًا من التغطيات السطحية للتريندات. 4. توعية الجمهور بمخاطر الانسياق وراء التريندات يجب تعزيز الوعي حول أهمية التحقق من مصادر المعلومات، وعدم الانسياق وراء الشهرة الرقمية عند اتخاذ قرارات تؤثر على الصحة. يمكن لوزارات الصحة والتموين والإعلام إطلاق حملات توعية عن مخاطر تناول الأطعمة غير المرخصة. الخلاصة: من سيكون نجم التريند القادم؟ اليوم، كان الطوخي هو نجم السوشيال ميديا والقنوات الفضائية، وغدًا قد يكون هناك شخص آخر بنفس السيناريو. إذا لم تكن هناك رقابة حقيقية ومحاسبة لصناع المحتوى والإعلام، فسنجد أنفسنا أمام "نجم تريند" جديد، ربما يكون أكثر خطورة!