كانت إسرائيل واحدة من أكثر الدول حرصاً على بقاء الرئيس السابق حسني مبارك في الحكم، خشية سيطرة تيارات سياسية أو دينية متشددة على السلطة، والإنقلاب على إتفاقية السلام الموقعة بين البلدين منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي. ودعت علانية عبر رئيس وزرائها بنيامين نتياهو أميركا إلى دعم نظام حكم مبارك، لكن ثورة الشعب المصري كانت أقوى من أية ضغوط سواء داخلية أم خارجية، وأطاحت بذلك النظام الذي ظل في حكم البلاد لنحو 30 عاماً. وبدأت تتشكل ملامح مرحلة جديدة ومختلفة من العلاقات بين الجانبين، قد لا تحصل فيها إسرائيل على الخدمات التي كانت تحظى بها من قبل الرئيس السابق حسني مبارك، وقد يطالب فيها المصريون بمراجعة إتفاقية السلام، لاسيما أن بنودها تسمح بذلك. وسوف تتأثر العلاقات مع أميركا سلباً وإيجاباً بالعلاقات مع إسرائيل. علاقات أميركية جيدة بعد أن استطاعت الثورة إزاحة نظام حكم مبارك الذي دام لنحو 30 عاماً، بدأت صفحة جديدة من العلاقات المصرية الإسرائيلية، والعلاقات المصرية الأميريكية. وإتسمت العلاقات الأخيرة بالإستقرار منذ سقوط حكم مبارك في 11 فبراير و حتى الآن، ولم يطرأ عليها أية تغييرات، بل تسير في إتجاه التعزيز، لاسيما بعد زيارة أكثر من مسؤول أميريكي رفيع المستوى للقاهرة. وكان على رأس هؤلاء هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وأخيراً جون ماكين المرشح الرئاسي السابق، وعضو الكونجرس البارز. الذي أعلن من أميركا عن تأسيس صندوق لمساعدة الإقتصاد المصري بعد الثورة. توتر شعبي وسياسي غير أن ملامح العلاقات المصرية الإسرائيلية، لا تسير في الإتجاه ذاته، في ظل دعوات شعبية مصرية، بل وسياسية إلى ضرورة إعادة النظر في تلك العلاقات، بحيث تكون مبنية على تبادل المصالح، ويكون الشعب طرف أصيل في تسيير دفتها سواء للأمام أو للخلف، خاصة أن النظام السابق لم يكن يقيم للرأي العام أي وزن فيما يخص تلك العلاقات، وكان ينظر للخارج دائماً صوب البيت الأبيض في واشنطن. بدأت ملامح العلاقات الجديدة، في أعقاب تصريح لوزير الخارجية المصري نبيل العربي قال فيه إن الرئيس مبارك كان كنزاً ثميناً لإسرائيل، مشيراً إلى أنه كان يخدم مصالح تل أبيب، ولكن ذلك لن يستمر بعد ثورة 25 يناير. وجاءت تصريحات نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيي الجمل، لتثير المزيد من الغبار في طريق العلاقات التي لم تكن يوماً متينة، حيث إتهم إسرائيل بالوقوف وراء ما يوصف ب"الثورة المضادة"، والسعي لتقسيم مصر كما فعلت في العراق والسودان، ومحاولة نشر الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعرضت الأنابيب التي تنقل الغاز الطبيعي لإسرائيل والأردن لهجمات، كان آخرها ما وقع الأربعاء الماضي 27 أبريل الجاري، فيما أنطلقت العديد من المظاهرات صوب السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، مطالبة بطرد السفير وقطع العلاقات، وذلك في بعد تكرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسقوط عشرات القتلى. وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتياهو عن قلقه من توتر العلاقات مع مصر، بعد تنحي مبارك في عدة مواقف، كان آخرها خلال لقائه بسفير الإتحاد الأوروبي منذ عدة أسابيع. وأذاع التلفزيون الإسرائيلي تقريراً عقب تفجير أنبوب الغاز في العريش، وقال فيه إن مسيرة التسوية بين مصر وإسرائيل ينتظرها مستقبل مظلم للغاية، خاصة في ظل الانتقادات التي توجهها الحكومة المصرية إلى تل أبيب، واتساع دائرة الرافضين للتعاون مع إسرائيل يوما بعد يوم. بلغ الأمر ذروته لدى قادة إسرائيل بعد نجاح مصر في إبرام أتفاق صلح بين حركتي السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة، وفتح معبر رفح للتخفيف عن الفلسطينين المحاصرين في غزة. وهو الصلح الذي لم يستطع نظام حكم الرئيس السابق إنجازه على مدار أكثر من أربعة أعوام. وإعتبرت أسرائيل أن هذا الصلح موجه ضدها مصالحها وأمنها. لا تغيرات جذرية إلى أين تسير العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة؟ ويجيب الدكتور نبيل حلمي أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة الزقازيق قائلاً إن تغير الظروف في مصر سوف يؤدي إلى تغير في سياسيات الدولة تجاه العديد من القضايا على المستوى الدولي، وأضاف ل"إيلاف" أن ذلك لا يعني إحداث تغيرات جذرية في السياسة المصرية، والأقدام على إلغاء إتفاقية السلام مع أسرائيل مثلاً، وأرجع حلمي ذلكإلى أن مصر دولة ذات حضارة راسخة، ومعروف عنها الإلتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية، وقد أعرب المجلس العسكري الذي يقود البلاد حالياً إلتزامه بذلك في البيان الثاني له، مشيراً إلى أن مصر لن تنقلب على إلتزاماتها الدولية أو على إتفاقية السلام، لكنها لن تسمح لإسرائيل بخرق تلك الإتفاقية، حيث دأبت على ذلك طوال السنوات الماضية، حيث كانت مصر تتغاضي لعدم إثارة الرأي العام، وحفاظاً على العلاقات بين البلدين، وحتى تستمر عملية السلام مع الفلسطينين. واعتبر حلمي أن ظروف التوقيع على إتفاقية السلام كانت تحمل الكثير من الغبن والإكراه على مصر، ولكن الآن تغيرت الظروف، وينبغي مراجعة بعض بنودها، مشدداً على أن مصر حريصة على يكون ذلك في إطار القانون الدولي، وأكد حلمي أن العلاقات الدولية عادة ما تكون علاقات حكومية رسمية وليست شعبية بالدرجة الأولى، و تكون قائمة على الإحترام المتبادل ما دامت الدولتين تبران بإلتزامتهما تجاه بعضهما البعض. رغبة جارفة لمراجعة اتفاقية السلام الأغلبية الكاسحة من المصريين ليست ضد السلام مع إسرائيل، بل هي معه، ولكنها ضد التطبيع، هكذا يرد الدكتور عمار على حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية على مزاعم إسرائيل أن المصريين لا يريدون السلام، وقال ل"إيلاف" إن هناك اعتبارات جديدة سوف تتدخل في إعادة تشكيل ملامح العلاقات بين البلدين، وأوضح أن أهم تلك الإعتبارات دخول الرأي العام المصري إلى دائرة صنع القرار فيما يخص السياسة الخارجية، بعد كانت الأنظمة السابقة تستبعده تماماً منها، فهو لم يتم استشارته في عند إبرام إتفاقية السلام مثلاً، وهناك رغبة شعبية جارفة حالياً في مراجعة بنود تلك الإتفاقية، وليس إلغاءها، رغم أن اسرائيل ارتكبت العديد من الخروقات التي كانت تبرر إلغائها حسب نص الإتفاقية نفسها، ولكن نظام مبارك كان يغض الطرف عن ذلك، والشعب بعد الثورة لايريد الإلتزام بها ما دامت إسرائيل لا تلتزم بها، مشيراً إلى أن هناك بنود تقيد حرية مصر في نشر قوات عسكرية في أغلب أراضي سيناء، ومن حق البرلمان الجديد مراجعة النصوص المجحفة، بحيث تكون واقعية وقانونية ومتلائمة مع رغبات الشعب المصري، وأكد حسن أن الإتفاقية تنص على إمكانية مراجعة بنودها بعد إنقضاء ثلاثين عاماً. وإستطرد حسن قائلاً إن القضية الفلسطينية ستكون عاملاً مهماً في توتر أو تحسن العلاقات بين إسرائيل ومصر وجميع الدول العربية، معتبراً أن غضب اسرائيل من إبرام مصر صلح بين السلطة الفلسطينية وحماس ليس في محله، لأن مصر سوف تقوم بدور أكبر في المرحلة المقبلة في تلك القضية بما يعجل من إقامة دولة فلسطينية. وفيما يخص العلاقات المصرية الأميريكية، قال حسن إن تلك العلاقات مرتبطة أرتباطاً وثيقاً بتحسن أو توتر العلاقات مع إسرائيل، لأن أميركا يهمها في المقام الأول أمن إسرائيل وتفوقها عسكريا وسياسيا وإقتصاديا على باقي دول المنطقة، متوقعاً أن تحاول مصر فصل علاقتها مع أميركا عن علاقتها مع إسرائيل في المرحلة المقبلة. كما أن أميريكا لن تغامر بعلاقاتها مع دولة محورية وقوية مثل مصر، ومن المتوقع أن تمارس ضغوطاً على إسرائيل من أجل الإسراع في عملية السلام وعدم إغضاب المصريين. علاقات تصنعها أجهزة سيادية فيما أكد الدكتور جهاد عودة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حلوان أن المجلس العسكري أعلن إلتزام مصر بكل الإتفاقيات والمعاهدات الدولية. وقال عودة ل "إيلاف" إن أحداً لا يمكنه التنبؤ بشكل العلاقات بين البلدين أو بين أميركا ومصر، مشيراً إلى السياسة الحالية لمصر تسير يوم بيوم. ولكن تاريخ العلاقات مع اسرئيل يؤكد أنها تشهد توترات وتحسن من حين لأخر، حسب السلوك الإسرائيلي تجاه القضايا العربية المختلفة وعلى رأسها القضية الفلسطينية." وأضاف أن النظام القديم كان يتخذ مواقفاً شديدة تجاه تل أبيب في الكثير من الأحيان مثل موقفه من الحرب على غزة في 2008، وغزو لبنان في 2006. وأنه من المعروف أن السلام بين مصر وإسرائيل يتسم بأنه سلام بارد على المستوى الرسمي، ومتوتر على المستوى الشعبي، فالمظاهرات الشعبية ضد اسرائيل لم تنقطع أبداً. ولفت عودة إلى أن السياسة الخارجية للدول ترسمها وتديرها الأجهزة السيادية، وليست من خلال الجماعات الشعبية، وسوف تستمر العلاقة بين الدولين على النحو التاريخي ما دامت إسرائيل تصر على عدم الوفاء بإلتزاماتها طبقاً لإتفاقية السلام، وتصر على عدم منح الفلسطينين حقوقهم. ويرى عودة أن إتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل تعتبر إتفاقية تجارية بحتة بين القطاع الخاص في الدولتين، ومراجعتها أو إلغائها لا يؤثر على العلاقات السياسية بينهما. الإتفاقية جيدة ومن جانبه، دافع محمد بسيوني السفير المصري في إسرائيل لأكثر من عشرين عاماً عن إتفاقية السلام، وقال إنها جيدة وكانت في صالح مصر، ولم يكن بها أية نصوص مجحفة، أو بنود سرية. وأضاف ل"إيلاف" أن المعاهدة منحت مصر الإستقرار منذ توقيعها وحتى الآن، وسمحت لها بتدفق الإستثمارات، وتقوية الإقتصاد الوطني، بل وجعلت وضع مصر العسكري في سيناء أفضل مما كان قبل حرب 5 يونيو 1967. وأشار بسيوني إلى أن العلاقات بين الدولتين لن تشهد توترات خطيرة، بل سوف تسير كما كانت في السابق، لأن مصر تؤسس للديمقراطية الحقيقة، ولن تقدم على ما من شأنه فتح جبهات توتر قد تليهيها عن الإصلاح والتنمية وترسيخ الديمقراطية. مؤكداً أن من يطالبون بمراجعة بنود إتفاقية السلام لم يقرأوا تلك الإتفاقية جيداً. وفيما يخص العلاقات بين مصر وأميركا، أوضح بسيوني أن تلك العلاقات مرتبطة بالعلاقات مع إسرائيل، وتتسم ببعض الخصوصية، لاسيما أن مصر دولة أقليمية كبرى، ومن مصلحة أميركا الحفاظ على علاقات جيدة معها.