بوجهها البشوش وروحها المبهجة سلمت أمرها لربها، رحلت أنيسة حسونة وسط حالة من الصخب، الكل حزين، القلوب تتشح بالسواد، ولما لا فأيقونة الرحمة والخير رحلت، فى أخر إطلالتها ظهرت حسونة وهى على كرسى متحرك بابتسامتها المعهودة أثناء تكريمها من السيدة انتصار السيسى قرينة رئيس الجمهورية، لم يمنعها تدهور حالتها الصحية من الابتسام والتفاؤل والتشبث بالأمل. تاريخ الدكتورة أنيسة حسونة زاخر ففى عام 2014 اختارتها مجلة أرابيان بيزنس الدولية ضمن أقوى 100 امرأة عربية، فى مجال المجتمع والثقافة، لتاريخها المهنى والإنسانى، البرلمانية السابقة، والمدير التنفيذى لمؤسسة مجدى يعقوب لأمراض القلب، ظلت على مدار السنوات الماضية واحدة من أشهر محاربات مرض السرطان، باعتبارها قدوة لكافة المتمسكين بالأمل رغم الألم. منذ عام 2016 وهى أمام اختبار صعب بعد إصابتها بالسرطان، ظلت تقاومه إلى أن وافتها المنية الأسبوع الماضى، وتحديدا فى 13 مارس الجارى، وفى ظل الاحتفال بشهر أعياد المرأة ووسط أخبار تكريمها وتصريحاتها المتفائلة. «حسونة» كانت دائمًا تسعى للخير حتى ولو على حساب صحتها، لدرجة أنها تولت منصب الرئيس التنفيذى لمستشفى الناس رغم حالتها الصحية السيئة، وفى وقت كانت الراحلة هى الحل الأفضل لتسترد عافيتها. تحكى هالة أبازيد مديرة مكتبها عن رؤية لأنيسة حسونة رأتها فى منامها، حيث قالت على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاحتماعى فيسبوك « سبحان الله تحققت رؤية كانت رأتها قبل ما تتولى رئاسة مستشفى الناس بعد تانى عملية تعملها لما كانت مترددة تمسك المنصب ولا ترتاح عشان تعبانة وكانت شافت فى رؤية ما معناه أن قدامها رقم3 فسألت الشيخ على جمعة يعنى أنا هموت بعد 3 أشهر قالها وممكن 3 سنين الله أعلم ونصحها تقبل المنصب وأنه هيكون فى خير كبير ليها وهتفضل تسعى فى الخير لأخر يوم فى عمرها». أنيسة حسونة هى ابنة المستشار عصام حسونة، وزير العدل فى عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر فى حقبة الستينيات من القرن الماضى، تخرجت أنيسة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وبدأت عملها كملحق دبلوماسى بوزارة الخارجية المصرية، ثم عملت لمدة 14 عاما فى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية – جامعة الدول العربية. ثم شغلت منصب مدير عام «منتدى مصر الاقتصادى الدولى»، ثم ببنك مصر إيران للتنمية مساعدة المدير العام، لتعمل بعد ذلك مديرة عامة لمنتدى مصر الاقتصادى الدولى. وعملت أيضا محاضرة فى المعهد الدبلوماسى فى وزارة الخارجية المصرى. كما شغلت العديد من المناصب منها منصب أمين صندوق المجلس الاستشارى لمؤسسة «آيديا» (IDEA) الدولية لمنطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا حول التحول الديمقراطى. وكانت عضوا فى العديد من الهيئات الاستشارية للفكر والحريات والمرأة فى مصر والوطن العربى والعالم، فهى مؤسسة ل«نساء من أجل السلام عبر العالم» فى سويسرا، ورئيسة مجلس أمناء «مؤسسة مصر المتنورة» التى تعمل على دعم قيم المواطنة وحرية التعبير وحقوق المرأة. وكانت أول امرأة تنتخب أمينا عاما للمجلس المصرى للشئون الخارجية. وقبل سنوات قليلة أعلنت عن تأسيس مستشفى الناس لعلاج الأطفال بالمجان. اللحظات الأخيرة فى حياة أنيسة حسونة يكشفها زوجها الدكتور شريف ناجى، حيث قالت له نصا « ينفع كده إنى مبقتش قادرة اعتمد على نفسى فى الحركة» وجاءت العبارة بعد قضاء يوم شاق فى إجراء فحوصات طبيبة وبعد ليل طويل من الأرق والألم وفى الصباح سلمت روحها لخالقها. لا شك أن زوج الدكتورة أنيسة هو أيضا أيقونة، ومثال للزوج المثالى الذى لا يتخلى عن دوره وواجبه لآخر لحظة فى عمر الفقيدة، فهو خير سند بشهادتها له فدائما ما كانت تصرح فى اللقاءات وتشيد بمواقفه وحبه وعطائه ودعمه لها ولعملها المجتمعى ودوره فترة مرضها، وأمام الملايين فى آخر لقاء تليفزيونى لها وعلى الهواء مباشرة دعت لزوجها قائلة (ربنا يكرمه) وظهر الحب المتبادل بين الطرفين فى مكالمة تليفونية تجسد المعنى الحقيقى للحب والمودة والرحمة.