الطاهر مكي: النظام السابق حوّل الثقافة إلى تسلية الدكتور الطاهر مكي، أستاذ الدراسات الأدبية في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، صاحب مدرسة نقدية لا تميل إلى الحداثة ولا تتعصب للتراث وإسهامه النقدي والمعرفي . لم يُقْرأ كما ينبغي ولكنه يعول على التاريخ أن ينصفه، أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب ما بين تأليف وتحقيق وترجمة، منها: “امرؤ القيس . . حياته وشعره”، “ملحمة السيد”، “دراسة في مصادر الأدب”، “الأدب المقارن . . أصوله ومناهجه وتصوره”، “الفن العربي في إسبانيا وصقلية”، “الشعر العربي في إسبانيا وصقلية”، “بابلو نيرودا . . شاعر الحب والنضال” . كما حقق مجموعة من الكتب المهمة منها: “طوق الحمامة في الألفة والإلاف لابن حزم”، “فن الشعر لأبي البقاء الرندي” وغيرهما . . هنا حوار معه .
كيف تقرأ ثورة 25 يناير؟
- هذه الثورة نتيجة حتمية لما كان يجري في مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية والذين يعرفون طبيعة الشعب المصري واطلعوا على تاريخه جيداً كانوا يتوقعونها وكنت أتوقعها بشكل شخصي، هي ثورة وليدة تطور أجهزة الاتصال من غير لقاء بين المشاركين وليس لها زعيم محدد، من هنا فهي حصيلة اتجاهات متعددة، فالثورة استطاعت أن تزيح نظاماً مستبداً ولكن حتى الآن من الصعب أن تحقق نتائجها المرجوة قبل عامين أو ثلاثة .
لماذا؟
- لأن هناك عدداً كبيراً من الانتهازيين ومحترفي السياسية اندسوا بين صفوفها وبدأوا يرفعون رايات الثورة لأمرين: لحماية أنفسهم أولاً، ولعلهم يجدون لهم مكاناً ونصيباً في مغانمها ثانياً .
ما المطلوب لكي تحقق الثورة أهدافها؟
- لا بد من وضع خطة للقضاء على بقايا فلول النظام القديم من جميع مؤسسات الدولة سواء كانوا أشخاصاً أو سياسات، والمضي قدماً نحو بناء المستقبل، وهذا البناء يقوم على دعامتين الأولى النهج العلمي، والثانية سيادة القانون .
هناك مخاوف من أن تتحول مصر إلى جمهورية من جمهوريات الموز؟
- من الصعب أن يحدث ذلك والذين يرددون هذه المقولات لا يعرفون جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية، ولقد عشت هناك عامين وأعرف طبيعة الحياة، حيث البلدان هناك تملكها فئات محددة تملك كل شيء، فإذا ما وقع انقلاب عسكري ضدهم استعانوا بالمخابرات العسكرية الأمريكية التي تقدم المرتزقة والمأجورين لغزو بلادهم، والشعب لا يعنيه الأمر، سواء الذين صنعوا الانقلاب أو الذين خسروا الحكم، ولا الذين جاءوا ليزيحوا المغتصبين عن مناصبهم، لأن الشعب لا يملك شيئاً، إنه صراع بين الإقطاع والشركات بعضها بعضاً .
ونحن في مصر ليس لدينا إقطاع ولا شركات يمكنها أن تجند الجيوش، وليس على حدودنا أيضاً بلدان ضعيفة يمكنها استجلاب مرتزقة على غير إرادتها ويزحفون منها للاستيلاء على الدولة المجاورة، وفي مصر هناك رغبة في إعادة البناء، ولكن الناس يتعجلون قطف الثمار، وهذا ليس من مصلحتهم ولا مصلحة الثورة .
ما تعليقك على أن النقد العربي في عصوره القديمة لم يحقق شيئاً إلا بتواصله مع التفكير الإغريقي واليوناني قديماً ومع المنجز الثقافي الغربي حديثاً؟
- النقد هو صدى للأدب نفسه ولا يمكن أن يكون لديك نقد جيد ورفيع المستوى إلا إذا كان هناك إبداع يفوقه أو على الأقل يساويه، حينذاك يستطيع النقد أن يسمو ويرتفع ويفيد من كل الاتجاهات دون أن يفقد هويته . يظل نقداً عربياً ويفيد من الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وغيرها التي كانت معروفة في عصره، ولكنه يظل في النهاية نقداً عربياً لأنه يدرس إبداعاً عربياً رفيعاً، وحين تراجع الإبداع العربي في عصور التدهور تراجع معه النقد العربي، على الرغم من أن كل التيارات الأخرى كانت موجودة وكان منفتحاً عليها . إذاً، حجر الزاوية في النقد هو الإبداع العربي نفسه، إذا وجد شاعر في مستوى شوقي وجد معه ناقد في مستوى العقاد، وإذا وجدنا ناثراً في مستوى مصطفى صادق الرافعي يوجد معه ناقد في مستوى الدكتور محمد مندور، سواء قُبل اتجاهه أو رفض، ولكن حين يختفي شوقي وتمتلئ الساحة بأشباه الشعراء الذين لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة، فمن المنطقي أن يأتي النقد الأدبي على مستواهم .
هناك جانب آخر يتعلق بالمناخ العام، عندما كان المناخ العام سليماً كان النقاد والمبدعون أيضاً يعيشون من نتاج فكرهم بشفافية، لكن عندما تخلّفت الحياة السياسية وخربت الضمائر وظهر مثقفون يساندون النظام الفاسد، أصبح لهم نقاد رسميون ومن هنا انحط النقد العربي .
كيف تنظر إلى شعار “نحو نهاية نقدية عربية” الذي رفعه الناقد الراحل الدكتور عبد العزيز حمودة وهو ربيب الثقافة الغربية؟
- للأسف بعض النقاد العرب قاموا بالسطو على المصطلحات والنظريات الأجنبية ونقلوها كما هي ليطبقوها على الأدب والثقافة العربية وهذه كارثة، أعطيك مثلاً: النقاد الآن يطلقون على نقد الشعر كلمة “مقاربة” وهذه الكلمة في اللغة العربية لا تعني الإبداع ولا التحليل وإنما تعني الاقتراب، فكيف نقلها هؤلاء إلى تحليل النص الأدبي، فهؤلاء عالة على الفكر الغربي . هناك أشياء كثيرة وألفاظ ومصطلحات لا تعرف معناها مع أنك مختص خاصة إذا كتبت من غير حروفها اللاتينية أنا لا أفهمها إطلاقاً، ومن هنا كانت الدعوة إلى نقد عربي يصنع كما يصنع النقد الأوروبي، إذ عاد النقاد هناك إلى أدبهم ولغتهم ودرسوها واستخرجوا القواعد منها، وهذه القواعد لا تصلح إلا لأدبهم، نحن في حاجة إلى دراسة ما جَد في إبداعنا من أنواع أدبية لم تكن عند نشأة الأدب العربي الأصيل مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، وأن نعود إلى دراستها وإيجاد قواعد ونظريات لها لا بأس بأن نستنير بمن سبقونا، لكن النقد كما هو وتطبيقه كما هو، عمل ضار لأننا جعلناه عالة على غيرنا، وظهر النقد العربي كأنه ثوب من سبعين رقعة ملونة الأشكال مختلفات، كما يقول حافظ إبراهيم .
هل تتوقع أن تتغير لغة المثقفين بعد الثورة؟
- نحن الآن في مرحلة مخاض لا نعرف شكل المولود القادم ولا لونه ولا مستوى صحته، ولذلك لا يمكن القول إن الثورة أثّرت ثقافياً في حياتنا إلا بعد مرور جيل كامل من الزمان، والإبداع الذي ولد من رحم الثورة الآن هو إبداع مشوه يفتقد الصدق والحرارة ولا نستطيع أن نحفظ منه كلمة واحدة، ومصر في حاجة إلى إعادة بناء ثقافتها من جديد .