يتجلى دور إيران التخريبي في العراق بشكل واضح في تدخلاتها في سياسات البلد العربي، ومحاولاتها السيطرة على مقدراته بالقوة العسكرية المتمثلة في ميليشياتها المسلحة التي باتت تتواجد في كل أنحاء البلاد، ويضاف إلى هؤلاء، أباطرة مافيا المخدرات الذين ينشطون في فسادي موازٍ لعمل الميليشيات في بلاد الرافدين. لم يقتصر دور إيران التخريبي على السياسة فقط، بل تعداه ليصل إلى أدمغة العراقيين ومحاولة تفكيك المجتمع العراقي عن طريق إغراق أبنائه بالمخدرات المهربة التي بات من الصعب على الأمن العراقي التصدي لها في ظل دعم ميليشيات إيران المسلحة لمافيات التهريب، وتمكينها من الوصول لمدن العراق كافة. كميات هائلة وفي الآونة الأخيرة لوحظ ازدياد كميات المخدرات المدخلة إلى المدن العراقية عبر الحدود الإيرانية، ويفسر الأمن العراقي، تلك الحالة، بأنها ناجمة عن تضرر الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات الأمريكية، وبالتالي فإن طهران تبحث عن بدائل جديدة لتحسين أوضاعها الاقتصادية في الداخل، وفقاً لما ذكره موقع "باسنيوز" نقلاً عن مصدر أمني عراقي اليوم الخميس. ويؤكد السفير الأمريكي السابق لدى أذربيجان، ريتشارد كوزلاريتش في تصريح لموقع "البوابة" الإخباري، أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية تنعكس بشكل إيجابي على عصابات تهريب المخدرات وتجار البشر، ويؤكد أنه إذا نجحت العقوبات في الضغط على النظام الإيراني فمن المحتمل أن تنمو تجارة المخدرات الإيرانية، وذلك لن يؤثر على العراق فحسب، بل سيضر ببلدان مجاورة أخرى، خاصة أذربيجان، التي تعاني أيضاً من تدفق المخدرات الإيرانية. ويؤكد التقرير، أن المخدرات الإيرانية بأنواعها المختلفة تباع بأسعار رخيصة، حيث لا يتجاوز سعر شريط الحبوب المخدر 3 دولارات أمريكية، وعدد تجارها في بغداد التي يقطنها 10 ملايين نسمة يرتفع بشكل تدريجي ما يعيق تقدم الأمن العراقي في حل المسألة. كما أن إيران تستهدف جميع طبقات المجتمع العراقي، فالأغنياء لهم مخدرات غالية، وغالباً ما تكون "كريستال ميث"، والفقراء لهم المخدرات الرخيصة، كالحشيش والأفيون. وتعتبر المواد الجافة المسكرة، كحبوب الهلوسة صنفاً من أصناف المخدرات، وتنتشر بشكل كبير في محافظات الوسط والجنوب على وجه الخصوص، على الرغم من محاولات التقليل منها بالطرق القانونية المتعلقة بعقوبات بالسجن والغرامات على حاملي تلك المواد. ويؤكد موقع "فرانس 24" في تقرير نشره الجمعة الماضية، أن الحياة قد تعود تدريجياً إلى طبيعتها في العراق الذي عايش حروباً منهكة ومدمرة، لكن مع الانتشار الكبير للمخدرات بين العراقيين، يدخل البلد العربي في أزمة جديدة من باب خطير، تفتك بالدرجة الأولى بالشباب الذين ما زالوا يعانون من أضرار الحروب. ويعد انتشار المخدرات الإيرانية في العراق خطيراً كون البلد يعاني من نقص في الخبرات في التعامل مع هذه الآفة، إضافة إلى قلة عدد المستشفيات والمراكز العلاجية التي تتعامل مع قضايا الإدمان، فالعراق بكاملها تضم مركزاً واحداً لعلاج مدمني المخدرات، ويعرف باسم مركز ابن رشد للطب النفسي وفيه 30 سريراً فقط، ولا يعد كافياً للتعامل مع الأعداد المهولة المتزايدة بسبب تكثيف مافيات إيران لجهودها في إدخال المخدرات عبر الحدود. يقول مدير جمعية مستقبل الأطفال الخيرية في العراق، حيدر القريشي، إن أعداد المتعاطين تتزايد بشكل سريع، فسابقاً كانت المخدرات منتشرة بين طلاب الجامعات، أما الآن فهي تستهدف فئة طلاب المدارس. مكافحة محدودة ويبلغ عدد الضباط العراقيين الذي يقودون فرق مكافحة المخدرات 30 ضابطاً يديرون عملياتهم في مبنى بسيط يسمى بنادي آليات الشرطة الرياضي، تمكنوا خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط من اعتقال 60 تاجر مخدرات. وخلال عامي 2015 و2017 قبضت الشرطة العراقية على 4035 متعاطي مخدرات، بحسب موقع "البوابة". تهريب بلباس ديني ويعمل مهربو المخدرات الإيرانيون على جلب المخدرات من أفغانستان أحياناً تمهيداً لنقلها إلى العراق عبر حدود مدينة البصرة المجاورة، مستغلين لباسهم الديني "العمامة" لإدخال تلك الآفة المدمرة إلى المحافظة عن طريق المنافذ الحدودية، حيث إن رجال الدين لا يخضعون للتفتيش اللازم. ويشكل اللباس الديني حاجز خوف لدى منتسبي القوات الأمنية والذين يخشون من الاستهداف أو العقوبات من قبل الأحزاب العراقية الإسلامية القريبة من إيران. وفي أبريل (نيسان) الماضي، اعتقلت قوات الأمن العراقية رجل دين إيراني للاشتباه في تهريبه مخدرات عبر معبر الشلامجة الحدودي الواقع على بعد 30 كيلومتراً من مركز مدينة البصرة، وأثارت عملية الاعتقال جدلاً على المستويات الرسمية والشعبية. وتسبب الفيديو الذي وثق عملية الاعتقال، ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة وأن القوات العراقية اعتدت بالضرب على رجل الدين الإيراني، واتهمته بتهريب "الزئبق الأحمر". وشجب نائب رئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، عملية الاعتقال، واعتبرها سلوكاً غير مسؤول، ولاحقاً اعتقلت وزارة الداخلية العراقية جميع العسكريين الذين ألقوا القبض على رجل الدين الإيراني الذي كان يهرب المخدرات عبر الحدود، وأكدت فرقة الاعتقال خلال التحقيقات، أن "العملية تمت بشكل قانوني عقب اعتراف أعضاء العصابات المحتجزين بوجود عملية تهريب قريبة". وعقب اعتقال رجل الدين الإيراني، شن القائد في "جيش المختار" واثق البطاط المعروف بولائه الصريح لإيران حرباً إعلامية على قوات الأمن العراقية، متوعداً باستهدافها بشكل مباشر، إذا استمرت في اعتقال رجال الدين. وفي أوائل عام 2018، اعتقلت قوات الأمن العراقية 3 من كبار مهربي المخدرات، وتبين لاحقاً أن أحدهم هو نجل مسؤول رفيع في الحكومة العراقية، ولم يجرؤ أحد بعدها على متابعة التحقيق بالقضية، وتم التكتم عليها.