أقيمت أمس الاول بالمركز الدولى للكتاب التابع لهيئة الكتاب وبحضور د. هيثم الحاج على رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب وعدد من المثقفين ندوة وحفل توقيع رواية "صلاة خاصة" الصادرة عن هيئة الكتاب للكاتب صبحى موسى وشارك فيها النقاد رشا صالح وسمير المندى وكمال زاخر وادارتها الإعلامية هبة فهمى. تناولت الناقدة د. رشا صالح في كلمتها عن رواية "صلاة خاصة" العلاقة بين الحقيقة والظل، وايهما يمثل لنا الواقع وأيهما مجرد خيال نتصوره، وقالت صالح: كان أول انطباع جاءني هو تساؤل عن الحقيقة والظل عن أي من الماضي أو الراهن هو الحقيقة والآخر ظل له، يقول شوبنهور أن هناك ثلاثة مراحل للحقيقة، الأولى هي السخرية منها، والثانية هي رفضها، والثالثة هي الإقرار بها، وموسى لعب مع التاريخ على هذا النحو، حيث في البدء نجده يعتمد على الفانتازيا، وكأننا أمام نوع من المحاكاة الساخرة، ثم سرعان ما نشتبك في قضايا خلافية، تجعلنا تارة نرفض التاريخ، وتارة نقبله، وفي المرحلة الثالثة نجدنا نقر بكل ما حدث، وكأنه حقيقة كاملة، لكننا لا نعرف أيهما الحقيقة والآخر هو الظل، لا نعرف إن كان أنطونيوس ظل لأوريجانوس أم أوريجانوس هو الظل له، هكذا تتداخل الرؤي وتتمازج الأفكار والأزمنة، فلا نعرف إن كان الخيال مقدساً أم أن الحقيقة هي المقدس. رواية "صلاة خاصة" هي بحث تاريخي فني كبير، وصبحي له خبرة في الكتابة التاريخية، فمعظم رواياته بنيت على الرؤية التاريخية، ولا نقول أنها اعادت نسج التاريخ أو كتابته، لكنها استفادت من الأطر التاريخية وقدمت تصورها الفني لهذا العالم القديم، متمازجاً مع الواقع الحديث، ومتقاطعا مع إشكالياته وقضاياه. حتى أننا نتساءل هل التاريخ هو السبب في الرواية أم أنه مجرد سبب يحاول أن يسرد من خلاله ما يراه عن هذا العالم التاريخي. على مستوى الزمن هناك حقب زمنية داخل الرواية، والزمن فيها متشظى وموزع على أبعاد ومستويات، هناك الحقبة الأعمق وهي حقبة أوريجانوس في القرن الثالث الميلادي، ثم الحقبة التي تليها وهي تمتد من بداية القرن الرابع حتى منتصف القرن الخامس الميلادي، والحقبة الراهنة والتي تبدأ من ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتصل حتى 2016، وتعود إلى الوراء حتى النصف الأول من القرن العشرين، في الحقبة الأولى كان أوريجانوس هو الراوي، وفي الحقبة الثانية كان ثلاثة رواة هم رفائيل الذي شهد صعود أثناثيوس ومعاركه الفكرية مع أريوس وأنصاره، كما شهد مجمع نيقية ووضع قانون الإيمان، وعاصر عددا من البابوات المؤثرين في تاريخ المسيحية المصرية، ثم جاء من بعده تلميذه بنيامين كراو ثاني، وقد شهد الصراع مع نسطورس وأوطاخي ومجامع أفسس وخلقدونية، ثم جاء أنطونيوس تلميذ بنيامين، والذي كان عليه أن يروى ما جرى بعد الانفصال عن الكنائس العالمية في مجمع خلقدونية. وفي العصر الحديث ثمة ثلاث رواية أيضا هم أنطونيوس ودميانة وملاك الذي سجل تاريخ الدير كله في كتاب أرسله إلى أنطونيوس وزوجته دميانة في بيتها. في الرواية العديد من الرحلات التي تدلنا على المتاهة التي يعيشها الشخوص، من بينها رحلة أنطونيوس إلى دير الملاح وهي تشبه رحلة العائلة المقدسة في مصر، ورحلته من دير الملاح بحثا عن دميانة، ورحلة دميانة نفسها، وحتى في الحقب القديمة هناك رحلات أوريجانوس إلى بلاد العرب، ورحلات أثناسيوس وتطوافه في أثناء نفيه وهروبه سواء في مصر أو اوربا، وقد قدم موسى خارطة شبه كاملة للأديرة في مصر، وكشأنه دائما في أغلب أعماله الروائية اعتمد على مشاهد من الفنتازيا التي تجعلنا نتساءل عن الحقيقة والظل، وعن المقدس والواقعي،وفي الرواية رصد لدخول المسيحية مصر،وانتشارها فيها، واضطهاد أهلها المتوالي من قبل الرومان، فيها أيضا ملامح اضطهاد المحققة دميانة ابنة المحامي اليساري داخل الدير، والراوية مليئة بمشاهد وفصول الاضطهاد سواء من قبل الرومان للمسيحيين، أومن قبل المسيحيين لغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى. الرواية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، لكل منها اسم مستقل. وشخصية ملاك الكاتب هي الشخصية التي قامت بجمع كل شيء وتدوينه، سواء من المخطوطات القديمة، أو من رسائل الشخوص ومذكراتهم أو حكاياتهم له، وفي النهاية قدم روايته التي حوت كل هذه الروايات والخطوط والأحداث والحقب. والرواية عبارة عن جدلية ما بين الماضي والحاضر والماضي التام أو السحيق، والكاتب اعتمد فيها على مستويات من السرد متباينة ومتنوعة، أسلوب السرد في الزمن الحديث جاء سريعاً، وفي الزمن القديم حيث رسائل أوريجانوس جاء هادئاً، وفي حقبة دير الملاح وتأسيسه حتى الانفصال الكبير بين الكنائس العالمية في مجم خلقدونية كان متوسطاً ما بين هذا وذاك. سمير مندي: "صلاة خاصة" تطرح تعدد المعاني في مواجهة أحادية المعنى. تحدث الناقد الدكتور سمير مندى عن تعدد المعاني برواية "صلاة خاصة" في مقابل أحادية المعنى، وقال: أن الرواة تعددوا في كل حقبة، في مقابل رسائل أوريجانوس التي رواها أوريجانوس نفسه، والذي رصد موسى من خلاله كيف واجه هذا المفكر المسيحي كل الآلام والصعوبات، أثناء نقاشه عن طبيعة المسيح ودفاعه عن طبيعة واحدة، وقد ربط المؤلف بين قصة أنطونيوس وهذا التعدد في المعنى لدى إيمانويل الطيب وباخوميوس. لكن المؤلف دائما ما كان يلجأ إلى الفنتازيا في حل مشكلات الشخوص أو النص، وهو ما يعني إقراره بمعنى واحد، حيث توجد مساعدة فوق طبيعية، ومن ثم فإنك لن تجد المعنى إلا من خلال هذه المساعدة، وهذا في حد ذاته مناقض لما أراد النص أن يحققه. في قصة المعاني المتعددة مقابل المعنى الواحد الأحادى نجد علاقات السرد جميعها في إطار تعدد المعنى، وليس إقرار المعنى الواحد، ولعل الأمر يجعلنا نتساءل هل السرد التاريخي عملية تنضيد للعملية التاريخية الحقيقية في مقابل السرد الآخر، ولعلنا نتأمل هذا المعنى في العديد من الاشارات، النص يحمل العديد من المعاني، حيث ملاك يتحدث عن المعرفة الكلية، وأنطونيوس ينظر للسماء ويرى المسيح، والنص مقسم إلى ثلاثة أقانيم. النص لديه معاني متعددة يشير إليها من أكثر من سياق، هناك واقعة أنطونيوس الذي يميل بجسده إلى دميانة، وهذا خروج من المعنى الواحد، وأوريجانوس يتحد عن الصورة الإنسانية وليس الإلهية فقط للمسيح، وهذا ينتقل بنا من المعنى الآحادي إلى تعدد المعاني. وأوريجانوس وأنطونيوس كلاهما واحد في إطار تعدد المعاني. كمال زاخر : "صلاة خاصة" رصدت العلاقة بين المثقف والسلطة. تناول الكاتب والمفكر كمال زاخر رواية "صلاة خاصة" وقال: "عرفت صبحي موسى من خلال نشره جزء صغير على الفيس بوك من روايته "صلاة خاصة"، كان عبارة عن حوار بين شخصيتين قبطيتين يشهد لهما التاريخ بأنهما كانا في صدام مروع، ومازالت أصداؤه حتى الآن، ليس في التاريخ فقط ولكن في العلاقة بين المثقف والسلطة، وهذه إشكالية قديمة سواء في الحضارة اليونانية أو الرومانية، وهي علاقة ما بين العناق والصدام، لكن العناق فيها قليل على مستوى التاريخ، لأن المثقف يطلق العنان لتفكيره، والسلطة لديها محددات ومحاذير. الجزء الذي نشره صبحي التقطني، فانتبهت إلى وجود كاتب جيد لم أقرأ له من قبل، ثم التقينا وأعطاني "صلاة خاصة" منذ شهر واحد، فبدأت فيها القراءة، وكان آخر مقطع قرأته فيها اليوم، والعلاقة طوال هذا الشهر بيني وبينها هي المحبة والتقارب والتجازب، واكتشفت بعدما انتهيت من القراءة أن الرواية بحاجة إلى عمل مكمل، ففيها تناول الكاتب ثلاث حقب زمنية متباعدة، ومع ذلك استطاع أن يوجد الخيط الرابط بين الحقب الثلاث. في بداية القراءة تشعر بعدم الفهم حتى تستوعب أن الرواية تسير في خطوط متوازية، وتذكرت وأنا أقرأ ما قيل عن محمد على كلاى من أنه يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة، وهكذا فعلت معي رواية صبحي موسى، فما أبدأ في الاندماج حتى أفاجأ بأن الفصل توقف، وأن السرد انتقل إلى حقبة أخرى، فاظل على توترى متابعا ما يجري في الخطوط الثلاثة أو الأربع التى يعمل عليها. في هذه الرواية يقوم صبحي بأنسنة الشخصيات الطوباوية المقدسة، فأول ما نقوم بوضع أيقونات أو صور لأي من الأقارب أو الأصدقاء على الحوائط، فإننا نحيطها بهالة من القداسة تحول بيننا وبينها، لكن صبحي تجاسر وأسقط هذه الفواصل، وتعامل مع شخصيات من أقدس الشخصيات بإنسانية واضحة، من بينها شخصية القديس اثناسيوس، وهو الشخصية التي اسهمت بشكل كبير في وضع قانون الإيمان عام 325، ولنا أن نتصور شابا في سن التخرج من الجامعة، يقوم بجمع كل المصادر المسيحية ويصيغها في قانون مكون من 15 سطراً، قانون يعترف به العالم أجمع، ويعرف بقانون الإيمان، هكذا وضع صبحي تصوره لشخصية أثناسيوس، وكذلك مع عبقرية كبرى مثل العلامة "أوريجانوس" الذي في صراعه مع السلطة قالت له أن أعلى ما يصل إليه أن تعترف بكونه العلامة، لكنها لا تعترف به كاهنا ولا قديساً. والذي يتابع ما يجري على الفيس أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي يجد أن هناك شبابا يرفعون اسم أوريجانوس ويضعون اسم البابا تواضروس الثاني على بعض المقولات، هذه الرواية تفسر لنا ما حدث وما يحدث الآن، في هذه الرواية نجد أصول سلفية للمسيحيين، نجدهم يستخدمون نفس الأدوات التي يستخدمها السلفيون الآن، وموسى بذكاء واضح استطاع أن يلتقط أطراف هذه الخيوط والظواهر ويرصدها في عمله الكبير عبر شخصيات مدهشة، في مقدمتها "دميانة" وهي محققة في دير، وهذه الشخصية تمثل جسارة من صبحي، لأنه لا توجد محققات في الأديرة، فوحده المجلس الملي هو الذي يتولى التحقيق مع الرهبان.