يعرض فيلم "Heiresses The " أو "الوريثتان" ضمن المسابقة الروائية الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي، وهو أيضا الفيلم الذي اقتنصه المهرجان بعد عرضه في مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الأخيرة، وحصلت بطلته أنا برون على جائزة أحسن ممثلة. ويعد "الوريثتان" من بين الأفلام الساحرة والمميز وهو أحد الإنتاجات المميزة من باراجواي للمخرج مارشيللو مارتنيزي ، والفيلم يدور حول شخصية امرأة وحيدة في بداية الخمسينيات من عمرها هي "شيلا " ، تعاني من تفاقم حالتها المادية إلى درجة أنها أصبحت مهددة بتغيير طبقتها الإجتماعية التي تنتمي اليها وهي الطبقة الوسطى الميسورة في باراجواي ، والفيلم من بطولة الممثلة آنا برون ومارجريتا ايرن وآنا إيفانوفا ونيلدا جونزاليز .
الفيلم يحمل الكثير من الجماليات بدء من القضية التي اختارها المخرج ، والشرائح العمرية لبطلات العمل فنحن أمام سيدتين تجاوزتا الخمسينات (تشيلا ) و(تيكيتا) ، يجمعهما منزل واحد ، يمران بضائقة مالية البطلة الرئيسية – تمثل للمرة الأولى – والتي نفهم من سياق الأحداث أنها صاحبة المنزل ، تحمل بقايا شبابا وجمالا أخاذا ، إلا أنها تبدو لنا ومنذ إطلالتها الأولى خائفة مترددة لاتستطيع اتخاذ أي قرار في حياتها ، لاتغادر غرفتها إلا لترسم لوحتها ، وهي أيضا صاحبة طقوس منذ لحظة إستيقاظها فى حين أن رفيقتها تبدو أنها صاحبة الكلمة العليا فى كل شئ وهي التي تدير حياتها ، داخل ذلك المنزل الملئ بالأثاث الفخم والتحف والأنتيكات الموجودة فى جميع الأركان ، ورغم جماليتها إلا أن كل شئ يبدو ساكنا لا يتحرك حياة مليئة بالركود والخوف ، ورغبة البطلة في الإنعزال لدرجة أن رفيقتها التي تقرر بالاتفاق مع صديقة مشتركة أن يبيعا بعضا من الأنتيكات فقط ، يواجهن هما الأمر في حين أن "تشيلا " صاحبة المنزل لا تستطيع الخروج لملاقاة الزبائن ، بل دائما ماتترك ةرفيقتها تقوم بذلك وتتلصص هي من وراء الباب لذلك نجد زوايا الكاميرا دائماً ضيقة، والإضاءة قاتمة نوعا ما ، كش شئ يوحي بأن تلك المرأة مسجونة داخل نفسها ، وداخل منزلها الكبير المزدحم بالأساس الخالي من الروح.
ونكتشف أن العلاقة التى تربط بين الاثنتين هى علاقة حميمية، يعيشان معا، وتتحكم رفيقتها فى كل شئ، وهى التى دخلت المنزل كعاملة، ونحصل الرفيقة على حكم بالسجن لمدة شهر بسبب عدم سداد ديون ما، وخلال هذا الشهر تنقلب حياة البطلة رأسا على عقب، رغم أن رفيقتها أحضرت لها مربية تجلس في المنزل ودربتها على كل التفاصيل المتعلقة بصاحبة المنزل، وفى أحد الايام وبعد استيقاظها من النوم تأتي الخادمة، لتخبرها أن جارتها، تريد منها ان تقوم بتوصيلها بسيارتها .
البطلة لاتصدق كيف ستخرج إلى الشارع تقود السيارة، رغم عدم وجود رفيقتها بجوارها ومع أول خطوة لها بالسيارة مع جارتها العجوز، تتغير حياتها تماما، تجلس لتراقب هؤلاء السيدات العجائز فى خروجتهن اليومية للعب الورق بنادى يجمعهن، وتبدأ السيدات اللاتى تقلهن البطلة فى إعطائها مقابل مادى، إلى ان تلمح البطلة من تدير هذا النادى شابة قد تكون فى الثلاثينيات من عمرها، يافعة تمتلئ بالحيوية، ومنذ اللحظة الاولى تشعر بالانجذاب نحوها، وتقاوم تلك الرغبة.
وطوال أحداث الفيلم لا نرى انعكاسا لوجه رجل واحد، كل الوجوه نراها من بعيد حتى هؤلاء الذين تعرفهم تلك الشابة والتى تعيش قصص متكررة من الفشل العاطفي، والرجل حاضر من خلال حكاوى السيدات المتقدمات فى العمر، هذه زوجها توفى نشاهدهم فى الجنازة، و أخرى زوجها فى المزرعة دائماً، حتى وجوه العمال الذين دخلوا المنزل لحمل بعض الاثاث الثقيل وتحديدا البيانو، أصر المخرج أن تكون زوايا التصوير بعيده عنهم، يتصدرها البيانو فى مقدمة الكادر، وتتصاعد المشاعر المكتومة ناحية تلك الشابة، والتى تبدأ فى الاعتماد على بطلة العمل فى تحركاتها بالسيارة.
يتحدثان معا عن الأب الغائب، والذى كان له تأثير فى حياة كل منهما ، (بابيت ) هو اسم الدلع الذي كان ينادي به الأب بطلة العمل وتناديها الفتاة أيضا به وتتواصل حياة البطلة مابين زيارة رفيقتها في السجن ، وقضاء مشاوير زبائنها ، وتلك الشابة ، إلى أن تبدأ البطلة في التحرر من كل ما يثقلها، ولا تخشى افتقاد قطع الاثاث الغالية الثمن والثقيلة والفخمة، ومع تحرر روحها تتخلى واحدة بواحدة عما يثقلها، وتخرج لملاقاة الزبائن، تعاود الرسم، إلى أن تحدث المواجهة بينها وبين الشابة التى تطلب منها الذهاب إلى منزلها من أجل أن يرتحا قليلا، بدل من انتظار باقى السيدات أصدقائهن.
للاتى يقدمن واجب العزاء، ويرغبن فى الجلوس لوقت أطول، الشابة التى تعرف جيدا رغبة البطلة فيها، ومشاعرها ناحيتها، فهل تستسلم ؟ هل تخون صديقتها؟ هل تتحرر وتنطلق بعيدا عن حياة مرسومة لها؟
فيلم The Heiresses أو Las herederas ينتمى إلى السينما الشاعرية فى كل تفاصيله، بناء الشخصيات اختيار الشريحة العمرية والتى نادرا ما نجد أفلام تتحدث عنها، ينتصر للحرية والحب، ويرصد برقة شديدة مشاعر الوحدة والعزلة ولا يخلو فى نفس الوقت من حس كوميدى يظهر فى مشاهد السجن.