عقارات متهالكة ومتلاصقة، يقبع أمامها بعض السيدات والأطفال، يخيم على وجوههم البؤس، هكذا يبدو المشهد داخل منطقة "سن العجوز" المجاورة للأهرامات، عقب أن علم سكانها بأن الحكومة تقدم على تطوير المنطقة ونقلهم إلى مكان آخر، مما جعلهم يعيشون حياة غير مستقرة في غرفهم، يخشون مغادرتها، لاسيما وأنهم لا يعلمون مصيرهم. منطقة "سن العجوز" التي تعود تسميتها إلى قصة من زمن بعيد لسيدة عجوز كان مشهود لها بطيبتها وعطفها على الجميع قامت بإلقاء آخر سن لها بجوار أبو الهول، قبل التقدم لقرعة الحج والذي انتظرته لأكثر من 20 عامًا، لتقبل في القرعة باليوم الثاني من رمي السن، فسافرت لقضاء فريضة الحج وماتت في أرض الحجاز، لتكون حكايتها أساس تسمية المنطقة التي تكتظ حاليًا بالقمامة وتنبعث منه روائح كريهة، وذلك بسبب وجود الأحصنة والجمال بالمنطقة، لاسيما وأن أصحاب المكان يمتهنون صناعة"الحنطور" وتأجيرها للسائحين، لذا من الصعب خروج الأهالي لأي مكان آخر لصعوبة وجود مهنة يعملون بيها، فمنذ نعومة أظافرهم لا يعرفون طريق للرزق سوى العمل في خدمات السياحة بمنطقة الهرم. "عاوزين تشلونا من هنا ليه"، بهذه الكلمات عبر محمود السيد، أحد قاطني المنطقة، عن عدم معرفته للسبب الحقيقي حول نقلهم من منازلهم، مؤكدًا أن كان هناك بدائل للمقاويضة على أماكنهم ولكن لا يعلمون أين هو المكان الذي سوف ينقلون إليه، وهو ما زاد من خوفهم وحيرتهم، لأنهم يريدون أن يعيشون بمنطقتهم مع امكانية التطوير، بما تناسب العصر، ولكي تكون منطقة سياحية تجذب السائحين لمصر:"لكن عاوز تطلعني من هنا يبقى أنت بتموتني، نعم هنمشي في أماكن أنظف من هنا لكن فين مصدر الرزق".
وبالرغم من بناء سور فاصل بين المنطقة الأثرية والعمرانية، إلا أن السائحين يمرون به من حين لآخر، يقولها "السيد"، الذي رأى أن الحل الأمثل يكمن في توفير مساكن بديلة وأيضًا مصدر للرزق لأهالي المنطقة:"الناس بتعيش في أي مكان وكلها جدران، لكن الأهم هنأكل ولادنا ونبني مستقبلهم منين"، لافتًا إلى أنهم تحملوا أعباء المكان المعيشية، بل صنعوا عالم خاص بهم يستطيعوا من خلاله أن يتلذذو بحلاوة الدنيا، متحدين الفقر والحياة، طالما يستطيعون سد رمقهم دون الحاجة لأحد:"ولابد أن نستفاد مش نتنقل وخلاص". ولا يعلم أهالي المنطقة باعداد الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية، بمخطط تطوير منطقة سن العجوز، الذي شمل نقل السكان وحصولهم على 1870 وحدة سكنية و13 محلا تجاريا، وسيتم تسكينهم في منطقة "وقف غالب" التي تبلغ مساحتها 4.9 فدان بشارع العروبة بالهرم، وسيتم إنشاء 684 شقة و67 بازارا، و4 ورش حرفية كمرحلة أولى.
وبملامح لم تعرف سوى شقاءً اتخذ ألوانا في أدق ثناياها، يجلس حسن الصفتي، ذو العقد الخامس من عمره على الأرض أمام منزله، متسائلاً أين يذهب بحمله الثقيل الذي حمله على عاتقه من زمن، فأسرته تتكون من ستة أفراد كل منهم له أسرة تقبع داخل غرفة بمنزل يتكون من ست غرف، فكيف ستوفر الحكومة له وحدة سكنية تحتوي على هذا العدد: "أخرنا كلنا هنتلم في شقة من أوضتين وصالة ومش هنعرف ننتنفس".
السياحة تعد مصدر رزق الرجل الخمسيني، منذ طفولته هو وأسرته حتى الأن، ولكن عقب ارتفاع الأسعار، حاول العمل على "توك توك" بجانب عمله، لكي يستطيع يوفر حاجة أسرته، لذا يرى أنه من الصعب أن يترك مكانه لأنه يعتمد بشكل كبير على السياحة، والذي يرى أنها تنتعش في هذه الآونة، إضافة إلى أنه اعتاد على المكان الذي يبلغ عدد سكانه 7760 نسمة، ويعيشون على مساحة 29 فدانًا. بمجرد الانحدار إلى اليمين، يبدأ طريق جديد تنبعث منه روائح كريهة، ينتهى بأرض متسعة، مليئة بالعقارات العتيقة، المتراصة بجوار بعضها بشكل عشوائي، أمام هذه المنازل تجلس "أم رامي" على أريكة خشبية، تنظر إلى الجمل القابع بجوارها وترمي بصرها إلى الخيول التي تأكل بجانب منزلها، ترى فيهم مصدر رزقها المهدد بالضياع.
"أم رامي" سيدة في العقد السادس من عمرها، تحتضن أبنائها الذكور الخمسة في منزلها، وتجري أطفالهم ذو الأعمار المتلاحقة أمام عينيها، ما إن تكلمنا معها، فاضت بكلام يجسد المرارة الذي تعيش فيه، فهي تخشى من مصير نقلها وأسرتها إلى مكان آخر لا تعلم ملامحه، وخائفة من وقف مصدر رزقها الوحيد وهو تأجير الخيول والجمل.
روت "أم رامي" أن المسؤولين يترددون عليهم بين الحين والآخر، كاشفين عن نية نقلهم إلى مكان آخر، قائلة: "أروح فين أن وولادي وعيالهم احنا سبع أسر.. الحكومة هتجيبلي بيت ولا 7 شقق عشان نعرف نعيش". لتلتقط منها زوجة نجلها طرف الحديث: "يعني عاوزين يمشونا ويبنوا فنادق مكانا.. للناس العايشين.. طب يفكروا فينا"، مضيفة أن خلال فترة قليلة ماضية علم الأهالي أنه سيتم نقل الجمال والخيول إلى مكان بطريق الفيوم: "عاوزين يقسمونا في رزقنا ورزق عيالنا.. لو كسبنا 100 جنيه من تأجير الخيول للأجانب عاوزين نصهم واحنا نصهم عشان المكان الجديد.. ده يرضي مين".
وقد بدء الاعداد لتطوير منطقة سن العجوز بحي الهرم بالتعاون مع الهيئة العامة للتخطيط العمراني، في مطلع سبتمبر 2010، ويأتي التطوير ضمن مخطط شامل لتطوير منطقة نزلة السمان باعتبارها منطقة غير آمنة وتقع داخل المنطقة الاثرية للأهرامات ذلك بتكلفة اجمالية 100 مليون جنيه للمرحلة الاولي، وستسهم وزارة السياحة بمبلغ 50 مليون جنيه، كما ستسهم وزارة الاسكان ب 25 مليون جنيه أما ال 25 مليون المتبقية ستسهم بها وزارة الثقافة.