بمجرد أن تطأ قدماك الأرض بمنطقة الإسعاف بالجيزة، ينتابك شعور بالذهول يشوبه شيء من الاضطراب، إذ تفاجأ بأناس من كل مكان، في الآن نفسه مطالبين بتوفير عقار البنسلين طويل المفعول - يستخدم في علاج الحمى الروماتيزمية - في الصيدليات والمستشفيات، الذي يكاد ينعدم منها، وحال توفره، يكون بسعر مضاعف مرات عدة عن ثمنه الحقيقي. معاناة المواطنين اصطف المواطنين على شباك صيدلية الإسعاف، في طابور غير مستقر، يتخلله من الجوانب بعض الأشخاص أملًا في إيجاد مكانًا فارغًا للاستقرار فيه، للحصول على عقار البنسلين، منذ الثامنة صباحًا، إلى الثالثة عصرًا، يبحث هؤلاء عن العقار الذي انعدم في صيدلية بلادهم منذ عدة شهور.. حسبما ذكر محمود بركات.
وفي إحدى جوانب الطابور، تستقر أسماء صلاح، صاحبة ال30 عامًا، تحتضن طفلها الرضيع تحاول تهدئته، تزامنًا مع مراقبتها للطابور الذي يتسارع الرجال والسيدات، للوقوف أولًا، أملًا في إيجاد مكانًا فارغًا للاستقرار فيه؛ "أنا بنتي عندها روماتيزم ودايخين على حقنة البنسلين ومش لاقينها خالص والمشكلة بتاخدها كل 15 يوم، ومش عارفة أماكنها فين".
وعلى إحدى الأرصفة التي تبعد خطوات عن محطة جمال عبد الناصر، جلست جيهان سيف، التي أرهقها الوقوف في الطابور الذي لا يُعرف له نهاية، عقارب الساعة تشير إلى الثالثة عصرًا، أي 5 ساعات مرت حاولت خلالها الحصول على حقنة واحدة من عقار البنسلين دون جدوى: " بنتي مكتوب لها 6 حقن، وعلشان نجيب أول واحدة، دوخنا السبع دوخات، اللي اترفع سعرها ليكون مضاعف قرابة ال 5 مرات، ومش موجودة"- حسبما وصفت جيهان سيف ل"الفجر".
صيدليات.. فارغة وبعد معاناة المواطنين في جولتهم للحصول على عقار البنسلين، انتقلت "الفجر"، في رحلتها بحثًا عن عقار البنسلين في عدة صيدليات، ومع أول صيدلية، صادفتنا بالطريق، لصاحبها الصيدلي ويدعى حمدان أحمد ذو ال 35 عامًا، أدلى بأن عقار البنسلين ناقص في سوق الدواء ولا نستطيع الحصول عليه بسهولة، مستطردًا ولكن حال احتياجك الشديد لها، سيتوفر غدًا بسعر 50 جنيهًا، وهو ما يُعد استغلالًا واضحًا للأزمة المنتشرة من جانب بعض الصيدليات.
وفي إحدى الصيدليات، يجلس أيمن عادل صاحب ال 27 عامًا، والذي ينتبه بشدة إلى مشاهد التليفزيون الموضوع على المكتب المقابل له، لنقاطع لهفته الشديدة لمشاهدة البرنامج الذي يعرض، بسؤالنا حول توفر عقار البنسلين، ما جعله يرد سريعًا بأنه غير موجود.
تناقض تصريحات "الصحة" وحول أزمة نقص البنسلين، تناقضت تصريحات وزارة الصحة والسكان، حيث نفت في بداية الأمر وجود نقص في عقار البنسلين، واكتفت بأنه عجز بعدد قليل من المستشفيات والصيدليات خلال الفترة الماضية، مؤكدةً أنه فور علمها، تم ضخ 100 ألف عبوة من العقار بجميع محافظات الجمهورية.
وعقب تفاقم أزمة نقص البنسلين، أكدت وزارة الصحة والسكان، أنه سيتم طرح 3.3 مليون عبوة من البنسلين طويل المفعول لعلاج الحمى الروماتيزمية عند الأطفال خلال الأسبوعين القادمين، بمستشفيات الوزارة.
"الصيادلة": ضخ مليون و200 ألف حقنة خلال أيام وفي سياق ما سبق، أكد نقيب الصيادلة، الدكتور محيي الدين عبيد، خلال المؤتمر الصحفي لاتحاد نقابات المهن الطبية، المنعقد بمقر اتحاد المهن الطبية، أنه سيتم ضخ مليون و200 ألف حقنة بنسلين 16 ديسمبر الجاري، كدفعة أولى من إحدى الشركات، من أجل حل أزمة نقص البنسلين. حملات تفتيش لضبط الأسواق "حملات دورية للتفتيش وضبط أسواق ضبط الدواء لمنع تسربه للسوق السوداء، تقوم بها وزارة الصحة والسكان متمثلة في إدارة التفتيش الصيدلي وبالتعاون مع مباحث التموين"، حسبما أكدت الدكتورة رشا زيادة، رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيادلة.
وأوضحت زيادة، في تصريحاتها الخاصة ل"الفجر"، أن إدارة التفتيش الصيدلي تقوم بمراقبة ورصد نقص الأدوية من سوق الدواء، بشكل مستمر، لضبط المخازن التي قامت بتخزين كميات كبيرة من الأدوية الإستراتيجية لبيعها في السوق السوداء.
وحول الإجراءات المتخذة ضد الضبطيات الدوائية، أشارت رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيادلة، إلى أنه يتم تحويل المخالفين للمسائلة القانونية، ويتم تحرير محاضر بها وإحالتها إلى النيابة العامة لتباشر التحقيقات، مع كل من يتسبب في الضرر بصحة المواطن المصري.
البرلمان.. نقص البنسلين "كارثة" وعلى الصعيد البرلماني، وصف محمد سليم، عضو مجلس النواب، أزمة نقص عقار البنسلين، بالكارثة التي لا نستطيع نكرانها، مؤكدًا أن الأزمة لا تزال قائمة رغم تأكيد وزارة الصحة بانتهائها.
وأضاف سليم، في تصريحاته الخاصة ل"الفجر"، أن نقص عقار البنسلين، أزمة الأمن القومي الصحي والرعاية، تصب كلها لدي وزارة الصحة، وتتحمل تداعياتها.
وعن دور لجنة الصحة بالبرلمان لحل الأزمة، أشار سليم، إلى أن لجنة الصحة تناقش أزمة البنسلين، مؤكدين خطورة نقصها، واحتياج المواطنين الشديد لها.
