"عربة حديدية"متهالكة.. ذات اللون الأحمر، على نصيتها مجموعة من الصحف الورقية اليومية وبعض المسليات، تقوم بدفعها بيديها التي يطبع عليها أثار الشقى؛ نتيجة عملها الطويل في بيع "الجرائد" ومقاومتها لصعوبات الحياة في سبيل توفير قوت يومها، تكتم أوجاعها خلف ابتسامة ثقيلة، في محاولة منها لإقناع الجميع بأنها على ما يرام، على خلاف هذه الابتسامة التي لا تفارق وجهها، لا يوجد شىء في حياتها يسير بطريقة جيدة، سواء كانت صحتها أو طبيعة عملها أو الحجرة الصغيرة التي تسكنها عشرة أفراد. وسط زحام المارة والسيارات، والضوضاء المنبعث من جميع أرجاء الشوارع، تبدأ "تفاحة المسكي"-اسم الشهرة- السعي على رزقها في الصباح الباكر، مقاومة برد الشتاء وحرارة الشمس قاطعة مسافات طويلة على قدميها، ما بين منطقة "العتبة والموسكي والجمالية والحسين"، منذ ثلاثة عقود، عقب وفاة زوجها الذي ترك لها ثمانية أبناء في رقبتها دون دخل أو سكن. صوتها الرنان المليىء بالفخر وهي تنادي:" أخبار، أهرام، جمهورية، أنا جيت ومعايا كل الجرايد، مين عاوز"، ينتظره متابعين الصحف يوميًا منذ ثلاثة وثلاثون عامًا، قائلة: "الناس هنا عارفني وبتنتظرني كل يوم، لكن للأسف بعد ارتفاع سعر الجرايد الناس ما بقتش تشتري زي الأول، وبقيت الف على كعوب رجلية لما اتهلكت من المشي من الصبح لحد المغرب، بستلم 400 جرنال مكسبي فيهم 10 جنية، فجبت شوية مناديل وفول سوداني ولب علشان أعرف أكل عيالي وأمي، وإلا هنموت من الجوع".
رغم تخطيها الخمسون عامًا، فإن لديها رغبة عارمة في استكمال عملها وتؤكد أنها ما زالت تملك قوة وإصرارًا على أن تكفي احتياجات أسرتها، ولكن ارتفاع الأسعار وتطلبات الحياة أقوى منها:" عايشه مع أمي في أوضة وصالة أنا وولادي 8، أربع بنات وثلاثة أولاد منهم ولد في الجيش عند الرئيس السيسي، والبنات على وش جواز ومش عارفة أسترهم ولا أجهزهم مكسبي 10 جنية تعمل ايه ادفع بيها ايجار غرفة أمي 250 جنيه ولا أكلهم ولا أعلمهم.. جوزي سابهم ومحلتوش حاجة كان سواق على عربية كارو، وابني اللي ممكن يشيلني في الجيش في العريش والبنات مش هنزلهم يتبهدلو والناس تتحرش بيهم، ماهو مفيش أمان الأيام دي، فعلشان كده بتحمل واجي على صحتي ونفسي". تتطل بوجهها الشاحب على يدها فتتذكر طريقا الطويل التي أنهكها: " الزمن خد مني كتير وما ارتحتش يوم واحد جوزني وانا صغيرة.. كان عمري 16 سنة ومن يومها شايله الهم.. الفقر قطم وسطي.. كنت باكل طقة واحدة في اليوم كانت المغرب علشان ما حسش بالجوع، وبصوم اثنين وخميس وعودت ولادي لما كبروا على كده علشان نعدي اليوم ماهو صعب أجيب 3 طقات يومية من بيع الجرايد والمسليات".
تراودها عدة أمنيات ترجو تحققها: "مش عايزة من الدنيا كلها إلا 4 حيطان يتقفلوا عليا أنا وعيالي، وأجوز بناتي ويبقو في ظهر راجل أنا مش هعيشلهم خاصة وأنا صحتي بقيت على أدي، ومعاش تكافل وكرامة، زي ما وعدنا الرئيس السيسي وقال انه مش هيبخل على نور عينيه".
وبصوت مختلط يملؤه الأمل، تقول "تفاحة": أنها تتمنى مقابلة الرئيس السيسي مثلها مثل منى فتاة العربة، ليسمع معانتها ومعاناة الكثير من المصريين التي تسمع آلامهم يوميًا وهي في طريق عملها:" نفسي اقابل الريس ويسمع وجعي ووجع الناس المرمية في الشوارع بدور على الأكل في الزبالة ومحدش حاسيس بيهم، كمان أقوله ان الجرايد غلت يا ريس وبيغلوها عليه بالرغم ان ما بكسبش حاجة فيها".