"مملكة رمسيس" وحاكمها الأوحد يوسف بك وهبى أو فنان الشعب، تحكى عنها راوية راشد فى الكتاب الذى يضم سيرته الذاتية فى الكتاب الذى يحمل عنوان "يوسف وهبى.. سنوات المجد والدموع"، رمسيس هو اسم الشهرة الذى اختاره يوسف لنفسه فى أوروبا حيث درس فنون المسرح، ومملكة رمسيس هو المصطلح الذى أطلقه الناقد الكبير كمال رمزى على إنجاز يوسف الفنى فى مقدمته للكتاب، والمحكى بتفاصيل دقيقة وخبايا وأسرار ربما لا يعرفها الكثيرون عن العملاق الكبير الذى كان رائداً فى النهضة المسرحية بشكلها الحديث فى مصر والوطن العربى وأحد أهم أعمدة فرقة المسرح القومى وصاحب الفضل فى الضغط لإنشاء نقابة للمهن التمثيلية وهو نقيبها الأول. الإنسانية تحكم هذه السيرة الذاتية للفنان الراحل، فلم يظهر خلالها منزهًا مثاليًا كما يهوى بعض المؤلفين عند الكتابة عن الرموز الكبيرة، ظهر يوسف وهبى كإنسان يخطئ ويصيب ينجح ويفشل، تنهار إمبراطوريته الكبيرة ولا يهدأ حتى يقف مرة أخرى على قدميه، يحب ويكره يتشاجر ويخوض معاركه مع الزملاء والأصدقاء ورفقاء الكفاح وفى حياته العاطفية نفس الحال، ربما بعد قراءة هذا الكتاب سنكتشف مدى قربه فى الحقيقة من شخصية رجائى فى فيلم "الناس اللى تحت" إنتاج عام 1960 إخراج كامل التلمسانى، ويتناول أيضًا الأبعاد النفسية التى صنعت من هذا الرجل الفنان العملاق الذى أصبح عليه منذ قراره صغيرًا بأن يمتهن الفن منذ مشاهدته لفرقة سليم القرداحى وصداقته مع المخرج محمد كريم التى ساهمت لحد كبير فى تشكيل وعيه الفنى الذى بدأ بعد استقرار عائلته فى القاهرة انطلاقًا من شارع الفن عماد الدين. الفنان الراحل الذى مرت ذكرى وفاته فى 17 من الشهر الجارى ليس هو محور السيرة الذاتية وحده بل تمتد لأصدقائه مختار عثمان وأحمد علام وإستيفان روستى وزكى طليمات وروزاليوسف وفاطمة رشدى وأمينة رزق وعزيزة أمير، كل هؤلاء وإسهاماتهم الكبيرة فى سير الحياة الفنية كان العامل المحفز فيها هو يوسف وهبى وفرقة رمسيس المسرحية التى كان يحلم الفنان الكبير أن ينشئ مدينة فنون متكاملة بنفس الاسم فى حى العجوزة فى نفس الموضع الذى يشغله مسرح الغد حاليًا لكنه فشل وتسببت رغبته الفنية مع وقوعه فى حب زوجته الأخيرة السيدة سعيدة منصور فى أن يخسر الكثير لكنه استطاع فى النهاية أن يحافظ على روحه كفنان وإنسان قادر على تخطى مشاكله والامتناع عن سلوكياته السلبية. السرد المميز من قبل الإعلامية الكبيرة راوية راشد هو أكثر ما يميز هذا الكتاب، فعلى غرار الأفلام السينمائية تبدأ بعرض الحركة المسرحية فى مصر قبل ولادة يوسف وتسير بخطى ثابتة مع تقدمه فى العُمر وتركز على نقاط التحول المهمة فى حياته، بدءاً من مغامراته فى شارع عماد الدين وصولًا لفيللته فى الهرم وما بينهماً من صراعات شديدة كفيل واحد منها بتحطيم طموح وقدرة أى شخص، لكن ليس فنان الشعب يوسف بك، تختار الكاتبة فى بعض المواضع أن تعرض الحدث بشكل درامى تخفى بعض تفاصيله لتظهرها فى موضع آخر، وتعتمد على التشويق فى توصيل المعلومة لتبنى صورة متكاملة للرجل الذى كان جزءاً من منظومة متكاملة تعاون أفرادها على وضع شكل وأسس للمسرح والسينما فى مصر فى وقت مبكر من القرن العشرين، لتظهر الحدوتة وكأنها فيلم سينمائى ميلودرامى مثلما اعتاد يوسف أن يقدمه على خشبة المسرح أو الشاشة الكبيرة منتجًا وممثلًا ومؤلفًا ومترجمًا ومخرجًا لعشرات الأعمال الفنية. إلى جانب مئات التفاصيل الصغيرة التى تضم فنانين من مصر والعالم قبل وبعد وهبى عاصرهم فى تألقهم أو بداياتهم ينتهى الكتاب بمعرض للصور يضم الكثير من الشخصيات التى شاركته المشوار الطويل، دققت من خلالها الكاتبة قدر المستطاع على الحقائق من أكثر من مصدر وليس اعتمادًا على ما كتبه يوسف فقط، وذلك بسبب ميله للغموض وملئ الفراغات الناتجة عن هذا الغموض بحكايات غير حقيقية هو مؤلفها، علاقاته النسائية شبكة متشابكة لا يعرف عنها الكثير والسبب هو كون الفنان الكبير مخزناً للأسرار التى لا تكشف، الكتاب كنز حقيقى لمن يريد الاقتراب من حياة يوسف وهبى بشكل حميمى وكنز فى كشف أسرار هذه السنوات الأولى من القرن العشرين وشكل الحياة الاجتماعية فى مصر ووضع النساء فيها بشكل دقيق، كما يعد كتالوج يؤكد أن الإدارة الفنية علم لا يستهان به ومن الممكن أن يساهم فى نجاح مشروع أو يفشله على الرغم من جودته.