أصبحت الفيديوهات التي ينشرها داعش عن ضحاياها تمثل الجانب الأكبر من النقاشات الفكرية والجدالات حول العالم، أصبحت تلك الأخبار تشكل الوليمة الأكبر في كل صحف العالم حتى إن الإنسان ليفكر فيما إن كانت هذه الجلبة هي ما تريده داعش بالتحديد.. بشكل أكثر عقلانية، ما الذي تريده داعش من بث فيديوهات لذبح مواطنين مسيحيين مصريين، وحرق طيار أردني حي، ورجم إمرأة بتهمة الزنى، وأطفال يذبحون رجال متهمون بالخيانة والجاسوسية؟!. ربما إن كثر الأمثلة في نفس السؤال لتدعو للمل أحيانا، لكن تأمل الأمثلة المذكورة، هل من قبيل الصدفة أن تشمل تلك الفيديوها ت البشعة كل أنواع الجرائم وكل أنواع الضحايا ومزيج مرعب من طرق وأدوات القتل، هل تشعر وأنت تشاهد تلك المقاطع أنك أمام الفيلم الشهير Saw ؟. من هذه الملاحظات الفارقة انطلقت العديد من الأسئلة حول الهدف والغاية من نشر تنظيم الدولة الاسلامية لتلك المقاطع الإجرامية، تقول الكاتبة (ٍسيمون كوتيه): "ان الإصدار الذي يصوِّر الذبح الجماعي لحوالي عشرين سوريًّا العام الماضي، والذي انتهى بعرض رأس أحد رجال الإغاثة الأمريكيين المقطوعة، في وقت نشره هو الفيديو الأكثر صدمًا حتى تاريخه، وكذلك كان الفيديو الصادر الشهر الماضي الذي يصور طفلًا يتولى إعدام رجلين اعترفا تحت تهديد السلاح بكونهما جاسوسين روسيين. " ولهذا فقد تبنى العديد من الباحثين بعض الملاحظات الفارقة حول الهدف الحقيقي من وراء هذه المقاطع وأهمها:
_ تخويف الناس منهم وتثبيت اسطورتهم. تقوم سلطة الدولة الإسلامية على الرعب، هناك في العراق كانت تفر وحدات الجيش من المناطق التي يقترب منها التنظيم حتى إنه قيل أن معظم الأماكن التي سيطر عليها التنظيم كانت بدون لقاء مباشر بين الأطراف المتحاربة!. _ زيادة الاهتمام الاعلامي وتركيز وسائل التواصل المرئي والمسموع. يقول ديفيد سي رابوبورت في ورقةٍ عن الإرهاب والدين نُشِرت عام 1984، أن الإرهاب "جريمةٌ تُرتَكَب من أجل الدعاية، عندما تنفجر قنبلة يلاحظ الناس الأمر؛ فالحدث يجذب الانتباه أكثر من ألف خطاب أو صورة". وهنا يتحول التركيز المتصاعد على هذه الأحداث دافعا ذاتيا لتكرارها بشكل أكثر وضوحا وتطورا المرة تلو الأخرى. _ العنف الداعشي هو انعكاس للنفسية الداعشية. في كثير من الدراسات النفسية يؤكد الباحثون أن العنف في معظم الأحيان يكون إنعكاس لمدي العنف الذي يعاني منه الانسان، وبقدر ما تم قمعه بقدر ما ستكون لديه ارغبة في عكس اتجاه هذا العنف ليكون إلى الخارج بدل أن يكون إلى الداخل، فيتحول الانسان من موقف الضحية إلى موقف الجلاد. يقول فرانتز فانون " إن العنف قوةٌ مُطهِّرة على مستوى الأفراد، فهو يحرر فطرة عقدة نقصه ويأسه وجموده، ويجعله شجاعًا ويعيد إليه احترامه لذاته " ومن هنا يمكننا فهم نظرات القوة التي تظهر في عيون الملثمين الذين يقومون بعمليات القتل بعد تناثر قطرات الأحمر فوق أيديهم في منظر يعود بالانسانية إلى قرون ما قبل التاريخ.
_ الحفاظ على وتيرة تصاعدية تضمن استمرار التركيز الاعلامي: لضمان استمرارية وجود الفكرة، ينبغي أن تكون حديث الألسنة. لذلك فإن هذه الضمانة لا تتأتي إلا بالتجديد، التجديد الدائم لكل عتاصر الخطاب الداعشي، الضحايا والسفاحين والأعداد والكيفية التي يتم بها تنفيذ الجرائم. بهذه الوسيلة تضمن داعش وجودها – نظريا – على الساحة العالمية. كانت أيضا من أهم الأسئلة التي أثارت انتباه المهتمين بهذا الشأن عن الشرائح الأكتر انضماماً لداعش وتعاطفا معها وقد يمكننا ذكر الشرائح التالية: - الأشخاص الأكتر تعرضاً للظلم. مثلما قلنا بأن القاتل الداعشي الذي يذبح ضحيته بدم بارد لا يشعر بأي حرج نفسي أو عضوي، نقول أيضا بأن هذا الدافع – دافع التخلص من دور الضحية – هو المحرك الأكبر لمعظم المتنمين والمتعطفين مع داعش، يظهر ذلك بشكل واضح في تعاطف الكثير من الاسلاميين وأبناء المشروع السياسي الإخواني والذين كل أشكال الاضطهاد من الدولة في الآنة الأخيرة. - أصحاب العقول المنغلقة ( السلفيين ) و دول اصحاب القراءة الواحدة والمنطق الواحد. يمكن للإنسان العاقل أن يحاكم كل الأفكار التي يتعرض لها، فملكة النقد تستلزم أن يكون الإنسان معرضا للفكرة ونقيضها لإكتساب مناعة وحرية عدم الإقتناع في لحظة معينة، بينما هذه السمة لا تتوفر لأصحاب الفكر الواحد والمنطق الأحادي. يمثل الكثير من أبناء التيار السلفي النموذج الصارخ لهذا الفكر. لعل ملاحظة هذا الأمر ليست بالصعبة لكل متابع للتيار السلفي. هلتتحمل الحكومة مسئولية الأحداث الأخيرة؟!. لا يمكن أن تكون هناك إجابة بسيطة لهذا السؤال، إذ ان التعامل مع الإرهابيين والتفاوض معهم يعد من أكبر القضايا الخلافية في المشرق والمغرب، بين براجماتية تحتم التفاوض لإنقاذ الضاحيا، ومبدأ عدم التفاوض مع الإرهاب منعاً لتكرارهم نفس الأفال مستقبلا بهدف الحصول على المكاسب المتكررة.