كانت هياكل الرومان تسمع قرقعة الحروب من حولها. أعمدتها الضاربة في التاريخ تلتقط صليل العابرين إلى القتال من صوب سلسلة شرقية لكنها لا تلتفت إلى الشمس المشرقة من خلف كتفيها.. هي بعلبك التي قالتها فيروز يوما يا قلبي لا تتعب قلبك... بتغيب كثير وبتروح كثير وبترجع ع دراج بعلبك . وليلة أمس الأربعاء عادت مهرجانات بعلبك الدولية إلى أحضان القلعة الرومانية بعد تهجير قسري إلى العاصمة بيروت العام الماضي بسبب الأوضاع الأمنية مفتتحة موسمها هذا الصيف بعمل غنائي للفنان اللبناني عاصي الحلاني تحت عنوان عاصي ...الحلم . وكانت مدينة بعلبك الواقعة شرق البلاد والقريبة من الحدود مع سوريا تعرضت لصواريخ وانفجارات بسيارات مفخخة أزهقت أرواحاً على امتداد سهل البقاع منذ الصيف الماضي. وتأثرت بعلبك ذات الأغلبية الشيعية والتي تعد أحد معاقل حزب الله بالصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات. وكان حزب الله أرسل مقاتليه للقتال إلى جانب القوات الحكومية السورية. لكن ليلة الأربعاء نسيت قلعة الشمس نفسها في الدهر خصوصاً وأن من يقف تحت أعمدتها يستمد الروح ويشحن قوة تؤهله لتحدي صواريخ الناس الطارئين. ومن هنا وضعت لجنة مهرجانات بعلبك تاريخها على المحك وغامرت في شد الرحال نحو القلعة بعد ان كانت قد نزحت العام الماضي الى بيروت. كان حلم لجنة المهرجانات هو صنع فرحة تستلها من خزان الحزن فافتتحت لياليها بحلم فنان لبناني ابن الأرض البعلبكية الصلبة. أقيمت المهرجانات على مدرجات معبد باخوس وهو أحد المعابد الثلاثة الضخمة التي بناها الرومان لثلاثة من آلهتهم ويٌعد باخوس من أفض المعابد الرومانية حفظا في الشرق الأوسط. قدم عاصي أكثر من عشرين أغنية من الأغاني التي قدمها عبر مشواره الفني بالاضافة الى أغنية خاصة جديدة عن الحلم في بعلبك غناها لأول مرة لهذه المناسبة. كل الاغاني موزعة ومربوطة بشكل قصة حلم من خلال الفصول الاربعة. مشاهد الفصول الأربعة مترجمة من خلال الرقص الإيمائي والتعبيرات من خلال كوريغرافيا فرانسوا رحمة وإخراج جو مكرزل بالاضافة الى أبيات شعرية تحكي قصة معاناة وصراع للوصول. وغني الحلاني على مدى أكثر من ساعتين على إيقاع أوركسترا حية يصاحبه عدد من الراقصين المحترفين مفسحا المجال أمام ثلاث مواهب هي ابنته ماريتا والفنانين اليافعين غازي الأمير وربيع جابر. وهذه ليست المرة الأولى التي يطل فيها الحلاني على أدراج بعلبك فقد سبق أن شارك في 2011 بمسرحية من أيام صلاح الدين من اخراج الأخوان ماهر وفريد صباغ. كما لعب في عام 2009 بطولة مسرحية أوبرا الضيعة إلى جانب فرقة كركلا للرقص. واعتبر الحلاني أن إقامة المهرجانات هو تحد كبير لكل ما يجري وللتأكيد على أن المنطقة التي أنجبت أبطالاً ممنوع أن يمنعها أحد من أن تفرح. وقال لرويترز الحمد لله الوضع مؤمن. بعلبك مثل ما عودتنا هي تستقبل الناس بكل صدر رحب وهذا الشعب اللبناني كما قلت في السابق يهتز ولا يقع. وأضاف نحن اللبنانيون مثل قلعة بعلبك صامدين وسنبقى رغم كل المخاطر ورغم كل التحديات ومهما يعملوا انفجارات ومهما يضربوا صواريخ ممكن أن يسقط لنا شهداء لكن من المستحيل أن يتمكنوا من كسر إرادة شعب ومن المستحيل أن يستطيعوا أن يلغوا ثقافة شعب ومستقبل شعب يسعى لكي يكون أفضل في المستقبل. وانطلق مهرجان بعلبك رسمياً في صيف 1956. ومؤسسته زلفا شمعون عقيلة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق كميل شمعون وقد استقطب منذ البداية أهم المغنين والراقصين العالميين إضافة إلى أشهر أعمال الأوبرا كأوبرا باريس وميلانو. واستقبل عمالقة الفن العربي ومنهم أم كلثوم والرحابنة وفيروز ووديع الصافي وصباح وصباح فخري ونصري شمس الدين وفرقة عبد الحليم كركلا للرقص الشعبي. غير ان هذه المهرجانات توقفت خلال الحرب اللبنانية لفترة 22 عاما لتعود من جديد عام 1997 ولتستمر حتى اليوم. وقالت نايلة دو فريج رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية ان كل الاشخاص المعنيين بالامن شجعونا كثيرا هذه السنة لنكمل ونكون موجودين في بعلبك . وأشارت إلى إقبال الناس على المهرجان هذا العام رغم الأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد وقالت الليلة مثلا الحفلة ممتلئة ولا يوجد عندنا أي كرسي فارغ ...يجب أن نزيل من ذهن اللبنانيين هذا الحاجز (الخوف) الذي لديه لأن البلد يريد أن يعيش .