لا يتخيل أحد، أن من يراهم على الشاشة من فنانين كبار، يتحفون الجماهير بالضحكة والابتسامة، ربما يفتقدونها في حياتهم الشخصية، ولا يصدق أحد أن كثيراً من مشاهير السينما، ينهون حياتهم بمشهد درامي، يسدل الستار على مسيرتهم الصاخبة، بطولها وعرضها، حتى يمكن بالكاد أن يتذكرهم أحد في محنتهم. ويبدو أن قدر نجوم الكوميديا الذين أمتعونا بأدوارهم الرائعة أن تكون نهايتهم مناقضة تماماً لما يقدمونه، صحيح أنه دائماً ما تُحاط حياة الفنانين بهالة من الأضواء تخلق انطباعاً لدى البعض بأنهم من المستحيل أن يعانوا من أي حزن أو ألم، لكن الحقيقة غير ذلك، فالنهايات المأساوية كانت خاتمة لعدد لا بأس به من الفنانين. ضحية الجحود لقد أضحكت العالم ولم أعش يوماً سعيداً .. ربما تكون هذه الجملة التي قالها تشارلي شابلن عن نفسه تنطبق بشكل كبير على أسطورة الكوميديا إسماعيل يس، الذي قدم أعظم الأفلام والمسرحيات الكوميدية، وكان النجم الكوميدي الأول في عصره، فكان الأعلى أجراً، وأفلامه تحقق أعلى الإيرادات، ولكنه تعرض لمآسٍ عديدة، تصلح لأن تكون فيلماً تراجيدياً. ففي بداية الستينيات انحسرت الأضواء عنه، وبعد أن كان يقدم أكثر من 10 أفلام في العام، أصبح يقدم فيلمين أو ثلاثة، وتزامن ذلك مع تراكم الضرائب عليه، فتم الحجز على العمارة التي بناها، واضطر بعدها لحل فرقته المسرحية، والسفر للبنان ليقدم المونولوج، واشترك في عدة أفلام لا تليق بمكانته، وبعد فترة عاد لمصر مصاباً بالإحباط واليأس، بسبب الفقر والجحود ونكران الجميل. وبعد أن كان بطلاً وتكتب الأفلام باسمه، أصبح يقدم أدواراً صغيرة، وأصيب بالأمراض، حتى توفي إثر أزمة قلبية حادة قبل أن يستكمل دوره الأخير والقصير في فيلم الرغبة والضياع من بطولة نور الشريف. وفاة غامضة قبل 25 عاماً، وتحديداً، في العام 1989، نشرت الصحف خبر العثور على جثة الفنان أنور إسماعيل صاحب أشهر الأعمال الدينية والتاريخية داخل إحدى الشقق بحي السيدة زينب، والمفاجأة أن تلك الجثة كانت متعفنة وعارية تماماً، ما أثار شكوك النيابة بأن الوفاة تمت أثناء قضائه ليلة ساخنة. ولكن التقرير الطبي كشف أن جرعة هيروين زائدة أودت بحياته. وفاة أنور إسماعيل بهذه الطريقة البشعة أحدثت صدمة وقتها لمحبيه وجمهوره، خاصة المتابعين للمسلسلات الدينية في تلك الفترة والتي كان أنور إسماعيل بمثابة تميمة الحظ في أغلبها، ومن أشهرها لا إله إلا الله ، و الكعبة المشرفة ، و حدود الله ، و لقضاء في الإسلام . ضحية سرقة لم تتوقع الفنانة وداد حمدي أشهر من قدمت دور الخادمة خفيفة الظل في السينما المصرية أن يؤدي عشقها للتمثيل لمقتلها في النهاية، فرغم وصولها لسن 69 عاماً، إلا أنها كانت مستمرة في التمثيل وتقديم الأعمال السينمائية والتليفزيونية، وفي يوم 26 مارس عام 1994 ذهب إليها ريجيسير بحجة أنه سيقدم لها دوراً في أحد الأفلام، فصدقته ودعته للدخول للمنزل، بل وقامت لإعداد كوب من الليمون له، ليتسلل وراءها للمطبخ، ويطعنها عدة طعنات أودت بحياتها على الفور. ورغم قيام الريجيسير بقتلها بهدف السرقة، فقد تصور أنها تملك من المال الكثير، إلا أن المفاجأة أنه لم يجد سوى 200 جنيه فى المنزل. والطريف أن القاتل كان قد قصد منزل الفنانة يسرا في بادئ الأمر وعندما لم يتمكن من مقابلتها توجه إلى منزل وداد حمدي. ضريبة الإفلاس تعرض الفنان عبدالسلام النابلسي لعدة أزمات في حياته أدت لرحيله بشكل مأساوي. كانت البداية حين طالبته مصلحة الضرائب في مصر بسداد مبلغ كبير لم يستطع سداده، فقرر ترك مصر والعودة لمسقط رأسه لبنان، وتزامن ذلك مع زيادة آلام المعدة لديه والتي لم يحكها لأحد. لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ أعلن البنك الذي يضع فيه أمواله في لبنان إفلاسه، لتزداد حالته النفسية والجسدية سوءاً، لدرجة أنه منع نفسه عن الطعام حتى لا تزداد آلامه. وفي 5 يوليو 1968 اشتد المرض على النابلسي، وأثناء نقله للمستشفى لفظ أنفاسه الأخيرة، واستمراراً للمأساة لم تجد زوجته بعد وفاته مالاً كافياً لإجراء الجنازة، فتولى الموسيقار فريد الأطرش هذا الأمر، كما تولى رعاية زوجة النابلسي حتى آخر يوم من عمره. احتجاز الجثة لم تختلف مأساة الفنان أمين الهنيدي كثيراً عن النابلسي، حيث عانى من الفقر والمرض أيضاً في نهاية حياته، فأثناء تصويره لأحد أعماله عانى من متاعب صحية شديدة، ليجري الفحوصات والتحليلات التي أثبتت إصابته بالسرطان، وكان ذلك في منتصف الثمانينيات، حيث كان في قمة عطائه الفني، ورغم المرض لم يتوقف الهنيدي عن العطاء، بل كان يقف على خشبة المسرح ليضحك الجماهير، وهو يعاني من آلام المرض، ولكن بعد فترة اشتدت عليه آلام المرض، فابتعد عن المسرح والسينما، وبدأ ينفق أمواله على العلاج، حتى توفي في المستشفى، ولم تستطع أسرته دفع باقي مصروفات علاجه التي بلغت 2000 جنيه، فقام المستشفى باحتجاز الجثة، حتي نجحت الأسرة في توفير المبلغ. تجاهل بعد نجومية وعلى نفس المنوال كانت نهاية الفنان علي الكسار الذي كان يوماً نجماً مسرحياً كبيراً، وله فرقته الخاصة التي تقدم أهم العروض المسرحية، وأيضاً بطلاً للعديد من الأفلام السينمائية منها سلفني 3 جنيه ، نور الدين والبحارة الثلاثة ، حيث عانى الفقر والجحود في أعوامه الأخيرة، ففي بداية الخمسينيات تجاهله المخرجون والمؤلفون، ولم يطلبه أحد في أعمال جديدة، ما اضطره لقبول الأدوار الصغيرة في الأفلام، لكي يتمكن من الإنفاق على أسرته، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث أصابه المرض، واشتدت عليه آلامه، فأدخلته أسرته مستشفى القصر العيني، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة فوق سرير متواضع في غرفة درجة ثالثة بالقصر العيني. نهاية مأساوية وإذا كان بعض الفنانين عانوا من المرض والفقر، فإن الفنان الكوميدي عبدالفتاح القصري الذي رسم البهجة والضحكة على شفاه الجماهير بأفلامه الرائعة وإفيهاته الكوميدية التي لا تنسى، عانى في نهاية حياته من مجموعة من المآسي كان أولها إصابته بالعمى، فأثناء عمله فى إحدى المسرحيات مع إسماعيل ياسين أصيب بالعمى المفاجئ، وظل يكرر وهو على المسرح أنه ما بيشوفش والجمهور يضحك متصوراً أنها جملة من جمله الكوميدية، وبعدها تركته زوجته التي كانت تصغره بسنوات بعد أن استولت على كل أمواله، لتتزوج من شاب كان القصري يرعاه وينفق عليه ويعتبره ابنه الذي لم ينجبه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ أصيب أيضاً بمرض تصلب الشرايين الذي أدى لفقدانه الذاكرة والهذيان، إضافة لنكران الأصدقاء في الوسط الفني الذين تركوه وحيداً، ولم يكن يسأل عليه سوى الفنانة نجوى سالم، ونظراً لظروفه السيئة اضطر إلى السكن في غرفة تحت بئر السلم في الشرابية، وكانت ترعاه سيدة فقيرة، لا عمل لها غير بيع الشاي في أحد الشوارع الجانبية. وعندما علم بعض الفنانين بحالته المزرية جمعوا من بعضهم مساعدات مالية، وأودعوه أحد المستشفيات، وهناك وافته المنية عن عمر يناهز 58 عاماً، والمحزن أكثر أن جنازته لم يحضرها سوى 3 من أقربائه والفنانة نجوى سالم.