أنت تعرف.. وأنا أعرف.. وكلنا نعرف.. أنه إذا كان «رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص». والصورة فى هذا الكلام بليغة ومؤسفة فى نفس الوقت، تصور رب عائلة مسئول عن حياتها، وهو يمسك «طبلة» يدق عليها طوال النهار، نغمات «على واحدة ونص»، عليه إذن ألا يستغرب رد الفعل المنطقى، عندما يجد أهل بيته زوجته وبناته وحتى أولاده وقد استغرقوا فى الرقص على إيقاعات «طبلة بابا». وهذا ما حدث فى مصر بالضبط! ابتلى هذا البلد على معظم تاريخه بنوعيات سيئة من الحكام، ورغم أى انجازات يمكن أن تنسب لبعضهم إلا أن أسلوب الحكم الخاطئ أدى فى النهاية إلى تغيير ملامح شعب مصر، من السيئ إلى الأسوأ. أسلوب الحكم وشخصيته وتفكيره وتصرفات الحاكم سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية لابد أن تنعكس فى النهاية على الناس المحكومين، فإذا كان الحاكم كذاباً، لابد أن يتحول من حوله ومن حولهم إلى «أبولمعة» الأصلى. وإذا كان الحاكم ومعاونوه ورجال نظامه من الفاسدين لابد أن ينتقل الفساد بالعدوى والضرورة إلى أفراد الشعب العاديين. الوزير الذى يتسبيح لنفسه استغلال منصبه والحصول على مكاسب شخصية بطريق الحرام، لابد أن تكون الرشوة منتشرة بين موظفى وزارته، الفاسد الكبير يعطى إذناً تلقائياً بوجود فاسدين متوسطين وفاسدين أصغر. ولو كان أى وزير أو مسئول أكبر من الوزير يتصرف بشرف ونزاهة، لما جرؤ أى موظف كبير كان أو صغير على الرشوة والسرقة! وهنا أعداد يعلم بها الله من وكلاء الوزارة ومن موظفين كبار، فى مختلف الاماكن تم القبض عليهم وإحالتهم إلى النيابة ثم المحاكمة، بل ودخلوا السجون ومنهم من تمكن من الهرب بعد اتهامهم باستغلال النفوذ، والحصول على مئات الآلاف والملايين من الجنيهات عن طريق الحرام! والمأساة أن مثل هؤلاء قد تحولوا إلى مثل وقدوة يحتذى بها الناس ويسيرون على خطاهم، كان هناك «حرامية كبار» فلابد أن تمتلئ البلد بصغار اللصوص! وقد جاء على المصريين وقت استباح فيه كل واحد سرقة الآخر، كان يستحيل إنجاز اى مصلحة أو حتى ورقة رسمية بدون إعطاء رشوة صغيرة أو كبيرة الاستياء على أراضى الدولة كان يتم عن طريق رشى كبيرة وظهرت أنواع مختلفة من الرشوة، حتى ظهرت «الرشوة الجنسية»! لكن الداهية الكبيرة كانت فى التغيير الأسوأ الذى أصاب مبادئ الناس، والملامح الأساسية للشعب المصرى بعد أن أصبح النفاق فى مصر طابع الكبار ثم الصغار تلقائياً. وهذه الحالة الصعبة وصفها عبد الرحمن الكواكبى بكل وضوح عندما قال: «إذا كان كبار الأمة قد ألفوا النفاق، فعامة الناس سيألفونه أيضاً، حتى يضطر أكثر الناس إلى إباحة الكذب، والتحايل والنفاق، والتذلل وإهانة النفس، ومتى يصبح من القيم المعترف بها اعتبار التصغار أدباً، والتذلل لطفاً، والتملق فصاحة، وترك الحقوق سماحة، وقبول حرية القول وقاحة، وحرية الفكر كفراً! ولو نظر الشعب المصرى إلى المرآة لن يشاهد إلا هذه الصورة. قلنا إنها صورة بليغة. لكنها. مؤسفة.. مؤسفة.. مؤسفة