■ بأمر المشير: الرصاص الحى فى انتظار مقتحمى الوزارة.. فالرجل لن يتحمل سقوط مقر المؤسسة العسكرية! فى إنجاب طفل وتغيير نظام أتحمس للولادة الطبيعية.. وأكره العمليات القيصرية.. إن تحويل نطفة إلى حياة بشرية يحتاج تسعة أشهر كى تكون جاهزة لمواجهة تغيرات الدنيا.. وخلق زهرة فى رحم الربيع يستغرق زمنا لتشكيلها وتلوينها ورش العطر على أوراقها ونحت الأشواك لحمايتها.. فلماذا لا نصبر قليلا ونحن نسعى لبناء دولة مدنية مكتملة النمو.. هادئة النفس.. مستقرة الضمير؟ . إننى مع التغيير مئة فى المئة.. ولكنى.. لست مع تفجير الأمة.. وقطع شرايينها.. بحجة أنها أصبحت خردة. ليس بإمكاننا أن ننسف مصر كما ننسف عمارة.. وإلا أصبحنا مقاولى هدم لا مهندسى بناء. لقد شعرت بالقلق وأنا أجد تنظيمات الجهاد المتحالفة مع فصائل الإخوان تنضم إلى خلايا سلفية وهى تعلن الحرب على وزارة الدفاع.. مصرة على اختراقها.. واحتلالها.. والسيطرة عليها.. وربما استجابت لدعوات ذبح أعضاء مجلسها الأعلى وقادتها الكبار.. وهى دعوات أعلنها متطرفون على قنوات فضائية.. فى تحريض مباشر على تنفيذ مجزرة.. يصعب السكوت عليها. وظهرت على شاشات الأخبار.. وجوه معروفة.. متشددة.. مدربة على عمليات النسف والقتل والتفجير والتفخيخ.. تدربت فى الأكاديمية العليا للإرهاب ومقرها جبال أفغانستان وعميدها أسامة بن لادن ورئيس أركانه ووريثه أيمن الظواهرى.. وقد جاءت إلى مصر على سجادة حمراء.. فى لون الدماء التى سكبتها.. وحظيت فى أيام معدودة بالبراءة من القضاء العسكرى فى كل سوابقها وجرائمها.. ليكون أول قراراتها هو القضاء على من منحوهم حرية العودة وحقوق المواطنة. لحى كثيفة.. وعروق نافرة.. وعيون غاضبة.. وأسلحة جاهزة.. وهجمات كثيفة.. فرضت نفسها فى غزوة وزارة الدفاع.. الشهيرة بموقعة «العباسية».. حيث قلب الجيش.. ومسكن قراره . وتوقفت عند حوار على الهواء جرى بينى وبين المستشار هشام البسطاويسى حول ما جرى فى العباسية.. فلم يتردد القاضى المحافظ الذى يدرس ملفاته جيدا قبل أن ينطق بالحكم وهو يصف ما حدث بالمؤامرة.. وراح يتحدث عن المال السياسى الذى أنفق وينفق بجنون ويحرض المصريين على أنفسهم.. وتعجب من عدم اهتمام السلطة العسكرية الحاكمة بالتحقيق فيمن يدفع ومن يقبض؟.. والنتيجة أن هذه السلطة كانت هدفا مهما مطلوب إسقاطه. وحسب ما عرفت فإن المشير أحس بأن انتهاك شرف المكان سوف يضعه هو وزملاؤه فى موقف مهين.. يصعب أن ينهى به حياته العسكرية.. أن ينسب إليه أنه فشل فى حمايته.. فكان القرار استخدام الرصاص ضد كل من يتجاوز السور.. وكانت المرة الأولى التى وضعت فى الأسلحة الشخصية ذخيرة حية.. وإن لم تستخدم.. فقد كانت خراطيم المياه وقنابل الغاز وعناد الجنود تكفى. وربما نسينا فى غمار تتابع الأحداث أن الجهاديين يعتبرون السلطة الكافرة أولى بالقتال من إسرائيل.. ووضعت كل خططها لمواجهة العدو القريب.. كى تسقط الدولة المشركة قبل أن تفكر فى الحرب على الدولة الصهيونية المفترية.. القاسية.. الغاصبة. وفى الوقت نفسه سعى الإخوان لإظهار العين الحمراء للقوة العسكرية الحاكمة من باب الضغط عليها قبل أن تصدر المحكمة الدستورية حكمها فى قضية حل مجلس الشعب.. كأنهم يبعثون إليها برسالة سريعة.. ساخنة.. «هذه بروفة صغيرة عابرة لما يمكن أن نفعل.. لا تلعبوا بالنار». ويخشى الإخوان أيضا أن يستخدم العسكريون حصانة المادة (28) ويفرضون رئيسا على هواهم لو لم تزور الانتخابات.. وهو سبب إضافى حرض على محاولة إسقاط وزارة الدفاع. إن الإخوان هم الذين شجعوا الناس على أن يقولوا «نعم» فى الاستفتاء على المادة (28) وغيرها.. كما أنهم بعد أن كسبوا الأغلبية فى الانتخابات التشريعية اكتشفوا أنهم اشتروا الوهم.. فلا هم قادرون على تشكيل حكومة منهم.. ولا هم يستطيعون محاسبة حكومة يفرضها غيرهم.. بنفس الاستفتاء الذى وضعوا الجنة أمام أعين الناس ليوافقوا عليه.. متهمين القوى السياسية الأخرى التى طالبت بخطوة الدستور قبل غيرها من الخطوات التى اتخذت بالكفر والضلال وبئس المصير. وبسقوط صلاحية تشكيل لجنة إعداد الدستور من الإخوان حسب حكم المحكمة الإدارية العليا خرج الإخوان من المولد السياسى المنصوب منذ 15 شهرا بلا حبة حمص واحدة . لم يكن أمامهم سوى دخول امتحان الملحق فى الانتخابات الرئاسية.. فيما يمكن وصفه بالفرصة الأخيرة.. لعلها تلحق بقطار السلطة التى تتسرب من بين يديها بعد أن كانت فى قبضتها. عادوا من جديد للميدان بعد أن حاربوه وخانوه وباعوه.. خدعوا من جديد شبابه.. بشعار «لا لحكم العسكر».. وشككوا فى قضاة لجنة الانتخابات الرئاسية.. وعرَّضوهم للإهانة حتى جمدوا عملهم.. وشجعوا على اقتحام وزارة الدفاع.. لينقلوا الحرب الباردة بينهم وبين الجنرالات إلى حرب ساخنة.. سيكون القتال فيها حتى النفس الأخير.. وهو أمر متوقع.. وليس جديدا.. فكل النظم الحاكمة التى بدأت مع الإخوان بشهر عسل انتهت بطلاق بائن معهم. طرح على استحياء فكرة إعادة الحياة لدستور 1971 وتسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب الإخوانى مؤقتا خلال الانتخابات الرئاسية.. فيضمنوا توجيه الانتخابات ناحية مرشحهم.. وكان الهدف الخبيث من وراء هذا الطرح أن يتحول إلى مطلب عاجل تحشد له المليونيات.. لكن.. فاتهم أن دستور 1971 مات ودفن بأيديهم وأرجلهم فى استفتاء مارس 2011. وما خشى منه الإخوان سرعان ما تجسد أمام أعينهم.. فالدستورية أعلنت فى أولى جلسات قضية حل البرلمان أنها سوف تصدر حكمها المبدئى خلال شهر.. ويعرف الإخوان قبل غيرهم أن الحكم لن يكون فى صالحهم.. لذلك فإنهم يشككون فى كل شىء قبل حدوثه.. يشككون فى قضاة الدستورية الذين هم أيضا ضمن قضاة لجنة الانتخابات الرئاسية.. ويشككون فى نية الجنرالات فى تسليم السلطة فى الموعد المتفق عليه.. فور تولى الرئيس المنتخب الحكم. ولم يتوقف الأمر عند التشكيك بل امتد إلى التهديد.. التهديد باستمرار المظاهرات والاضرابات والمليونيات لو لم يكسب مرشحهم.. وكسب من لا يرضون عنه.. فى أغرب معادلة ديكتاتورية من نوعها.. لو فزنا فالانتخابات نزيهة.. ولو فاز غيرنا فالانتخابات مزورة.. لو سقطت الثمرة فى حجرنا فهى حلال.. ولو خرجت عنا فهى حرام. وأسوأ صدمة شعروا بها خروج الجيش سليما فى موقعة العباسية.. بل أكثر من ذلك زيادة المتحمسين له بعد أن كشر عن أنيابه.. ونجاحه فى فرض حظر التجول فى المنطقة المحيطة بقيادته المركزية.. واحترام الناس للحظر.. ربما لأول مرة منذ أن نزل الشارع. إن الناس فى البداية والنهاية فى حاجة للنوم باطمئنان فى مساكنهم.. خاصة فى ظل حالة متصاعدة من الفوضى.. تأخذ أشكالا تثير الريبة بصورة يومية منتظمة.. حرائق.. سرقات.. تهريب مساجين.. تجميع أسلحة ثقيلة بعضها مضاد للطائرات.. وهى فوضى بالتقسيط أو بالتنقيط.. فى انتظار يوم القيامة الرهيب. وسوف يعود الجيش إلى ثكناته بعد أن يقسم الرئيس المنتخب اليمين الدستورية.. تاركا البلاد فى هذه الحالة.. بدعوى الاستجابة لمطالب المليونيات.. وهو يعلم جيدا أن الفراغ الذى سيتركه سيضاعف من حالة عدم الاستقرار.. وسيزيد من حاجة الناس إليه.. فالشرطة وحدها لن تقدر على فرض الهدوء.. وإعادة الأمن.. لتسيير عجلة الحياة الطبيعية مرة أخرى.. وهنا.. لن يترك الجيش ثكناته مرة أخرى إلا بشروط يفرضها على السلطة المدنية.. سيكون على رأسها.. عدم المساس به.. والرجوع إليه قبل اتخاذ القرارات المؤثرة فى الحكم.. وربما شارك فيه بصورة مباشرة.. بعد أن كان طوال الستين سنة الماضية يتحكم ولا يحكم. والمقصود.. أن الشمس لن تسقط الغيوم الكثيفة القائمة فور أن يبدأ الرئيس القادم عمله.. فلو لم يرض عنه الإسلاميون أضربوا.. ولم لو يرض عنه العسكريون تقاعسوا.. وستظل اللعبة الخطرة مستمرة إلى أن تتغلب قوة على أخرى.. وأن تكون إحداهما فى السلطة والأخرى فى الزنزانة . وفى هذا الصراع الشرس الذى كنا أول من توقعناه قد تعيد مصر السنة فى أول أعوامها مع التجربة الديمقراطية.. ربما يحل البرلمان.. ويتشكل مجلس رئاسى لإدارة البلاد.. ونبدأ الخطوة الأولى فى الطريق الصحيح بوضع الدستور.. وساعتها لن نندم كثيرا.. فسنة فى حياة الشعوب لحظة عابرة من زمانها الطويل المديد. والمأساة البشرية التى يعيشها الإخوان وتفرض عليهم دخول المعركة القادمة على طريقة يا قاتل يا مقتول أنهم شعروا لأول مرة بنعيم السلطة ومتعتها ونشوتها.. إن السفارات الأجنبية تعامل المرشد كانه رئيس جمهورية فى الظل..لايأتى مسئول من بلادها إلا وتجرى تستأذن صاحب الفضيلة فى استقباله.. لا يوجد مؤتمر فى الخارج إلا ويطلبون منه المشاركة.. ويستقبل المسئولين الكبار فى أجهزة الأمن نوابه ورجاله ورسله.. يدخلون من البوابة الرئيسية.. على سجادة حمراء.. يشربون القهوة ويأكلون الشيكولاتة ويفتون فى ما لا يخصهم.. دون صفة. ودون صفة استضافت الغرفة الأمريكية خيرت الشاطر.. وراح الرجل المثير للرعب يتكلم عن أحلامه فى بناء مصر بالتوافق والتراضى بنفس لغة الخطاب التى سمعت من أحمد عز أو جمال مبارك من قبل.. لكنه.. لم ينس أن يذكرنا بأن الدنيا كلها فى مصر وخارجها تسعى إليه.. وتتلمس الخبرة والبركة منه.. ليلقى اللوم على سوء الفهم بينهم وبين غيرهم على الإعلام.. ما الذى قاله مسئولو الحزب الوطنى غير ذلك؟ بل إن الجمهور الذى كان يسمعه وينافقه ويصفق له هو نفس الجمهور الذى كان يصاحب جمال مبارك ليل نهار فى كل الاجتماعات واللقاءات ولجنة السياسات.. وقد رصت الشخصيات فى طابور طويل لتصافحه.. وخرجت تتحدث عن عبقريته.. وضرورة أن يصبح على الأقل رئيساً للحكومة. لم يصل إليه سؤال عن ما هى الصفة التى يتحدث بها؟.. ولم يجب عن سؤال واحد مباشرة وبصراحة ودون مناورة.. وتقمص شخصية دكتور جيكل فى انتظار أن تتاح فرصة التعبير عن مستر هايد.. وهى تقية شهيرة تدرب عليها الإخوان فى تنظيماتهم السرية.. أن يقولوا ما لا يفعلون.. أن يبتسموا قبل أن ينتقموا. ما يثير العجب أن الشاطر يتحدث عن النهضة دون أن يعرف أن الكلمة خرجت من بطن العصور الوسطى الظلامية فى أوروبا لمواجهة سيطرة حكم المؤسسات الدينية (الكنيسة فى هذه الحالة) المشابهة لجماعته.. فالنهضة لو كان جادا فيها يكون هدفها الأول القضاء على تعليب السياسة بسيلفوان دينى.. بما يخفض قدسية الدين إلى أطماع الدينا. إن مصر سترى أياما سوداء.. ليس فقط بسبب نموذج مناور مثل خيرت الشاطر وإنما بسبب نماذج منافقة كانت تجلس أمامه.. ملعون أبوالمصالح الشخصية الضيقة التى تجعل أفضل الخبرات المالية والاقتصادية تنحنى بكل هذا الخنوع.