بلا صوت، وبخطوات تدريجية،غير محسوسة تماما، وبين ثنايا الأحداث من بداية الثورة، نجحت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، أن تحجز لها زاوية شديدة الخطورة فى المشهد السياسى، مرفوع عليها يافطة «أهل الحل والعقد». وبأصابع تتحرك فى الخفاء من وراء الزنزانة، ترقب العقل الأخطبوطى الإخوانى المدبر لحظة ميلاد الهيئة باهتمام، منحها الدعم، والضوء الأخضر، وباشر عملية «تسكين» مراكز القوى فيها على عينه. وقبل هذا كله،حجز خيرت الشاطر لنفسه مكانا فيه، ليلحق بعضويتها على الفور ممثلا عن جماعة الإخوان المسلمين، بمجرد الإفراج عنه فى أعقاب ثورة 25يناير. الهيئة التى ترأسها فى البداية المفتى الأسبق نصر فريد واصل، ضمت فى جمعيتها العمومية 100 شخصية، وشكلت مجلساً استشارياً ومجلس شورى ترأسه كل من واصل والقيادى الإخوانى البارز الشيخ عبدالستار فتح الله، قبل أن ينسحب واصل نتيجة الرفض المتصاعد بداخل الهيئة للأزهر وعلمائه. أصبحت الهيئة الشرعية واقعا فعليا خلال الشهور التالية للثورة، فيما أصدرت 80 بيانا، فى أدق المناسبات السياسية أهمية، فى الوقت الذى لم يلتفت فيه الغالبية العظمى، لاهتمام خيرت الشاطر الشديد ومواظبته على حضور الاجتماعات فيها بانتظام، بجوار طارق الزمر وصفوت حجازى ومحمد إسماعيل المقدم وياسر البرهامى،ونشأت أحمد، وأحمد السالوس، ومحمد يسرى وغيرهم من قيادات الهيئة. لم ينتبه الكثيرون إلى المشهد التدريجى الذى بدا فيه خيرت ممسكا بخيوط الهيئة الشرعية فى يده، بفضل الفرسان الثلاثة الأخطر، فى اللعبة الإخوانية للسيطرة على الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، والذين حصل الإخوان بفضلهم على تأييد الهيئة للشاطر ثم لمرشحه الاحتياطى البديل محمد مرسى. أول فرسان الإخوان فى الهيئة هو رئيسها الجديد الشيخ السالوس عضو التنظيم الدولى للجماعة وأحد أعضاء الجماعة بقطر،يعمل أستاذا للفقه والأصول بكلية الشريعة بجامعة قطر،والنائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وعضو مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامى بجدة، وكذلك عضو مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامى بمكة المكرمة، وهو أيضا صاحب المؤلفات المتخصصة فى الشيعة وفرقهم، ومعاملات البنوك والاقتصاد الإسلامى. الإخوانى الثانى فى الهيئة هوعبدالستار فتح الله عضو جبهة علماء الأزهر، وعضو بالمجمع الفقهى بمكة المكرمة والهيئة الإسلامية العالمية...وهو فى الوقت نفسه الأب الروحى لخيرت الشاطر وأستاذه الأول، الخصم القديم لعبدالمنعم أبو الفتوح بنص كلام أبو الفتوح نفسه، حيث كان فتح الله أحد القيادات التاريخية للجماعة، وعضو تنظيم سيد قطب، الذى قضى بسببه عدة سنوات فى سجون عبدالناصر زميلا للمرشد محمد بديع ونائبه محمود عزت وغيرهم من جيل 65 فى الجماعة، قبل أن يصبح عضوا بمكتب الإرشاد بالجماعة إلى أن قدم استقالته عام 1987، اعتراضاً على ترشيح الجماعة لامرأة فى الانتخابات البرلمانية. ظل فتح الله رغم استقالته من مكتب الإرشاد عضوا عاملا فى جماعة الإخوان المسلمين، فيما يقضى فترات كثيرة فى السعودية حيث كان أحد أعضاء التنظيم الدولى هناك بحكم عمله بالمجمع الفقهى بمكة المكرمة والهيئة الإسلامية العالمية هناك. اللاعب الثالث والأكثر نشاطا هو الشيخ محمد يسرى الأمين العام للهيئة، وأحد مشايخ الحركة السلفية، والأهم من ذلك كله إمام مسجد بلال.. أشهر مساجد مدينة نصر والذى يقع فى مواجهة منزل خيرت الشاطر فى مدينة نصر، وتربطه علاقات خاصة وطويلة منذ سنوات بنائب المرشد ورجل الجماعة القوى، حتى قبل سجنه حيث كان الشاطر يواظب على أداء الصلاة فى المسجد، بينما تتناقل الحكايات فى الأوساط الإخوانية عن الاجتماعات الثنائية بينهما باستمرار فى المسجد عقب صلاة الفجر. قدم الشاطر دعمه لمحمد يسرى، وتحالف الإخوان معه فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة ضد النائب مصطفى النجار على مقعد الفئات بمدينة نصر، غير أن النجار نجح فى اقتناص المقعد من يسرى، الهزيمة التى حاول الشاطر بعدها تعويض يسرى بمقعد فى اللجنة التأسيسية للدستور.. خاصة أن خيرت قد أدرك أهمية الرجل الحاصل على ماجستير فى الشريعة، والدكتوراه فى الهندسة، والذى يرتبط أيضا بعلاقات وثيقة، بالمؤسسات والهيئات البحثية والفقهية فى دول الخليج والسعودية، وبالتالى فهو قادر على اسداء الجميل للشاطر داخل اللجنة وخارجها. كان يسرى - وفقا لما تم كشفه بعد ذلك - أول من طرح فكرة ترشيح الشاطر نفسه على مكتب الإرشاد نفسه، ودون أن يظهر خيرت الشاطر فى الصورة على الإطلاق. ليس هذا فقط بل كان صاحب مجهود كبير أيضا فى إقناع العديد من أعضاء الهيئة الشرعية بأن الشاطر يميل إلى الفكر السلفى أكثر منه للأفكار الإخوانية. فى ظل هذا المشهد بدأت الهيئة الشرعية، فى التسويق لخيرت الشاطر قبل أكثر من أربعة أشهر من ترشحه للرئاسة، خاصة بعد أن انضم إليها «أبوه الروحى» الشيخ عبد الستار فتح الله، فيما ظل يدعمه بقوة فى اتجاه الترشح للرئاسة، فى وجه أبو الفتوح. الدعم الذى استمر رجال الشاطر الثلاثة أيضا فى تقديمه فى إصرار، لبديله الاحتياطى محمد مرسى، بعد استبعاده من سباق الرئاسة.. ليس هذا فقط بل ويصل الأمر إلى أن تتم عملية التصويت أيضا على اختيار المرشح الرئاسى الذى ستدعمه الهيئة.. «أسفل بيت خيرت الشاطر» ، فى مسجد بلال، الذى يؤم الدكتور محمد يسرى، حليف الشاطر المخلص، الناس بالصلاة فيه، لتخرج النتيجة بقرار الهيئة الشرعية المضمون بدعم محمد مرسى بعد حصوله على غالبية الثلثين. فى مشهد ألمح إليه ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية بوضوح إلى استغلال أسماء مشايخ السلف للخروج بهذه النتيجة وإثبات توجه سياسى معين، فى تلميح واضح لتضليل الهيئة للرأى العام، مؤكدا أنه والقطب السلفى المعروف إسماعيل المقدم لم يصوتا لصالح مرشح الإخوان.