شاؤول ارون الاسير لدى كتائب عز الدين القسام البالغ من العمر 21 عاماً والذي أعلن قبل دخوله غزة أنه مجرد جندي نال في «عيد استقلال» إسرائيل الأخير شهادة التميز من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على خدمته العسكرية. ولأورون أخ استُدعي إلى الخدمة الاحتياطية في غزة، لكن وقوع أخيه في الأسر وفر عليه هذه المهمة الصعبة. كان أورون قد كتب في السابع من تموز الحالي على صفحته على «فايسبوك» نداء لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يطالبه بالإسراع لتوفير الحل الأمني قائلاً: «ماذا تنتظر؟ لقد انقضت 48 ساعة دعنا ندخل إلى هناك» لكنه وقع في اسر المقاومة فور دخوله غزة . وأورون الذي أسر في الشجاعية عندما هاجمت قوة كبيرة من لواء «جولاني» الحي، ينتمي إلى «الكتيبة 13»، وقع في كمين مخطط احتوى على عبوات ناسفة وصواريخ مضادة للدروع وأيضاً رشاشات ثقيلة. ومن الواضح أن أفراد الكمين كانوا من الجرأة بمكان بحيث إنهم اتجهوا إلى المدرعة التي كانت ضمن رتل وأفلحوا في إخلاء الجندي الأسير من هناك ربما بعدما تأكدوا من مقتل كل الجنود الآخرين. ويمكن الافتراض أنه لو كان المقاومون يريدون جثثاً لحملوا منها، لكنهم على ما يبدو كانوا يركزون على الأحياء. ومعروف أن كل هذه العملية تمت في ظل اشتباك واسع شاركت فيه قوات إسرائيلية كبيرة، فضلاً عن إسناد جوي ومدفعي. وخلافاً للانطباعات التي حاول المتحدث الإسرائيلي الإيحاء بها أن الأسير ميت، فإن المعلومات تفيد أنه لم يُعثر على أثر للجندي في المدرعة ومحيطها. ويعتقد معلقون إسرائيليون أنه من الجائز لسبب ما أن يكون الجندي الأسير خارج المدرعة وقت استهدافها، خصوصاً أن التحقيقات تقول إنها كانت غارزة، أو أن يكون قد سقط من المدرعة خارجها وقت استهدافها. وفي الحالتين، من الواضح أنه أقرب إلى أن يكون معافى أو جريحاً من أن يكون ميتاً، لذلك كان غريباً بعض الشيء مسارعة الجيش لاعتباره ميتاً ربما لاستفزاز حماس لإثبات أنه على قيد الحياة. وقد فهمت حماس اللعبة وأعلنت أنها لن تقبل تقديم إثبات لحياة الجندي إلا بعد أن تنال مقابلاً لذلك. تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي اعتبر الشجاعية «النواة الصلبة» للمقاومة، فبعث لها ب«خيرة» الجنود في لواء «جولاني» الذين أثبتوا في هذه المعركة أنهم، على الأقل، ليسوا أفضل من المقاومين الذين كانوا بانتظارهم. ولا يجد الجيش الإسرائيلي تبريراً للفشل الذي حققه في هذه العملية سوى ادعاء أن الشجاعية خصوصاً ومدينة غزة عموماً غدت مدينة أنفاق. ولكن الحقيقة المرة هي أن الجيش الإسرائيلي ليس فقط أنه وقع في كمين مدبر، بل عجز حتى الآن عن فهم ما جرى. فالتقدم الإسرائيلي والمعركة بأسرها كلها جرت تحت أنظار طائرات المراقبة والتوجيه الإسرائيلية. وهذا يعني أنها كانت مصورة، لكن الصورة لا تقدم تأكيداً لشيء. فالجيش الإسرائيلي لا يعلم من أين أتى وإلى أين ذهب المقاومون. ما يكيد الإسرائيليين أكثر من أي شيء آخر، أن أسر أورون تم برغم الاحتياطات والإنذارات والتحذيرات، وهذا كفيل بإثارة المزيد من المخاوف في صفوف الجنود والمزيد من الارتباك في صفوف القيادتين السياسية والعسكرية. ولا شيء أكثر إثارة للقلق والإزعاج لدى الإسرائيليين من معرفة أن جندياً إسرائيلياً وقع في أسر المقاومة في قطاع غزة أو في أي مكان آخر. في الخلفية هناك العمليات التي نفذها «حزب الله» والتي قادت إلى حروب، وعملية المقاومة في غزة بأسر جلعاد شاليت وما تلاها من معارك. ولكن لا أقل أهمية من ذلك شعور الإسرائيليين بالأسى لاضطرار الدولة العبرية لأن تصغر لمطالب وإملاءات المقاومة ولو بعد حين. ولا يهم في هذا الجانب إن كان الأسير الإسرائيلي لدى المقاومة على قيد الحياة أو كان جثة هامدة. فالمسألة تتعلق بصورة الجيش الإسرائيلي ليس فقط أمام الآخرين، بل في الأساس أمام نفسه.