من السهل أن نتصور سقوط اللصوص والخونة والفاجرين فى قبضة الشيطان.. من اليسير أن يتحول المُرتزقة والطامعون إلى عبيد فى بلاط المال..
من البديهى أن ينزلق المتأرجحون وأنصاف المتعلمين والفاسدون فى هوة الرشوة وأحضان الفساد ودوامة التنازلات..
فأنت إذا أكرمت الكريم ملكته، ولكن ماذا لو أكرمت اللئيم؟.. .قديما قالوا: تمرد!..
وأنا أقول: ينقلب ضدك ويعض يدك وينهش لحمك ويساوم عليك ويصفعك مرارا ويخدعك دوما.. .هذا هو الحال مع اللئيم اليوم!..
وإذا كان من اليسير أن نتصور ونتخيل كل هؤلاء.. يبقى من الصعب جدا أن نتصور خيانة المحترمين.. ويظل المُستحيل هو أن نتوقع سقوط أصحاب المبادئ وذوى العقول وميسورى الحال فى قبضة الشيطان؟..
إنها ليست مُقدمة لمقال أرغب كتابته ولكنها تساؤلات من مواطن مصرى لم ولن يتصور أن مصر من المُمكن أن تُهان أو تُخدع أو يتم المساومة على ترابها هكذا بأبخس الأثمان..
لم أعتقد يوما أن فكرة التسجيلات المُسربة (التى نعلم جميعا أنها لم تكن فى صندوق وجده الصحفى عبدالرحيم على على باب منزله)! فكرة تندرج تحت بند أخلاقيات المهنة.. وكنت أعتقد أن لمحاسبة أى خائن ألف طريقة وطريقة، طُرق أكثر حزما وقوة وأكثر احتراما وإقناعا للمصريين..
لم يستوقفنى مثل الكثيرين كيف وصلت التسريبات إلى تلك القناة؟ ولا من هى الجهات المُمولة لهؤلاء؟ ولا كيف وصلتهم الأموال؟.. لكن بقيت بعض الأسئلة حائرة فى خيالى:
هل تُدين تلك التسريبات حقا هؤلاء المُرتزقة بشكل قد يدفع بهم إلى قاعة المحكمة؟ أم أن تلك التسريبات لم يكن المقصود بها سوى أن يتم حرق هذه الشخصيات على مستوى الشارع المصرى؟ هل فكرة تسجيل المكالمات وتتبع الحياة الخاصة فكرة مسموح بها أم أنها فكرة تندرج تحت بند التعدى على الحريات؟.
ولكن....
استوقفتنى.. فكرة واحدة ظلت تُطن فى رأسى كلما صادفنى تسريب على الإنترنت.. وهى فكرة.. الابتذال الفكرى والتردى الأخلاقى..
قد لا تُدين تلك التسريبات بشكل قاطع أحدا ممن طُرحت أسماؤهم فى المحادثات.. لأن فى الحقيقة خيانة الوطن المادية يجب أن يكون عليها دلائل وقرائن ومستندات بالمعنى الدقيق للكلمة.. ولكن ماذا عن الخيانة المعنوية؟.. ماذا عن الأقنعة التى سقطت من فوق وجوه الجميع؟..
ماذا عن جُثة الوطن التى مثلَ بها الناشطون وطارحوها الغرام فى حفلة اغتصاب جماعى؟ ماذا عن قيمة العرض والأرض؟ وتُرى كم تساوى مصر فى نظر كل هؤلاء؟
منذ فترة طويلة وقبل قيام الثورة كان هناك أشخاص تابعون لجهات أمريكية استخباراتية يزورون معرض الكتاب سنويا وينغمسون وسط الكتاب والصحفيين.. ليلتقطوا عناوين الكُتب التى تتعرض بفجاجة لتابو الجنس والسياسة والدين.. وكانوا يعرضون على هؤلاء الكُتاب شيكات بمبالغ لا تُقاوم لترجمة أعمالهم، ويكون هذا هو الزبون الأول فى سلسلة استدراج باقى الزملاء.. الآن فقط عرفنا لماذا!..
كما كان يتم أيضا عرض مبالغ ثمينة على بعض الصحفيين الشبان المُعارضين ليسقطوهم فى شباك ماما أمريكا.. وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء الصحفيين إلى أن أصبحوا اليوم من الأقلام المفضلة لدى الصُحف العالمية بمقالات يبدو من لغتها وصياغتها لأى أعمى أنها كلمات أُمليت عليهم أو كتبوها بعد أن دفئت جيوبهم!..
فالمال يا سادة.. هو اللغة الوحيدة التى تُجيدها كل الشعوب دون حاجة إلى مترجم للتواصل.. وهو الإغراء الوحيد الذى تسقط تحت أقدامه كل القيم.. والحرب الوحيدة التى يخرج منها ضعاف الضمائر مُنكسى الرؤوس!..
وظهرت بعد الثورة قنوات فضائية مُمولة ربما نعرف بعضها لكن الأكيد أننا لم نكن نعرف أكثرها، لتقتنص ضيوفها مثل الصياد الماهر، بناء على توجيهات من الكونجرس الأمريكى أو حكومات لدول مُغرضة تتسابق لوضع يدها على مصر.. والضيف إذا استطاع أن يُهاجم ويعترض ويمزق ملابس وطنه على تلك الشاشات يُصبح الضيف الأكثر ترددا عليها وانتفاعا منها.. إنها قنوات تبحث فى قمامات الشعوب العربية عن الفضائح ونقاط الضعف لتضع تحتها خطوطا ولكى تُبقيها دائما وأبدا فى صفوف الدول النامية، فى حين يبقى الوحش الأمريكى فى مرتبة (الدول العظمى)..
ومن ثم تم استدراج أو إنشاء شبكة قوية اعتنقت المعارضة لمجرد الظهور.. وهذه هى الفئة التى تم الدفع بها وقت الثورة لتعتلى شاشات الفضائيات، وتصورَ الشعب وقتها أن هؤلاء هم (صفوة المجتمع)! فالثورات لا تنجح إلا بالنُخب المُحترمة.. إلا الثورة المصرية فقد فشلت لصراع نُخبها وتكالبهم على الظهور ولهثهم وراء المال..
لقد نزل أهل مدينة نصر يوما ووقفوا أمام صناديق الانتخابات ساعات طويلة لينتخبوا مصطفى النجار نائبا عن دائرة مدينة نصر حتى لا تقع المنطقة فى يد المرشح السلفى، مؤمنين بوعود هذا الطبيب الشاب السياسى الواعد لتطوير الحى المنكوب.. فإذا بهم يكتشفون فى صندوق عبد الرحيم الأسود مدى سطحية وتفاهة هذا الشاب الذى أخذ يُلقب ابن الشيخ القرضاوى بلقب (يا كبييييير.. يا كبيييير) فرحا مغتبطا مُهللا! مثل الطفل يوم عيد الفطر.. بل وأخذ يصول ويجول بعلاقات صديقه النسائية الفذة بوصلة غزل مبتذلة!..
كيف أيضا ينسى مؤيدو هذا الشاب الطريقة التى تحدث بها عن الثورة كسبوبة! مقالات يكتبونها ومؤتمرات يُدعون إليها وفضائيات تدفع وتشحن! وكيف ينسون الجملة المُعبرة التى استخدمها هو وعبدالرحمن يوسف وهى (بنقلب عيشنا وبنلقط رزقنا)!..
إذن فالثورة التى تصور البسطاء أنكم كنتم ركيزتها ورعاياها.. بل وحملتوها على أعناقكم.. لم تكن فى الحقيقة لكم سوى.. سبوبة!!
قد لا تمتلك الدولة ما يجعلها تحاسبكم تحت طائلة القانون، ولكن ازدراء الشعب لكم سيبقى دوما وصمة عار تلاحقكم طالما حييتم.. وأتحدى أن يستطيع أحد منكم السير فى الشارع مرفوع الرأس وسط شعب آمن بكم واحترمكم بقدر ما كان يعتقد أنكم تُناصرون ثورته.. وتذكروا.. أن الشعب المصرى الطيب إذا أحبكم حملكم على رأسه.. وإذا كرهكم داس عليكم بأقدام غضبه وصب عليكم جام لعناته..
فى الحقيقة لم ينتظر الشعب الكثير من نجل القرضاوى.. لأنه شبل من ذاك الأسد!..
لكن ودون شك انتظر الكثير من أيقونة الثورة ومثل الشباب الأعلى الدكتور البرادعى.. فالبرادعى فى معركة السياسة مُحاربا وفى ثورة يناير مُقاتلا.. أو هكذا رآه الشباب الذين حملوه على الأعناق فى ميدان التحرير.. وأطلقوا عليه لقب «البوب» من مُنطلق الحب الشديد.. فكان الرجل الذى جاء من الخارج بعلم غزير ورؤية مختلفة وخطة لإنقاذ مصر، رجل يستحق أن يألهونه ويعتقدون فيه ويسيرون وراءه..
ثم تأتى مُكالماته التى وإن كانت لا تُدينه بشكل قاطع لكنها تُفصح عن شخصية تحتقر المصريين وتصف كل من على الساحة بالغباء والتردى!.. إذن فهو الأوحد أو هكذا يرى نفسه.. هل كان حواره مع عميل المخابرات الأمريكية محاولة لإنقاذ مصر؟ أم كانت خطة مُسبقة لثورة ربيع عربى جديدة تطيح بآخر دولة متماسكة فى الشرق الأوسط؟ هل كان البرادعى حقا رجل الأزمات الصعبة؟ أم هو فى الحقيقة رجل أمريكا؟.. الرجل الذى لمعته وهيأته وأظهرته وقدمته للمجتمع المصرى فى ثوب سوبرمان الثورة المصرية!..
يعنى بالبلدى ومن غير فُصحى ولا تزويق.. وعلى رأى فؤاد المهندس الله يرحمه.. فى النهاية.. هما كلمتين وبس:
«يعنى واحد كنا فاكرينه كبير ومطلعش كبير.. وواحد كنا بنقوله يا كبييييير وطلع فشنك.. وواحد نُص نُص طلع كمان نُص كُم»!..
يا عينى عليكى يا مصر.. هى دى نُخبتك ورجالتك وفرسانك.. يا عينى عليكى يا مصر..