فرضت الأزمة الأوكرانية نفسها علي الساحة المصرية، في الفترة الأخيرة، مع تصاعد الأحداث بداية من نشوب الثورة الأوكرانية التي أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، مرورًا بالتدخل الروسي في القرم، أحد المناطق التي شهدت مواجهة مصرية روسية عنيفة أيام الخلافة العثمانية. فدائمًا ما تتغير الموازين الدولية وفقًا للمصالح العليا التي تقتضيها الظروف والأيام، فمنذ 160 سنة مضت روي المصريون بدمائهم "أرض القرم" دفاعًا عنها ضد الروس، بداية من مياه البحر الأسود المحيطة غربا وجنوبا بشبه الجزيرة الأوكرانية. حيث شهدت منطقة القرم موطن الأحداث الآن، أكبر كارثة حلت بالبحرية المصرية في تاريخها، حيث قضى غرقا 1920 مصرياً شاركوا في هزيمة الروس لحرب شبه عالمية مصغرة اندلعت في 1853 ولم تضع أوزارها إلا بعشرات آلاف القتلى بعد 3 أعوام.
بينما قال الأمير المصري عمر طوسون في كتابه "الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم 1853-1855" نقلا عن العربية نت أن القرم كانت تابعة بدءاً من 1475 للإمبراطورية العثمانية التي حل فيها الضعف مع الزمن، فاستغل الروس أمراضها وانقضوا محتلين شبه الجزيرة في 1771 بالكامل، وضموها إلى الإمبراطورية الروسية التي شمرت عن ساعديها أكثر بعد 80 عاما، فزحف جيشها زمن القيصر نقولا الأول في 1853 على ما هو مولدوفيا ورومانيا الآن، مشعلا أخطر فتيل، وهو "حرب القرم" زمن السلطان عبد المجيد الأول.
وأسرع السلطان إلى تشكيل تحالف دولي من أصدقاء الإمبراطورية العثمانية وولاتها، وأشهرهم كان عباس باشا الأول، والي مصر، فأسعفه بأسطول من 12 سفينة حربية، فيها 642 مدفعا و6850 جنديا بقيادة الأدميرال (أمير البحر) حسن باشا الإسكندراني، ومده أيضا بقوات برية من 20 ألف جندي و72 مدفعا بقيادة الفريق سليم فتحي باشا.
وشاركت القوات البرية المصرية بأواخر 1853 في معارك من الأشرس عند نهر الدانوب، فيما مضى الأسطول المصري ليناور عند سواحل القرم، وعلى سارياته أعلام الإمبراطورية العثمانية، بانتظار بدء القتال، وبعدها بأقل من 6 أشهر انضمت فرنسا وبريطانيا إلى تركيا ضد الروس، وبدأت "حرب القرم" بشكل خاص على احتلال مدينة "سباتسبول" التي حاصرها التحالف بدءا من سبتمبر 1854 طوال عام كامل حتى استولى عليها واستعادها من احتلال روسي دام 80 سنة. وذكر الأمير طوسون أن قوات التحالف العثماني، من أتراك ومصريين وبريطانيين وفرنسيين بشكل خاص، ألحقوا الهزيمة في 1854 بالجيش الروسي، وكان بقيادة الجنرال منتشيكوف، في إحدى أشهر ساحات القتال، وهي "معركة ألما" وبعدها عاد الأسطول المصري في أكتوبر ذلك العام إلى الاستانة "وأثناء عودته غرقت بارجتان مصريتان في البحر الأسود، وفقدت البحرية المصرية 1920 بحارا، ونجا 130 فقط" بحسب ما كتب. خبر الفاجعة التي لحقت بالبحرية المصرية تم نشره في عدد صدر يوم 2 ديسمبر ذلك العام من مجلة "اللستريتد لندن نيوز" وهي أول إخبارية أسبوعية مصورة في العالم، وبقيت محافظة على صدورها منذ تأسيسها في 1842 إلى أن توقفت قبل 11 سنة فقط، وقد راجعت "العربية.نت" بعض أرشيفها القديم، لكنها لم تستطع الوصول إلى أرشيفها في 1854 لترى إذا ما نشرت صورة ما عن أسوأ كارثة حلت بالبحرية المصرية.
فيما قال كريس فلاهارتي، مختص كما يبدو بالزي العسكري، وله أبحاث مهمة، منها واحدة بعنوانEgypt WW1 Turkish Flaherty نقلا عن العربية نت أن العثمانيين طلبوا 10 آلاف جندي من مصر كنجدة، إلا أن الوالي المصري عباس باشا الأول أرسل 15 ألفا، وأضاف إليهم قوة بحرية قام بإعدادها والي الإسكندرية إبراهيم باشا الألفي، مكونة من 3 سفن حربية و3 فرقاطات و4 زوارق.
وقال فلاهارتي إن الأسطول الروسي بآخر نوفمبر 1855 تمكن من تدمير الأسطول العثماني عند سواحل مدينة "سينوب" عاصمة محافظة بالاسم نفسه في الشمال التركي، وبين السفن التي تم تدميرها كانت الفرقاطة المصرية "دمياط" التي تزن 1400 طن، وكان فيها 56 مدفعا وبين 400 إلى 500 جندي ابتلعتهم مياه البحر الأسود في ثاني فاجعة بحرية مصرية بعد السفينتين اللتين كتب عنهما الأمير طوسون.
وألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها مجددًا علي الساحة المصرية، علي خلفية كون كيف أحد أكبر موردي القمح لمصر، حيث سبق وأن استوردت القاهرة 110 آلف طن قمح علي مرحلتين، مما يثير القلق لدي السوق المصري الذي يعتمد بشكل كبير علي القمح الأوكراني والروسي قطبي الصراع الدائر ب"القرم".
من جانبه أكد اللواء طلعت مسلم الخبير الإستراتيجي ردًا علي مدي تأثر مصر بالصراع الدائر هناك، كونها تعتمد بشكل أساسي علي "القمح الروسي والأوكراني" علي أن مصر تحافظ علي علاقتها بالدول الموردة بحيث لا تؤثر سياستها الخارجية علي المخزون الاستراتيجي، مشيرًا إلي أنه حتي لو حدث وتوترت العلاقات مع كيف علي خلفية التقارب الروسي، فإن روسيا كفيلة بتوفير المخزون اللازم، مشيرًا إلي أن تدخل مصر في الأزمة الأوكرانية لن يكون مطروحًا في ظل تواجد أطراف دولية أكثر فاعلية، وحافظًا علي العلاقات المصرية الروسية.