كان مصطلح الليبرالية هو المصطلح الأكثر جدلاً فى الآونة الأخيرة، ومن ثم أيضاً كان الهجوم العنيف على أنصاره والذين أطلق عليهم الليبراليين، وأصحاب الفكر المستورد ، وربما وصل الحد أيضاً الى اتهامهم بأنهم أعداء الدين، وكارهى تطبيق الشريعة، ربما لانلوم على البعض الذين أخطأوا فى توضيح حقيقة هذا المصطلح وإلى ما يشير، وخاصة أن المجتمع المصرى لازال يحبو نحو الديمقراطية والتحول الديمقراطى، لاسيما فى الفترة الأخيرة والتى امتازت بالزخم السياسى، والذى لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع مقدار الوعى الثقافى والسياسى فى الشارع المصرى، حيث وجد المواطن المصرى الذى ظل بعيدا عن المشاركة السياسية ولايبالى لها بأى حال من الاحوال لعقود طويله، أن على عاتقه الآن ان يشارك فى العملية السياسية، وعليه مسؤلية تحديد مصير وطنه، وعليه ان يختار من يمثله بآلية ديمقراطية سليمة، وعليه ايضا ان يفسر ويحلل الكثير من المفاهيم والمصطلحات السياسية والتى وجدها تطرق بابه لأول مرة دون سابق معرفة . وكما أشرنا فى البداية ان الليبرالية وجدها المجتمع المصرى بمثابة الضيف الثقيل، والوافد الأكثر شغباً؛ حيث حاول البعض تعريفها دون دراية كافية، وحاول البعض الآخر توصيفها بما ليس فيها، وأخطأ آخرون فى التعامل معها ربما لأنه غابت عنا لفترة طويلة ثقافة مجتمعية تتسم بسلامة لغة الحوار، وقبول الآخر؛ ففى حقيقة الأمر أن الليبرالية ليست وافداً جديدا علينا، او زائراً ثقيلاً ؛ فكانت لمصر تجربة تعد من الصفحات المضيئة فى تاريخ الوطن وهى الفترة التى أعقبت ثورة الشعب المصرى فى 1919 ، تلك الفترة اصطلح على تسميتها "الحقبة الليبرالية " –(1923-1952) ، والتى اجمع المؤرخون للتاريخ المصرى الحديث انها مثلت نهضة تاريخية حقيقية لمصر فى كافة المجالات والاصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية ، وبلاشك ان هذا العصر سمى بالعصر الذهبى للوحدة الوطنية والذى توارى فيه الحديث تماماً عن الشأن الطائفى، فأيضاً شهدت تلك الحقبة اول دستور بالمعنى الحقيقى للبلاد ، والذى نظم العلاقة بين السلطات، وتداول السلطة، وحرية الرأى والاعتقاد، وتكوين الاحزاب، والديمقراطية الحقيقة – شكلاً وموضوعاً-، ومسؤلية السلطة التنفيذية امام برلمان قوى، والنهضة الاقتصادية الزراعية والصناعية وتطور التجربة الاقتصادية لطلعت حرب . فالليبرالية اذاً كمصطلح فهو معبرعن مذهب سياسى ورؤية اقتصادية، وحركة مجتمعية ، ترجمتها الحرفية بمعنى التحرر أو الحرية، فهى تهدف الى تحرر الفرد من كافة القيود السلطوية السياسية والاقتصادية والثقافية، تعمل على استقلال الفرد وضمانة حقوقه المدنية والسياسية واحترام الحريات العامة، والجدير بالذكر هنا ان الليبرالية تختلف من مجتمع الى آخر فهى تتكيف مع عادات وقيم وظروف المجتمع الذى تنشأ فيه . فقد جاءت الليبرالية بمعانى وقيم أصيلة اقرتها كافة الاديان السماوية وبالأخص الدين الاسلامى، مثل احترام حقوق الانسان، والمساواه، والعدالة، واحترام الآخرين، والحرية فى الاعتقاد والرأى دون المساس به، فهى لاتنادى بأية انحرافات اخلاقية أو حرية غير مسؤلة – كما فسرها البعض-، وهى ليست ضد الدين بأى شكل من الأشكال ، أو بديلاً عنه، فهى فكرة لاتقبل تشويه الأديان، او التعدى على المؤمنين من أدى دين، او التعرض لدور عبادتهم، فالليبرالية تعد مذهباً سياسياً مما يعنى انها مجرد رأى وتسليم بالاختلاف، نختلف او نتفق معها، على عكس الدين تماماً فهو تسليم بالايمان، لا يجوز ان نختلف معه ، وبالتالى لايصح أن نجعل من الرأى ديناً أو من الدين رأياً ، فلا تختلط أمور غير متوافقة. فهى اذاً ليست فكراً مستورداً كما اشار البعض، فنجد ان اغلب المصريين ليبراليين بطبيعتهم بايمانهم بالله ، واعتدالهم فى حياتهم ، والحفاظ على حرية بعضهم البعض ، واحترامهم للقانون، والتمسك بعادات وتقاليد المجتمع المصرى الأصيل . فأعتقد أننا الآن اصبحنا فى أمس الحاجة الى حركة وعى اجتماعى شاملة ، وان نحسن الاستماع الى الآخر ، وقبول رأيه ، بصدر رحب ، وأن نجد لغة مشتركة للحوار الجاد نتفق عليها جميعاً ، وأن ننظم العلاقة مابين السياسة والدين وليس الاستبعاد بشكل كامل، فقد تواكب الاسلام مع فترة الازدهار والتقدم للعالم الاسلامى، الا عندما مال العالم الاسلامى الى الأقوال وغربت شمسه عندما تم إفراغ الإسلام عن مضمونه واعطاء تفسيرات شكلية لاتنسجم مع أسباب نزوله ولامع روح الاسلام وجوهره .