عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة في مصر في حال «صعود صاروخي»، هو الآن رجل مصر القوي وسيكون رئيس مصر الجديد في وقت ليس ببعيد، في بدايات العام المقبل. السيسي يتمتع بشعبية جارفة هي الثانية من حيث حجمها وزخمها بعد شعبية الرئيس السابق جمال عبدالناصر. والمفارقة أن الرجلين بدآ مسيرتهما ولمع نجمهما بمواجهة مفتوحة مع الإخوان المسلمين، ويتردد في مصر على نطاق واسع أن السيسي يتمتع ب «كاريزما عبدالناصر» وذكاء «السادات» و«رصانة مبارك»، إضافة الى تمتعه بمزايا خاصة أهمها أنه متدين (حافظ للقرآن) ومتواضع وغير محب للظهور.
وفي ظل مرحلة دقيقة وعصيبة تمر بها مصر مع وصول الإرهاب والتطرف الى أرضها، وفي ظل «خواء سياسي» نتيجة عدم وجود أحزاب سياسية منظمة وعدم وجود قيادات ورجالات سياسية في مستوى المرحلة، وفي ظل تجربة ناجحة خاضها السيسي في نقل مصر الى مرحلة انتقالية جديدة وحماية الثورة وإرادة الشعب مظهرا «جرأة» وحزما وتحررا من الضغوط الدولية لاسيما الأميركية، فإن شعبيته وأسهمه الرئاسية صعدت بشكل كبير. وإذا كان ثمة من تظاهرات في الشارع المصري بعد اليوم فإنها ستكون تظاهرات للمطالبة ب «السيسي رئيسا».
نال السيسي شعبية جارفة بعدما تدخل بحسم لتنفيذ مطالب المتظاهرين في 30 يونيو وأعلن بعد اتفاق مع قوى سياسية ودينية وشبابية خريطة طريق عزل مرسي بمقتضاها عن الحكم. وحين زادت الضغوط على الجيش بعد عزل مرسي طلب السيسي من المصريين التظاهر يوم 26 يوليو الماضي لتفويضه «مواجهة العنف والإرهاب المحتمل»، فلبى الملايين الدعوة.
وتدور التكهنات في الوقت الحالي حول فرص ترشح السيسي لموقع رئيس الدولة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى مطلع العام المقبل، رغم أن السيسي نفسه نفى أكثر من مرة رغبته في الحكم، مكتفيا بدوره قائدا للجيش في حفظ الأمن القومي للبلاد. ويربط ملايين المصريين بين المرحلة الجديدة التي تمر بها مصر والتي تتسم بقدر كبير من الحزم، ومرحلة حكم الرئيس السابق محمد مرسي التي استمرت سنة، وينظر إليها كثير من المواطنين باعتبارها «مرحلة هشة» غلبت فيها مصالح جماعة «الإخوان» التي ينتمي إليها مرسي على مصالح غالبية الشعب.
ويضع كثير من أصحاب المحال التجارية والمقاهي والحافلات صور السيسي باعتباره القائد الأول في مصر.
وما زالت المناقشات السياسية الصاخبة التي فجرتها ثورات الربيع العربي تدور في شوارع القاهرة وفي المقاهي والمنتديات. ومن أبرز الأسئلة الموجودة الآن: هل سيترشح السيسي للرئاسة؟ وتنتشر صور السيسي في شوارع مصر، وتتصدر واجهات متاجر عدة، ووصل الأمر إلى حد وضع صورته على بعض المنتجات مثل الشوكولاته أو الميداليات.
بينما تعرض معظم قنوات التلفزيون الحكومية والخاصة لقطات تحتفي فيها بالجيش والسيسي، الذي يتميز بالحسم وقلة الكلام وقلة الظهور منذ كان قائدا للمخابرات الحربية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، القادم من الجيش.
ومنذ الإطاحة بمرسي بدأ السيسي بخطاباته الهادئة والحازمة في الوقت نفسه، كشخصية قيادية ملهمة، مما دفع جماعة الإخوان لاتهامه بالسعي لإعادة الجيش للسلطة بعد عزله «أول رئيس مدني منتخب» قبل شهرين. لكن السيسي نأى بنفسه عن الظهور في فترة المرحلة الانتقالية التي تقودها حكومة مدنية ورئيس مدني مؤقت. وتقود الحكومة حملة ضد القيادات العليا والوسطى في جماعة «الإخوان» بتهم من بينها التحريض على العنف و«الإرهاب» أو المشاركة فيه، بالتزامن مع حملة يقودها الجيش والشرطة ضد معاقل لمتشددين في سيناء. المرشحون المفترضون للرئاسة «تنازلوا أو انسحبوا» لمصلحة السيسي: المنافس السابق لمرسي في الانتخابات الرئاسية الماضية، الفريق أحمد شفيق، قال إنه لن يخوض الانتخابات مجددا إذا ترشح فيها السيسي.
وقال المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، وهو سياسي ناصري قومي، ان السيسي إذا ترشح للرئاسة «فسيفوز».
كما قال المرشح السابق للرئاسة عمرو موسى: «الفريق السيسي في لحظتنا الراهنة هو أكثر الناس شعبية في مصر، وإذا ترشح فسيفوز باكتساح. وذلك طبقا للوضع الحالي واللحظة الراهنة».
وقال الخبير في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية د.نبيل عبدالفتاح ان «الضعف الشديد لقوى المعارضة السياسية وفقدانها أواصر العلاقة العضوية مع الشعب هو ما يدفعهم لترشيح السيسي نظرا إلى طبيعة اللحظة الراهنة التي استطاع فيها أن يحقق بعضا من الشعبية، بعدما رأت قطاعات واسعة من الشعب أن تجربة الإخوان فشلت في الحكم». وأوضح عبدالفتاح أن «الجيش وقادته اكتسبوا بعضا من الشعبية نتاج حالة الفراغ السياسي. قوى في المعارضة تشكل ظهيرا سياسيا للجيش في مواجهته مع الإخوان والحركات الجهادية، ويبدو أن عقدا سياسيا ضمنيا مؤقتا مفاده أن الجيش يدير شؤون البلاد بتفويض من بعض القطاعات لتحقيق الاستقرار الأمني ومواجهة أخطار الأمن القومي ومحاولة تخصيب قوة الإخوان، وفي مقابل ذلك يمكن السماح بترشيح السيسي.
لكن هذا العقد استثنائي ومرهون بما سيحدث في الاشهر المقبلة».