لطالما وقف الكاردينال البريطاني كيث أوبراين ضد المثلية والاجهاض، لكن اتهامه بالضلوع في أفعال حميمة ومشينة مع قساوسة آخرين دفعه إلى التنحي، وأثار المزيد من التساؤلات حول التهتك الأخلاقي الذي تعانيه الكنيسة الكاثوليكية.
حين كشف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون العام الماضي عن خطته لشرعنة زواج المثليين، اعتلى الكاردينال كيث اوبراين، رئيس الكنيسة الكاثوليكية في اسكتلندا، المنبر ليشجب ما سمّاه طغيان التسامح، واصفًا زواج المثليين بأنه ممارسة بشعة. وقال أكبر كاردينال كاثوليكي في بريطانيا إن ليس للحكومة العلمانية سلطة أخلاقية تبيح إجازة مثل هذه الزيجات. وفي يوم الاثنين الماضي، فاجأ الكاردينال اوبراين الجميع بتنحيه وسط اتهامات بضلوعه في أفعال حميمة مع قساوسة. ورأى مراقبون في سقوطه أكبر تحدٍ يواجه الكنيسة الكاثوليكية، في وقت تستعد لانتخاب بابا جديد، يتمثل في استعادة هيبتها الأخلاقية بعد كل ما لحقها من ضرر. اتهامات مشينة
كانت متاعب الكنيسة الكاثوليكية بدأت في اوروبا قبل الولاياتالمتحدة، بموجة من الفضائح عن وقوع اعتداءات جنسية ارتكبها رهبان وموظفون كنسيون، كُشف عنها في العام 2010. ومنذ ذلك الحين، تشير الدلائل إلى تسارع انفضاض المؤمنين عن الكنيسة الكاثوليكية، وإعلان عشرات آلاف الاوروبيين نبذ الكاثوليكية. ونفى الكاردينال اوبراين، من خلال متحدث باسمه، الاتهامات بممارسته تصرفات غير لائقة. لكن رحيله المبكر ينبئ بمرحلة جديدة من عدم التسامح مع أي تصرفات تسيء إلى سمعة الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان. وفي أعقاب سلسلة من الحوادث، وافق البابا بنديكتوس السادس عشر على استقالة اوبراين الاثنين، بعد يوم على الاتهامات التي وجهها ثلاثة قساوسة ورابع سابق بأن الكاردينال تصرف معهم تصرفات لا اخلاقية. لكن طبيعة الاتهامات ضد اوبراين قادت آخرين إلى القول إنها مثال على النفاق الذي يقوّض هيبة الكنيسة وسلطتها، خصوصًا في القارة الاوروبية الأكثر تحررًا في علاقاتها الاجتماعية. وقال مراقبون إن الفضيحة الجديدة يمكن أن تضعف معركة الكنيسة لاستعادة صوتها في المنطقة، التي بدأتها بالتحشيد ضد قضايا ليبرالية مثل شرعنة الاجهاض في ايرلندا وزواج المثليين في فرنسا. ابتعاد عن الكاثوليكية نقلت صحيفة واشنطن بوست عن تينا بيتي، استاذة الدراسات الكاثوليكية في جامعة روهامبتون في لندن، قولها: "لم يعد من الممكن تخفيف الضرر، وعليهم أن يتوبوا، وأن يفتحوا الباب لكل الأصوات التي حاولوا إسكاتها واستبعادها". وكان الكاردينال اوبراين (74 عاما) امتنع الاثنين عن الاشارة بصورة مباشرة إلى الاتهامات الموجهة ضده، قائلًا إنه قرر التنحي وعدم المشاركة في انتخاب بابا جديد ليتفادى إلقاء ظل سلبي على العملية. وتأتي استقالة الكاردينال البريطاني مع تزايد أتباع الكنيسة في كل مكان من العالم، إلا في اوروبا حيث تبين احصاءات الكنيسة نفسها أن عدد الكاثوليك كان يتناقص حتى قبل انفجار فضائح الاعتداءات الجنسية في العام 2010. ويتبدى انحسار نفوذ الكنيسة الكاثوليكية بشكل ساطع في ايرلندا، التي كانت لفترة طويلة من اشد الدول التزامًا بالديانة الكاثوليكية في اوروبا. فبعد موجة من الفضائح، تعكف الحكومة الايرلندية الآن على إعداد خطة تنهي تدريجًا سلطة الكنيسة على المدارس الرسمية في البلاد، وبالتالي الحدّ من تدريس تعاليم الديانة الكاثوليكية وشعائرها في المدارس. وأعلن وزير التربية والتعليم الايرلندي رويري كوين أن البلد الذي انتعش فيه الدين بكل قوة هو البلد الذي اعتمد الفصل بين الدين والدولة، في اشارة إلى الولاياتالمتحدة، لتفسير ابتعاد اوروبا عن الكنيسة. أضاف: "ان البلدان التي يعاني فيها الدين، إما بسبب الاهمال أو اللامبالاة، هي الدول الاوروبية التي كانت الكنيسة الكاثوليكية تهيمن عليها في السابق، مثل البرتغال وايطاليا واسبانيا ناهيكم عن ايرلندا". رفعت صوتها بعد فترة من الصمت النسبي بسبب فضيحة الاعتداءات الجنسية، سعت الكنيسة إلى رفع صوتها في بلدان اوروبية للتصدي لانتشار الإلحاد العدواني ومذاهب بروتستانتية أكثر ليبرالية، تدخلت بنشاط في السجال حول الاجهاض، بعد وفاة امرأة في ايرلندا تردد أن الأطباء رفضوا إسقاط طفلها من أجل إنقاذ حياتها لأنهم في بلد كاثوليكي. واستنكر اسقف ايرلندي ما سمّاه صعود ثقافة الموت، في اشارة إلى اتساع المطالبة بحق الاجهاض. وهدد مسؤول في الفاتيكان بحرمان السياسيين والمواطنين الذين يؤيدون الاجهاض من شمولهم بمراسيم المناولة. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن القس براين ماكفيت، رئيس تحرير صحيفة الايف الكاثوليكية الايرلندية أن الكنيسة كانت خارج النقاش الاجتماعي تقريبًا حتى الآونة الأخيرة، بسبب فضائح الاعتداءات الجنسية، "لكن إذا لم تقف الكنيسة ضد الاجهاض فلن تجد وظيفة تؤديها بعد ذلك". وفي بريطانيا، التي تعود قطيعتها الرسمية مع الفاتيكان إلى القرن السادس عشر، كانت ردود الافعال على استقالة الكاردينال اوبراين اقرب إلى الصدمة، ولا سيما انه ارتقى إلى منصب رئيس اساقفة اسكتلندا، وبذلك اصبح من أكبر قادة الكنيسة الكاثوليكية التي ما زال لها اتباع كثيرون في بريطانيا، ويعتبره المحافظون دينيًا رمز الكاثوليك التقليديين. ينتظرون ردّه كان اوبراين وصف عمليات الاجهاض ذات مرة بالمجازر، وقال إن السماح بأبحاث الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة سيتيح اجراء تجارب على طريقة النازيين. كما وقف ضد حقوق المثليين، لكن مواقفه لم تكن دائمًا واضحة. واشار في الاسبوع الماضي خلال مقابلة صحافية إلى انه قد يتعين على الكنيسة أن تراجع مسألة تبتل رهبانها وقساوستها وكهنتها. وكان اوبراين يعتزم التقاعد في آذار (مارس)، وبقبول البابا استقالته رسميا يوم الاثنين عجل برحيله. لكن كثيرين في بريطانيا ما زالوا ينتظرون منه ردًا مستفيضًا على الاتهامات التي نشرتها صحيفة الاوبزرفر الاسبوعية يوم الأحد. ونشرت الصحيفة في تقريرها اتهامات اربعة قساوسة للكاردينال اوبراين بممارسته تصرفات غير لائقة معهم. ونقلت الصحيفة عن أحد القساوسة قوله: "إن الكنيسة جميلة، لكنّ لها جانبًا مظلمًا يتعلق بالمحاسبة، وإذا أرادت تحسين نظامها فهي تحتاج إلى تفكيك".