عادت من ميدان التحرير تغمرها فرحة شديدة لا تستطيع إخفائها بعد أن تنحى مبارك أخيرا ,تردد فى داخلها (إرفع رأسك فوق إنت مصرى ),لم تنسى حالة الأمل والإنتصار التى شهدتها فى عيون كافة المصريين بعد أن أصبحوا على ثقة بأنهم إقتربوا من الحرية وتخلصوا من الحكم المستبد ,إلا أنها أصيبت بإحباط شديد عندما أدركت بعد فترة قليلة من تولى الرئيس مرسى أنه رئيس لأهله وعشيرته فقط وهى للأسف ليست منهم. هدير إحدى الفتيات التى شاركت فى الثورة منذ لحظتها الأولى ,حالها كحال كافة المصريين الذين وضعوا أمالهم على الثورة وتوقعوا أن تنقلهم إلى حياة كريمة وتخلصهم من الفقر والظلم والإستبداد ,إلا أنهم فوجئوا بدولة أسوء فى عهد مرسى أركانها الأساسية هى فرض الضرائب وغياب الأمن والتناقض والقرارات المتضاربة.وهو ما ساهم مع مرور الوقت فى سيادة حالة من الإحباط والإنقسام فى صفوف الشعب المصرى .
وصف الدكتور محمد نبيل أستاذ علم النفس الحالة النفسية للمصريين بعد عامين من التنحى بانهم محبطين للغاية ,وفى وضع معاكس تمام لما كانوا عليه لحظة تنحى مبارك.وأوضح ان يوم التنحى عمت حالة من الفرح على شعب مصر كله لأنه تخلص أخيرا من رئيس مستبد عانوا معه على مدار ثلاثون عام من الضغوط الإجتماعية والإقتصادية وإنهيار التعليم والزراعة وتدنى قيمة المواطن المصرى نفسه مؤكدا أنه شاهد فى الميدان يوم التنحى الملايين ومن بينهم من تعدى ال 90 عام والسعادة والأمل فى أعينهم مع تفائل واضح بقدوم الحرية وتحقيق أهداف الثورة.
بدأت حالة الإحباط بالتحديد بعد أن قرر المصريون أن (يعصروا على أنفسهم لمونة) وينتخبوا الرئيس مرسى ويقدموا أول تنازل عن أهداف الثورة وهو التخلى حلم الدولة المدنية والرضا بالدولة الدينية تجنبا لعودة الدولة العسكرية من جديد.
ويضيف نبيل أن الشعب المصرى الأن محبط للغاية يعانى من فقدان الإحساس بالأمان والتشتت بسبب قرارت الحكومة المتناقضة وحالة التضارب والتراجع الذى تعانى منه مؤسسة الرئاسة .كما ان حوادث القتل والتعذيب ساهمت فى سيطرة إحساس بالخوف والقلق على أغلب المصريين ,وأصبحنا نعانى من إنهيار أخلاقى حاد .
وأوضح ان النظام يتمسك بالسلطة بشكل غريب ويتبع منهج رفض الأخر ,مما تسبب فى حالة من الإنقسام الشديد ,فبعد ان كان الجميع يد واحدة فى يوم التنحى ,أصبحنا بعد مرور عامين عليه مقسمين بفعل طائفية النظام إلى مسلميين وإخوان وسلفيين ومسيحيين وملحدين .
وحذر نبيل من خطورة الوضع الحالى وتناقض وتششت مؤسسة الرئاسة والحكومة المصرية وما يتسبب عنه من إحباط وتشتت وفقدان القدرة على التفكير فى المستقبل.
سحب مشهد الثورة ومشهد الطاقة لدى المصريين إلى مشهد السياسة احد الأسباب التى أصابتهم بالإحباط ،فالسياسة معروف أنها لعبة مصالح, ولعبة رؤوس أموال وأشياء أخرى, ليس لعامة الناس دور فيها، وسحب الناس إلى مشهد السياسة يعني أيضا تهميشهم وسحب قدرتهم على الفعل، ماعدا ذهابهم للتصويت في الانتخابات
حيث يؤكد الدكتور احمد عبدالله اخصائى نفسى ان عند سحب الجمهور من المشهد السياسى يخرجوا من اطار الفعل إلى حالة السب والقذف والجدل والنقاش وتنعكس هذه الخلافات السياسية إلى خلافات اجتماعية . فبعد أن كان السياسيون ينزلون إلى ميدان التحرير ليظهروا على شاشات التليفزيون بجوار شباب الثورة أصبح الشباب الآن هو من يسير خلف هؤلاء السياسيين، وهذا المشهد المعكوس هو السبب في كل الإحباط الذي يسود الشارع المصري الآن.
ويضيف أن النظام الجديد عجز عن تحقيق مطالب الثورة وإستثمار طاقات الشباب الثائر فى العمل الجاد ,و ستخرج هذه الطاقات في أشكال متنوعة أغلبها سلبي كالتحرش، وتشويه الجدران، والزعيق والصخب.
ويشير عبدالله أن الحل هو أن يخرج الجميع للعمل من أجل الإنتاج والتفكير والإبداع وإستثمار الطاقات ,وإختيار عناصر جادة لتمثيل الجمهور فى العمل السياسى عن طريق صناديق الإنتخابات .