التسول ظاهرة إنتشرت بشكل كبير جداً بين أطفال وشباب وشيوخ قرى ومحافظات مصر فى ظل الإهمال الملحوظ من الحكومة التى ضربت بهذه الظاهرة عرض الحائط ، بعد أن تردد الكثير على وزارة الشؤون الإجتماعية لطرح مشكلة التسول ومعرفة دور الوزارة من هذه الظاهرة ، ولكن دون جدوى . عدسات "بوابة الفجر" تنقَّلت بين شوارع قرى ومدن محافظة سوهاج لترصد تلك الظاهرة التى إنتشرت أمام المنشآت الحكومية والبنوك وعند إشارات المرور وفى الأسواق العامة, والتى تُعد سبباً قوياً لتقاعس المسئولين .
فى البداية إلتقينا مع "أحمد مراد", البالغ من العمر "14 سنة ", وحاصل على الشهادة الإبتدائية, وهذا ما دفعنا أن نسأله, لماذا تركت التعليم ؟, فأجاب قائلاً: "أبى تُوفِّى وأنا فى السادسة من عمرى وتركنى أن ووالدتى و5 بنات ولم يترك لنا دخلاً لنعيش منه, لأن دخل الأسرة إنقطع بعد موته, لان مهنته ليس لها معاش, وهى "جمع القمامة" .
وأضاف "مراد": من أين أستكمل تعليمى وأنا لا أجد "العيش الحاف" أنا وأسرتى، ففى ظل هذه الظروف خرجت أبحث عن لقمة عيش" بعد أن رفض الكثير أن أعمل معهم فى ورشهم أو محالهم، فلم أجد إلا هذه الطريقة وهى أن "أمد إيدى لفلان وفلان علشان يدينى ربع جنيه" .
وبسؤال سيدة, رفضت ذكر إسمها, عن سبب تسولها, أجابت, بعد أن أخرجت كيس من البلاستيك وبه كمية من الدواء: لم أتسول ولكن أريد أن أجمع باقى تكلفة هذا الدواء لإبنى "القعيد" فى المنزل دون أن ينظر إلية أحد والذى كان سبباً فى خروجى إلى الشارع .
بينما كانت هناك إمرأة مفترشة الأرض مع أولادها الثلاثة وبسؤالها عن سبب إفتراشها الأرض وتعرض الأطفال للهواء البارد وحوادث الطرق طوال اليوم, قالت: أين نذهب بعد أن قصدنا الشؤون الإجتماعية عشرات المرات للمساعدة وأغلقوا الأبواب فى وجهونا, فلا ملجأ لتوفير لقمة العيش إلا بإتباع هذه الوسيلة لأعيش بما يجود به الناس علينا، فلا نملك أموال أو نجود فى حرفة تدير علينا دخلاً ثابتاً .
فيما كان هناك طفل صغير لا يتجاوز ال 8سنوات يجول فى الشارع وهو يستوقف المارة ليجودوا عليه بالمال أو الطعام, وهو يدعى لهم بأدعية وبصورة سريعة وبسؤاله أيضًا عن سبب نزوله إلى الشارع قال: أنا مُجْبر على توفير كل يوم مبلغ لوالدى الذى يجلس فى المنزل دون عمل وصحته لا تساعده على الأعمال الشاقة .
وكانت هناك إمرأة "شابة" تتسول وهى تدَّعى أنها لا تملك ثمن المواصلات لكى تصل إلى بلدها التى لا أعلم انا عنها شىء، وهذا ما يجلعها تقع عُرْضة للإستغلال والمساومة على شرفها من قِبَل ضعفاء النفوس الذين يستغلون حاجتها لسؤال الناس .
طفل أخر يُدْعَى "يوسف", وكان يتسول أيضًا, وبسؤاله عن, لماذا تمارس هذه الظاهرة فقال: "أبى تُوفى من زمان وأمى مريضة وتحتاج إلى العلاج وأنا ليس معى ثمن العلاج فلجأت إلى هذا الطريق لكى أجمع الدواء لها .
الشيخ "هانى شاكر", مفتش بالأوقاف يقول: إن هذا الزمان، الذى تفشَّى فيه الجهل ، وإنتشرت فيه البطالة، ونحن إعتدنا كل يوم وبعد كل صلاة تقريباً على مناظر مؤذية ومشاهد مؤلمة يقوم بتمثيلها فئة من الشباب المُدربين على إتقان صناعة النصب والإحتيال بممارسة مهنة "الشحاتة" وأكل أموال الناس بالباطل .
وأوضح "شاكر": أن هؤلاء لهم فى ذلك أحوال وأشكال, فمنهم من يقوم بتجبيس يده أو قدمه, ومنهم من يتصَّنع البلاهة والجنون, ومنهم من يدَّعى الإصابة بحادث أو بموت والده أو أمه أو إصابته بمرض ما, وغيرها من الحِيَل التى يتقنها هؤلاء .
و أضاف "شاكر": أن منهم من يدَّعى أن الدَيْن أثقل كاهله ولا يستطيع السداد ومنهم من يفتعل البكاء وقد يجلب معه إبن الجيران أو إبنته ليتسول وتكون هى حجته, لإستعطاف القلوب, وقد يُقْسِمُ بالله كذباً أنه لولا تلك الديون وعِظَم المسؤولية لما وقف أمام الناس وغير ذلك من الأعذار والأكاذيب التى لم تعد تنطلى على أحد من العقلاء .
كما أكَّد "عبده عبد السيد"، إمام مسجد: أن كل يوم يقوم هؤلاء المتسولين بتطوير أساليب هذه الظاهرة لنهب أموال الناس, بل قد وصل الأمر إلى بشاعة عظيمة وأمر لا يُقِرُّه دين ولا عقل, وذلك بوجود فئة من النساء اللاتى يأتين إلى بيوت الله, لممارسة التسول وهذا أمر خطير لأن أولئك النساء يدخلن مساجد الرجال ولا بد أن تكون الواحدة منهن معذورة شرعاً من أداء الصلاة, وهنا لا يجوز لها الدخول إلى المساجد إلا لحاجة, كالمرور مثلاً, وإما أن تكون غير معذورة، ولم تصل مع النساء، بل تركت الصلاة وأخَّرتْها عن وقتها من أجل أن تجمع شيئاً من حطام الدنيا وحفنة قذرة من المال وهذا أمر أخطر من سابقه .
فيما يشير مسؤول بالشئون الإجتماعية رفض ذِكر إسمه: أن ظاهرة التسول مشكلة إجتماعية آخذة فى الازدياد مع إنتشار حالات البطالة والفقر والتشرد, ولكن ما يلفت الإنتباه هو دخول العديد من الأطفال والنساء فى هذا المجال الذى يوشك أن يتحول إلى مهنة تُدر على أصحابها الأموال الطائلة .
وأضاف: أن هذه الظاهرة برزت مع المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية العديدة التى تشهدها أقطار العالم كافة، ولا تكاد تخلو منها حتى فى أشهر شوارع دول العالم الغنية، وفى لحظة ما يبدو للمتأمل أن المتسولون يحاولون ألا يتخلفوا عن مواكبة التطور المهنى, إذ نجدهم يبذلون كل ما فى وسعه لإثراء منافسة لأى مهنة شريفة بصرف النظر عن الفارق النوعى فى قضايا تتعلق بالشرف وضده .
وأنهى المسئول حديثه قائلاً: أنه فى السابق كان التسول بدائياً ويتناسب مع بدائية المجتمع الذى يتحرك فيه .
كما يقول "أحمد عمار"، رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية الصعيد: أن الجمعيات الأهلية لها دوراً بارزاً فى القضاء على هذه الظاهرة التى إنتشرت بشكل مكثف فى الشوارع والميادين والأماكن العامة, وذلك من خلال توفير أعمال مناسبة تدير دخلاً لهولاء المتسولين أو توفير راتباً شهرياً لهم .
وأضاف "عمار": أن الجمعيات الأهلية نجحت فى تنفيذ هذه الخطة مع الكثير من المتسولين و لكن فشلت مع البعض الأخر الذين يرون أن طريقة التسول تدير عليهم دخلاً أكثر مما توفره لهم الجمعيات الأهلية .
هكذا تتزايد ظاهرة التسول وسط معاناة الكثير من الأزمات الإقتصادية وإرتفاع معدلات البطالة والقهر الإجتماعى, والذى جعل التسول يتخذ أشكال عدة بإختلاف ثقافة وعادات المجتمع .