إن الوقت سريع المرور والانقضاء، ولا يعود أبدًا إذ هو حركة الأفلاك، وتلك لا تتوقف أبدًا، فهو يمر بمرورها، وينقضي بانقضائها، ويبدأ مروره وانقضاؤه من لحظة الولادة، وإذا مر أو انقضى كله أو بعضه ولو يسيرًا، فلا يعود أبدًا، ولذا جاء عن الحسن البصري قوله: «ابن آدم أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك» ، وجاء عن ابن عباس قوله: «ما من يوم طلعت شمسه إلا يقول: من استطاع أن يعمل في خيرًا فيعمله، فإني غير مكرر عليكم أبدًا» وقال بعضهم: «يقال: الوقت من ذهب، وهذا صحيح من حيث القيم المادية للذين لا يقيسون الوجود إلا بها، ولكن الوقت هو الحياة للذين ينظرون إلى أبعد من ذلك، وهل حياتك أيها الإنسان في هذا الوجود شيء غير الوقت الذي يمضي بين الميلاد والوفاة؟ وقد يذهب الذهب وينفد، ولكنك تستطيع أن يكون معك منه أضعاف ما فقدت، ولكن الوقت الذاهب، والزمن الفائت لا تستطيع له إعادة أو إرجاعًا، فالوقت إذن أغلى من الذهب، وأغلى من الماس، وأغلى من كل جوهرٍ وعرض، لأنه هو الحياة»
منزلة الوقت في الإسلام
وللوقت في الإسلام منزلة رفيعة، ومكانة سامية تتلخص في إقسام الله عز وجل بالزمن في مختلف أطواره في كتابه العزيز، إشعارًا بقيمة الزمن، وتنبيهًا إلى أهميته، إذ أقسم- سبحانه- بالليل، والنهار، والفجر، والصبح، والشفق، والضحى، والعصر، فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} (الليل:1-2)، وقال كذلك: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} (المدثر: 33-34)، وقال أيضًا: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 1-2).
وبيَّن النبي “صلى الله عليه وسلم” أن المستفيدين من الزمن قلة، وأن الكثير مفرط مغبون، فقال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ» ، يقول الحافظ أبوالفرج ابن الجوزي (ت 597 ه): «قد يكون الإنسان صحيحًا، ولا يكون متفرغًا يشغله بالمعاش، وقد يكون مستفنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه، وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم لكفى» وربط الإسلام بين نتائج العبادات، والأعمال الصالحات، وبين الأوقات حيث يقول النبي “صلى الله عليه وسلم” : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه…»
، ودعا الإسلام إلى استغلال المتاح منه الآن قبل فواته إيذانًا بأهميته وقيمته، يقول النبي “صلى الله عليه وسلم” : «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل مماتك.