تأتى دعوة الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادي إلى تشكيل لجنة عليا للحوار الوطني ولجان للتواصل مع الأطراف المعنية بالحوار وسط أجواء شديدة التوتر. وترسم مشاهد هذه الاجواء ثلاثة إشكاليات أفرزتها ممارسات الرئيس السابق على عبد الله صالح ونظامه الذى ما زال قائما رغم تسلم هادى سلطاته كرئيس للجمهورية اليمنية رسميا بعد عام كامل من التظاهرات والتجاذبات والتدخلات الاقليمية والدولية . ويصطدم الدور الذى رسمه الرئيس عبدربه منصور هادى "التوافقى" لهذه اللجنة ، التى ستبدأ بتحضير الأرضية الملائمة للحوار ودعوة جميع الأطراف للمشاركة فيه من أجل الاتفاق على دستور جديد للبلاد يحدد شكل ومنظومة الحكم في اليمن ، ومن ثم سيتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بقدرة "هادى" على فرض سلطته المحدودة بتواجد أعوان سلفه صالح المتحكمين فى جميع مفاصل الدولة سياسيا وأمنيا وإقتصاديا . كما أن الدولة اليمينة خسرت مناطق الشمال والجنوب بسبب تراكمات أفرزتها سياسات الإقصاء والتهميش وتراخى القبضة الحديدية لنظام صالح ، حيث استغل الحوثيون فى الشمال الفوضى لتثبيت سلطتهم، وهم يتصرّفون وكأنهم يديرون منطقة تتمتع باستقلال ذاتي . أما الجنوب، فهو خليط غير مستقر من الانفصاليين الليبراليين والمقاتلين الإسلاميين، وليس هناك أي تنسيق بينهم ، حيث يسعى الحراك الجنوبى إلى الإنفصال فيما يسعى جنوبيون آخرون إلى الحصول على حقوقهم التى أهدرها صالح بعد حرب عام 1994 . ورغم أن السياسة الأمريكية ساهمت في دفع مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وسارعت إلى الاعتراف بهادي كرئيس منتخب ، وتباحثت معه بشأن إضفاء شرعية على حكمه من خلال توجيه مؤشرات واضحة بالتغيير نحو الإصلاح إلا إنها أبعد من أن تكون ضمانة للاستقرار الذى يصطدم بالإشكاليات الثلاثة (الأمن وبقاء صالح وأعوانه ومشكلة الجنوب وقضية الحوثيين فى الشمال) . كما أنه لا يمكن أن نتوقع فرض الحكومة المركزية سلطتها على كامل أراضيها كما هي محددة في الخريطة، فالأراضي اليمنية لم تخضع قط للسيطرة المركزية، حتى أن المحاولات التي بذلها الرئيس السابق على عبد الله صالح لتحقيق ذلك في الأعوام العشرين التي تلت التوحيد منيت كلها بالفشل. وكما هو معروف، فإن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قد نصت على إعادة هيكلة الجيش، وهو ما يقتضي إبعاد كل من يمت لصالح وعائلته بصلة، وهذا ما يزيد من مخاوف هؤلاء القادة الصغار على مصيرهم بعد الانتخابات وإعادة الهيكلة، فيحاولون هم أيضا اللعب على ورقة القاعدة كضغط على المجتمع الدولي لإبقائهم في مناصبهم ،عزفاً على تلك المخاوف الأمنية الكبرى في عدد من المدن. وتشير تسريبات إعلامية إلى المحاولات المستميتة من قبل بقايا نظام صالح ومقربيه لتفجير الوضع الأمني تحت ذريعة بعبع القاعدة وتوسعها من أبين حتى رداع. وكذا تحضير سيناريو لسقوط مناطق أخرى كذمار ومأرب، رغم أن المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة ومبعوثها لليمن جمال بن عمر أعلن فى أكثر من مجال أن العملية السياسية فى اليمن يجب أن تمضي في طريقها. كما أن السفير الأمريكي بصنعاء يشكك فى حقيقة ما حدث ويحدث في رداع على بعد 180 كم جنوب صنعاء .