بدأت تركيا في إقامة جدار جديد على جزء من حدودها الجنوبية الشرقية مع سوريا في مواجهة التهريب والهجرة غير المشروعة وخطر تنظيم القاعدة بين صفوف مقاتلي المعارضة السورية. وعلى مسافة تزيد على كيلومتر تراصت في الآونة الأخيرة كتل خرسانية على تلال إقليم هاتاي -على أرض كانت جزءا من سوريا حتى أواخر ثلاثينات القرن الماضي- حيث تتناثر قرى تتعيش على التجارة غير المشروعة عبر الحدود في كل شيء من الوقود وحتى السجائر. اتبعت تركيا سياسة الحدود مفتوحة طوال الحرب الأهلية التي تفجرت في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات وتعهدت بالحفاظ عليها مما يتيح شريان حياة للمعارضين الذين يقاتلون قوات الرئيس السوري بشار الأسد ويسمح بدخول الإمدادات وخروج اللاجئين. لكن هذه السياسة كان لها ثمنها. فقد ازدهر التهريب وأرغمت الحرب أعدادا متزايدة من السوريين على محاولة كسب القوت أينما كانوا وتضخمت أعداد من يحاولون عبور الحدود بعيدا عن نقاط التفتيش الرسمية. وزاد هذا من صعوبة مهمة تأمين الحدود الممتدة مسافة 900 كيلومتر بالنسبة للسلطات التركية المتهمة بالفعل بالتخاذل في منع الجهاديين الأجانب من دخول سوريا مما يمثل خطرا أكبر على المنطقة ككل. وأودت السيارات الملغومة في بلدة ريحانلي التركية بحياة عشرات منذ ما يقرب من عام ولم تهدأ وتيرة العنف منذ ذلك الحين. وتقول مجموعة الأزمات الدولية إن أكثر من 75 مواطنا تركيا لقوا حتفهم في القتال الذي امتد عبر الحدود. وقالت المجموعة في تقرير "تذكر الأتراك المخاطر الأمنية الناجمة عن السيارات المفخخة القاتلة والحوادث المسلحة التي وقعت على أرضهم وبخاصة وأن شمال سوريا لايزال أرضا محرمة لا يتسنى التكهن بأحداثه." وأضافت "الصراع ليس من صنعها.. لكن أنقرة أصبحت طرفا بالفعل." * الحرب السورية هناك من يقول إن أسلوب تعامل تركيا مع الحرب السورية كان السبب الرئيسي في ضياع إقليم هاتاي من حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية التي جرت في مارس آذار. ومما أزعج سكان المنطقة أيضا تلك التكلفة التي فرضتها الأزمة على اقتصاد المناطق الحدودية والمخاوف من المقاتلين الإسلاميين. وفي مواجهة هذا التحدي يبدو الجدار مجرد لفتة رمزية. وهو يبدأ من قرية كوساكلي التي وصفها مسؤول بالإدارة المحلية بأنها بؤرة نشطة للتجاوزات الحدودية ويمتد لمسافة لا تتجاوز كيلومترا واحدا. وصرح مسؤول محلي بالجمارك بأنه سيتم تمديد السور على مسافة ثمانية كيلومترات وإن كان قد أضاف "الحدود تمتد 900 كيلومتر ولهذا لسنا واثقين من جدوى الجدار." ولا يعرف المسؤولون المحليون المبلغ الذي تكلفته إقامة الجدار وقالوا إن القوات المسلحة التركية وراء المشروع. لكن الجيش لم يعلق. ويرى سكان المنطقة أن السور لن يردع الكثير من المهربين الانتهازيين لكنه سيعاقب اللاجئين الشرعيين. وقال رجل في منتصف العمر بقرية بوكولميز طلب عدم ذكر اسمه بعد أن اعترف بأنه ساعد لاجئين على عبور الحدود بشكل غير مشروع "لا يمكن وقف المهربين الكبار.. فلديهم ترتيبات خاصة." وأضاف الرجل وهو يجلس في شرفة منزله المتصدع أن ابنه الذي يبلغ من العمر 30 عاما انضم أيضا لشبكة تهريب لكن تم القبض عليه وهو محبوس منذ 20 شهرا في انتظار محاكمته. وقالت ابنته التي تأمل في الالتحاق بالجامعة إن مهربين من القرية اعتادوا على نقل مجموعة من السلع بل ومن الأسلحة لكن التجارة انتقلت لنقطة أبعد على الحدود بعد حملة شنتها قوات الأمن. أضافت وهي تنظر باتجاه سوريا "حتى الطير لا يمكنه المرور." * ضاعف أموالك إنها تجارة رابحة. السكر يباع بنحو 50 سنتا أمريكيا للكيلوجرام في سوريا حيث يتم إنتاجه لكنه يباع بأكثر من ضعف ذلك الثمن في تركيا حسبما يقول أفراد ممن يعملون بهذه التجارة. والوقود عليه رسوم ضخمة في تركيا مما يعني ازدهار السوق السوداء لواردات البنزين المهربة من سوريا مهما كانت درجة جودتها. ويتدفق المال عائدا للمناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة. قال جوفن كوسيوغلو عضو مجلس الإدارة المحلية في قرية بيشاسلان القريبة "البعض يزرع.. ولا شيء يذكر غير هذا" ممتنعا عن استخدام لفظ "التهريب" وإن كان قد أقر بأن السلع العابرة للحدود لا تخضع لرسوم ولا يجري استيرادها رسميا. وتصطف إلى جوار الجدران في القرية مئات من العبوات البلاستيكية الزرقاء وتفوح رائحة البنزين في الهواء. ويقف رجال أمن في نقاط تفتيش تطل على سوريا وتوجد على مقربة حاملتا جند. كانت تركيا قد بدأت في أكتوبر تشرين الأول الماضي في بناء سور مماثل بطول جزء من الحدود إلى الشرق عند منطقة نصيبين التي تبعد عشرة كيلومترات إلى الشمال من بلدة القامشلي السورية حيث تدور اشتباكات من آن لآخر بين الأكراد ووحدات من مقاتلي المعارضة وقبائل عربية. لكن هذه الجهود ما هي إلا نقطة في محيط بالنسبة لبلد يأوي الآن أكثر من 700 ألف لاجيء يعيش نصف مليون منهم على الأقل خارج المخيمات التي بدأت تركيا في إقامتها في منتصف 2011 حين كانت تجهل أن الحرب ستطول كل هذه الفترة وستجلب عليها كل هذه الأعداد الغفيرة. قال هيو بوب الخبير في شؤون تركيا بمجموعة الأزمات الدولية "المشكلة تتمثل فيما بين 100 ألف و200 ألف لاجيء سوري تبقيهم تركيا على الجانب الآخر من الحدود السورية." وأضاف "مازالوا بحاجة لإمدادات أو مأوى داخل تركيا. لكن الأمر يتطلب أن يقدم العالم دعما أكبر بكثير لتركيا." * نازحون في الداخل قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الأسبوع الماضي إن تركيا أنفقت 3.5 مليار دولار على توفير الغذاء والمأوى والتعليم للاجئين السوريين لكنها لم تتلق إلا 150 مليون دولار من بلدان أخرى. وأضاف في مقابلة مع تشارلي روز مقدم برنامج بي.بي.إس "هناك أعداد غفيرة ممن نزحوا في الداخل.. ملايين.. وهناك ما يقرب من 200 ألف ماتوا. الوقوف بلا حراك والاكتفاء بالفرجة غير مقبول." ومضى قائلا "أين هي الأممالمتحدة.. أين الولاياتالمتحدة.. أين كل هذه الدول؟" وليس المهربون والمقاتلون هم وحدهم الذين يحاولون عبور الحدود متجنبين نقاط التفتيش الرسمية. عند أحد طرفي الجدار الجديد بالقرب من كوساكلي قال مزارع سوري إنه اعتاد أن يدفع ألف ليرة سورية (6.75 دولار) مقابل رحلة العودة إلى سوريا. لكن الأسعار زادت مع تشديد الأمن. وباتت الرحلة تتكلف الآن 5000 ليرة سورية من خلال قرية هاجيباسا الحدودية في طريق ينطوي على مشقة أكبر ويتطلب تغيير السيارات عند نقاط معينة. قال "أضطر لأن أعود أحيانا" مشيرا إلى أنه يضطر لترك زوجته وأبنائه العشرة من آن لآخر للعودة كي يعتني بمواشيه قرب مدينة حماة السورية.