قال الدكتور حسن عبدالرحمن، رئيس قسم الأدب والنقد بجامعة الأزهر: إن التعبير القرآني تعبيرٌ فريدٌ في عُلُوِّه وسُمُوِّهِ، وإنه أعلى كلام وأرفعه، وأنه بهر العرب فلم يستطيعوا مداناته والإتيان بمثله مع أنه تحدّاهم أكثر من مرة. وأوضح عبد الرحمن الفرق بين التعبير ب"الوالدين" و"الأبوين" في القرآن الكريم:- إذا تتبعنا المواضع التي آثر القرآن الكريم التعبير فيها ب " الوالدين " كقوله تعالى:" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.." (النساء:36) وقوله تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرَّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.." (الأنعام:151) وقوله تعالى" " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.." (الإسراء:23) وقوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه حُسْنا.." (العنكبوت:8) وقوله تعالى: " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن.." (لقمان: 14) وقوله تعالى: " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كُرْها ووضعته كُرْها.." ( الأحقاف: 15) ..وغير ذلك من آيات. وأضاف: إننا سنرى أن القرآن الكريم في مقام الإحسان يغّلب جانب الأمومة على الأبوة؛ ذلك أن الأم أحوج إلى العطف والرعاية والإحسان من الأب.. كما نطقت بذلك السنَّة المطهرة، وأجابت عن هذا التساؤل: من أحقُّ الناس بصحبتي؟ قال صلى الله عليه وسلم: أمك..أمك..أمك. ثم أبوك. وقال: أما في غير مواطن الإحسان فيغلِّب القرآن الكريم الأبوة على الأمومة..كقوله تعالى:" وورثه أبواه " ( النساء:11)؛ ذلك أن نصيب الأب يفوق نصيب الأم. وكما جاء عن يوسف: "ورفع أبويه على العرش" (يوسف:100)؛ لأن الرفع والظهور أصل في الرجال دون النساء.. فينبغي أن تكون الأم مستترة.. وقوله تعالى: " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين.. وكان أبوهما صالحا.." (الكهف:80-82) قيل: الجد السابع. وإذا أنعمنا النظر في آية الإسراء فإننا سنجد تقديم الظرف " عندك " في قوله تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر.." للدلالة على احتضان الوالدين ورعايتهما والعيش معهما..لا أن ندفع بهم إلى دور المسنين أو غيرها من المؤسسات الاجتماعية.. كما نلاحظ أن الوصية بالوالدين تعدّت بحرف الجر "الباء" (ووصينا الإنسان بوالديه..) والوصية بالأولاد تعدّت بحرف الجر "في" ( يوصيكم الله في أولادكم..)؛ ذلك أن الباء تفيد معاني الإلصاق والاقتراب والاحتضان، فالإحسان للوالدين ينبغي ألا يكون عن بُعد.. لأن الالتصاق بهما نوع من البر، وهذا لا يتحتم أن يكون مع الأولاد..فقد يتزوج الابن وينفصل عن والديه..فتعدت التوصية ب"في" لتوحي بدلالتها على الاستغراق العدل مع جميع أفراد جنس الأولاد ذكورا وإناثا..فلا تعطي أحدا وتحرم آخر.. إلى هذا الحد المعجز يراعي القرآن الكريم هذه الفروق الدقيقة، وهذا المنهج الدقيق المحكم لا وجود له في غير القرآن الكريم، فهو سمة من سمات إعجازه اللغوي والبياني.