تساؤلات كثيرة حول أسباب ودوافع اختيار معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته ال24 التي تقام خلال الفترة من 30 أبريل إلى 5 مايو للشاعر العربي الأشهر في تاريخ الشعر العربي أبو الطيب المتنبي محورا رئيسيا من خلال تخصص جناح له يحوي مكتبة عالمية متخصصة جُمعت فيها المؤلفات التي كُتبت عن المتنبي ودواوينه الشعرية والرسائل الجامعية التي تم إعدادها عنه باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية وغيرها من اللغات. كما أعلنت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة الجهة المنظمة للمعرض عن تنظيم حفل موسيقي غنائي مستلهم من سيرة وشعر المتنبي، يحمل عنوان"المتنبي.. مسافرًا أبدًا"، الأمر الذي يؤكد أن الاختيار ليس عبثيا بل مقصودا. الاختيار ذكي جدا، أولا لأنه يكاد يجمع النقاد والشعراء والكتاب العرب قديما وحديثا على عبقرية المتنبي الشعرية، وحتى مسيرة حياته المثيرة للجدل وتجاربه المضطربة وصداماته مع السلطة والمجتمع والكتابة الشعرية لم تزده إلا تألقا وتوهجا وربما يكمن وراءها ثراؤه، لا تزال روحه الشاعرة المتمردة قادرة على إثارة التوهج والإدهاش والتساؤلات جماليا وفنيا ولغويا وإنسانيا لدى مختلف الأجيال على الساحة الشعرية العربية، لذا فهو محل دراسة وبحث وقراءة. ثانيا المتنبي رمز للجرأة والتمرد والحرية والعروبة عاش في زمن يشبه زماننا هذا توجه فيه الأمة العربية تحديات سياسية وفكرية وثقافية كبرى. ثالثا يمثل الاختيار دعوة للحركة الشعرية العربية وشعرائها لطرح الإشكاليات التي تواجهها للنقاش والبحث في أسرار بقاء شاعر من القرن التاسع متألقا ومتوهجا في القرن العشرين. ورابعا يأتي الاختيار متسقا مع روح أبوظبي الساعية إلى ترسيخ مكانتها كداعم أصيل للتراث الإبداعي العربي المستنير، حيث استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تستنهض تراثها وتحفظه وتضع الكثير منه على قائمة التراث الإنساني العالمي. ومن جانب آخر، يأتي اختيار المتنبي متسقا مع احتفاء أبوظبي بالشعر فصيحه ونبطه، حيث تقيم إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية التي يترأسها محمد خلف المزروعي، مستشار الثقافة والتراث بديوان ولي عهد أبوظبي، عددا من المهرجانات منها مسابقتان شعريتان إحداهما للشعر الفصيح "أمير الشعراء" والأخرى للشعر النبطي "شاعر المليون" وكلتاهما تستقطبان وتحتضنان تجليات التجربة الشعرية العربية في المنطقة كلها وليس منطقة الخليج وحدها، كما أن هناك أكاديمية الشعر التي يترأسها الشاعر والروائي سلطان العميمي والتي تدرس الشعر وتدرسه، وقد قدمت منذ تأسيسها مئات الدراسات النقدية والدواوين الشعرية والتراث المحقق. وفي هذا الشأن يذكر أن دار الكتب الوطنية في أبوظبي تنشر منذ عدة سنوات أمهات الكتب التراثية العربية، خاصة الشعرية، وقد أصدرت ديوان المتنبي، كما أصدرت مختارات مسموعة على أسطوانة من الأسطوانات الليزرية، ضمن مشروع الكتاب المسموع، في 14 جزءا مسموعا، وهو من إلقاء عبد المجيد مجذوب، وتقديم جمانة النونو. إذن اختيار أبو الطيب المتنبي ليس بعيدا عن الرؤية المتكاملة للثقافة والتراث التي تسعى أبوظبي إلى أن تكون بها في موقع الصدارة عربيا، بعد أن انشغلت الكثير من العواصم العربية بالشأن السياسي وصراعاته فيما تراجعت وتدهورت رؤيتها الثقافية، حتى لا نجد من بينها من يملك رؤية واضحة المعالم للثقافة والتراث.