من بين أهم ما خرجت به من تجربتي العملية والإنسانية أن الحياة هى أفضل تجربة لاختبار قوة الإرادة، إن قوة المرء لا تقاس بحجم ثرائه أو ما يتمتع به من صحة وجاه وسلطان، وإنما تقاس بمدى قدرته على مصارعة كل عوامل اليأس والإحباط.. وأيضا فإن تجربتي علمتني أن الإيمان هو أهم مصادر القوة لأن الإيمان هو المنبع الذي لا يجف والإرادة التي تساعد على الاحتفاظ بهدوء النفس مهما اشتدت المصاعب والأزمات. وقد عرفت في حياتي نماذج متعددة من التعساء والذين ينسبون كل فشل يقعون فيه إلى النحس الذي يلازمهم وإلى سوء الحظ الذي يطاردهم.. وفي المقابل فإنني لم أجد من هو أكثر سعادة من الذين يحاسبون أنفسهم - أولا بأول - قبل أن يحاسبوا الآخرين! ولا شك في أن الإحساس الحقيقي براحة البال يجيء من مصارحة المرء لنفسه بحساب دقيق، لأن من يحاسب نفسه بأمانة سوف يكتشف أنه أسعد حالا من غيره! والحقيقة أن نقطة البداية للسير على طريق السعادة وهدوء النفس وراحة البال تنطلق من ارتضاء ذاتي بالابتعاد عن الجشع والطمع، لأنه ليس هناك ما يمكن أن ينغص عليك حياتك أكثر من النظر إلى ما لدى الآخرين! الشعور الحقيقي بالسعادة لا يتطلب منك سوى أن ترتفع فوق شهوات نفسك وألا تناصب أحدا العداء بدعوى أنه قد يسبب لك ضررا فلا أحد يستطيع أن يقطع عنك رزقا كتبه الله لك، وليس هناك ما يسبب التعاسة لمن يتصور أنه يستطيع أن يضايقك أكثر من تجاهل صغائره! عليك أن تحمد الله أنك من الذين يكسبون رزقهم بعد مشقة وعناء لأن مفتاح السعادة يجيء مع الإحساس براحة الضمير بعد أداء الواجب، أما الذين يكسبون عيشهم بسهولة ويسرقون جهد الآخرين لينسبوه لأنفسهم فهم أكثر الناس تعاسة حتى لو تظاهروا أمامك بغير ذلك! بإمكانك أن تدوس كل يوم بأقدامك على مشاية السعادة طالما أنك تعمل وتشعر بالراحة عندما تؤدي واجبك، فأنت في مثل هذه الحالة أشبه بطفل ينشغل بلعبته عندما يلهو بها، وينقطع تماما عن التفكير في كل ما حوله.. وتلك سعادة ما بعدها سعادة لا يحس بها سوى البسطاء الذين تجد على وجوههم ابتسامة الرضا مهما ضاق بهم الحال.