في المساءاتِ الباردة حين يفتح من هُم في الأسرَّة أفواهَهم، للتثاؤبِ الأخير، وحين يذهبُ العُمّالُ إلى نوباتِ اللّيلِ، بالجَهْدِ الأخِير، وحين تُعلن الشاشاتُ عن المعركة التي سقطتْ فيها "ورقةُ التُّوت الأخِيرة" كان لا يزال هناك، في الضِفَّة الأُخْرى من هذا الشارعِ، ذلك الولدُ الصّغير، الذي لم يَعُدْ يُخفي وَجْهَه وهو يأكلُ من القِمامة، مثلما كان يفعل، قبل أن تَبدأ الحربُ. مُتَشابِهات مثل النار، أم مثلَ حديدٍ لاهب، من بارودٍ وقنابل، أم من حَطبٍ يحترقُ كسنواتِ المظلومين، من صَدَأ الزنازين، أم مثلَ بقايا رءوسٍ تتدحرج فوق الإسفلت، هذا الذي يهبِط الآنَ مع الشّمْس، كأنّه يومُ جديد. لسوء الحظِّ . لماذا لم تسقُط الجدرانُ فوق رءوسِهم؟ لأنّهم سَنَدوها برموِشِهم.. يا سيّدي. ولماذا لم تنفجرْ أنابيب الغاز في بيوتِهم؟ . لأنّهم ملأوها بدموع أطفالهم.. يا سيدي. ولماذا لم تقتلُهم سياراتُ على الطريق ، إذن؟ بفضلِ دعوات أمّهاتهم .. يا سيّدي.