"إن كان في وسعك أن تحب فبوسعك أن تفعل أي شيء".. بهذه العبارة للكاتب الروسي "تشيكوف" استهل الكاتب رجاء النقاش كتابه "أبوالقاسم الشابي شاعر الحب والثورة"، وبهذا المعنى الإنساني العميق أدار رجاء النقاش مشروعه الأدبي والثقافي والفنى على مدى 50 عامًا. كانت المحبة الغامرة هي إحدى أدواته الأساسية في كل ما يفعل وكل ما ينتج، وكل ما يكشف عنه الستار من مواهب أو ما يحتفى به من قيم ومثل ومبادئ، فقد حرص رجاء النقاش في كتاباته أن يبرز أن هناك ثقافة عربية واحدة لكن وحدتها تكتسب تفردها من أنها تقوم على التنوع. وكان أول من ألقى الضوء على شعراء المقاومة الفلسطينية وأول من قدم الأدب السوداني، كما كان له دور بارز في تعريف القارئ المصري بدراسة الشعر الحر في مصر والعراق ولبنان وغيرها من البلاد العربية. لقد نجحت كتابات رجاء النقاش فى تحويل النقد الأدبي من علم أكاديمي جاف إلى مادة سهلة لعموم القراء. وتأكدت مكانة النقاش محركًا للحياة الثقافية وعاملاً من عوامل التنشيط والتفعيل من خلال موقعه كرئيس لعدد من المنابر الثقافية مثل مجلة "الهلال"، ذات الإشعاع الثقافي الممتد على مدى زمن طويل غطى حتى الآن أكثر من مائة عام التي كانت منبرًا لرواد النهضة الثقافية، كانت فترة رئاسة النقاش لتحريرها من أغنى الفترات فى تاريخ المجلة. وما أكثر الفترات التي تعرض فيها لغضب السلطة وملاحقتها، مثل الفترة الأولى لحكم الرئيس السادات عندما بقي معزولاً لفترة من الوقت قبل أن يسافر مرغمًا إلى قطر للعمل مديرًا لتحرير مجلة "الراية" القطرية وأسس بعدها مجلة "الدوحة"، وعاد إلى مصر ليعمل كاتبًا بمجلة "المصور"، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة "الكواكب" في التسعينيات، وفي سنواته الأخيرة أصبح كاتبًا متفرغًا بصحيفة "الأهرام". لقد أثرى النقاش المكتبة الثقافية بالعديد من المؤلفات، كان أبرزها: "ثلاثين عامًا مع الشعر والشعراء"، "أبوالقاسم الشابي شاعر الحب والثورة"، "عباقرة ومجانين"، "نساء شكسبير"، "عباس العقاد بين اليمين واليسار"، "شخصيات وتجارب"، "قصة روايتين"، والأخيرة عبارة عن دراسة نقدية فكرية مقارنة بين روايتي "ذاكرة الجسد" للجزائرية أحلام مستغانمي، و"وليمة لأعشاب البحر" للسوري حيدر حيدر. وفى ذكرى الرحيل الثانية، لا يسعني إلا أن أقدم باقة حب واعتزاز لرجل أثر في كل من لامسه، كان سببًا مباشرًا في معرفتي لنفسي.. تمنيت من كل قلبى لو أن "النقاش" كان بيننا الآن ورأى بعينه ما تمناه، وعمل من أجله طيلة حياته.