«إيبارشية إسنا وأرمنت» تعلن إخماد الحريق المحدود ب كنيسة السيدة العذراء في الأقصر    «توقعات بارتفاع قوي نهاية العام».. أسعار الذهب والسبائك اليوم بعد الهبوط العالمي    نائب ترامب: إسرائيل لا تتعمد قتل كل فلسطيني وما يحدث ليس إبادة جماعية    الأمم المتحدة: 71 ألف طفل بغزة سيعانون قريبا من سوء تغذية يهدد حياتهم    عبد العاطي ونظيره النيجيري يبحثان سبل تعزيز العلاقات المشتركة    «كلهم نفس العقلية».. رئيس تحرير الأهلي ينتقد مسؤولي الزمالك بسبب زيزو    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    شتيجن يحسم الجدل: لم أرحل.. ومستمر مع برشلونة في الموسم المقبل    إصابة 9 أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بالمنيا    «المهرجان القومي» يُطلق اسم سميحة أيوب على مسابقة العروض المسرحية    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    بعد وجبات عيد الأضحى الدسمة.. 6 مشروبات طبيعية لتحسين الهضم وتجنب الانتفاخ    إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها ل محمد السنوار    فرنسا تدعو إسرائيل للانسحاب سريعا من كامل الأراضي اللبنانية    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    إعلام إسرائيلي: يحتمل وجود جثامين لمحتجزين إسرائيليين بمحيط المستشفى الأوروبي    الخرفان أولًا والعجول آخرًا.. تدرّج في الطلب بسبب تفاوت الأسعار    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    تعرف على أسعار الحديد مساء ثاني أيام عيد الأضحى    ذبح 35 رأس ماشية وتوزيع لحومها على الأسر الأولى بالرعاية في سوهاج    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    اتحاد تنس الطاولة يناقش مستقبل اللعبة مع مدربي الأندية    رونالدو: الحقيقة أنني لن أتواجد في كأس العالم للأندية    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    ضبط 156 شيكارة دقيق بلدي مدعم وتحرير 311 مخالفة فى الدقهلية    نتيجة الصف السادس الابتدائي 2025 بالاسم ورقم الجلوس    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    "الزراعة": إزالة 20 حالة تعد في المهد بعدد من المحافظات    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    مرسال: اتحاد العمال يرسخ مكانته الدولية في مؤتمر جنيف| خاص    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    رسميًا.. غلق المتحف المصري الكبير في هذا الموعد استعدادًا للافتتاح الرسمي    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    الأحزاب تستغل إجازات العيد للتواصل مع الشارع ووضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    «الفيروس لم يختفِ».. الصحة العالمية تحذر: كوفيد 19 يعود بمتحور جديد    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    رئيس جامعة المنوفية: معهد الكبد القومي يخدم أهالي المحافظة والدول العربية    عميد طب كفر الشيخ يتفقد أداء المستشفيات الجامعية خلال إجازة العيد    شهباز شريف: باكستان تسعى دائما إلى الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة    "دفعها للإدمان وحملت منه".. تفاصيل بلاغ من سيدة ضد والدها في الوراق    عواد: أنا وصبحي نخدم الزمالك.. وسيناريو ركلات الترجيح كان متفقا عليه    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحج ليس مكانا للشعارات السياسية.. نص خطبة عرفة مكتوبة للشيخ ماهر المعيقلي
نشر في صدى البلد يوم 15 - 06 - 2024

أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ ماهر المعيقلي، أن الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة لله ، حاثاً حجاج بيت الله الحرام على اغتنام الفضل العظيم خلال وقوفهم بمشعر عرفات الطاهر الذي يباهي الله - جل وعلا - بهم ملائكته في موطن شريف وزمان فاضل تُضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات.
وقال ماهر المعيقلي ، ذلك في خطبة عرفة التي ألقاها اليوم بمسجد نمرة ، التي تقدم المصلين فيها الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة نائب رئيس لجنة الحج المركزية ومفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ ومعالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة الإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ و معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس ، وفيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحكيم الخبير العليم القدير، (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ، ( ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) .
أنزل القرآن رحمة بالخلق، وإصلاحًا لأحوالهم ( كتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ، (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ).
وأشهد أن لا إله إلا الله لا يُعبد أحد بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من لطف الله بالناس أن أرسل إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم داعياً للخلق لما تحصل به مصلحتهم وتتنزل عليهم به رحمته كما قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
فإن من كان من أهل التقوى تحققت له العاقبة الحميدة، والفوز الأكيد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( ويُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).
وإن من تقوى الله الواجبة أن يفرد العبد ربه بالعبادة فلا يصرف شيئًا من العبادة لغيره سبحانه، كما قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
وهذا هو معنى شهادة التوحيد: لا إله إلا الله التي هي علامة الإسلام، وسبب النجاة قال تعالى: (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ) ، (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
ويضم لشهادة التوحيد شهادة الرسالة فمحمد رسول الله حقاً، كما قال تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
وهاتان الشهادتان هما الركن الأول من أركان الإسلام ومن أركان الإسلام أيضا إقامة الصلوات الخمس كما قال تعالى: (وأقيم الصلاة إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وأداء الزكاة كما في قوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وصوم رمضان كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) .
وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، قال سبحانه: (وأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أيها المؤمنون:
هذا هو دين الله وشريعته التي ارتضاها للخلق ورحمهم بها مما يجلب لهم الخيرات والمصالح ويدرأ عنهم السوء والمفاسد، ومن هنا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
ووصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَاً أَرْسَلْتُكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَلَمِينَ).
ومن هذه المنطلقات الواضحة جاءت الشريعة المباركة بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد أو تقليلها، وقررت أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما جاءت بتحصيل أعلى المصالح ولو بتفويت أدناها وبارتكاب أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما، فعند التزاحم يتم اختيار أعلى المصلحتين واختيار أخف المفسدتين.
كما أن الشريعة أكدت أن الضرر يزال بلا ضرر كما في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) فالضرر يدفع بقدر الإمكان.
ومن هذا الباب جاءت الشريعة بكل ما تزدهر به الحياة، وتحصل به التنمية، ومنعت من الإضرار بالآخرين، أو إلحاق الأذى بهم، وأمرت بالعدل والأخلاق الفاضلة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث، وحفظ الحقوق مع إيصالها لأهلها، وأداء الأمانات، والوفاء بالعقود والعهود والسمع والطاعة لأصحاب الولاية قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) .
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) .
وقد أكد الشارع الحكيم وجوب المحافظة على الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على العناية بها وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض بل اعتبر الشرع أن التعدي عليها جريمة تكون سببًا للعقوبة، ومن هنا كان الحفاظ على هذه الضروريات من أسباب دخول الجنان ورضا الرحمن، ومن أسباب الاستقرار والسعادة والرقي والحضارة في الدنيا، وبفقدها تختل الحياة، ويكون الإخلال بها سببًا لعقوبة الآخرة، ولذا كان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).
فالدين ضرورة إذ لا غنى للإنسان عن طاعة ربه وعبادته التي خُلق من أجلها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنس إلَّا لِيَعْبُدُونِ ) وقال سبحانه : ( قلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) وقال : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) .
وقال تعالى مقررًا ضرورة حفظ النفس ومحرمًا الاعتداء على الدماء ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) ، ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ، وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْونًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذُلِكَ عَلَى الله يَسِيرًا ).
كما قال سبحانه مقررًا ضرورة حفظ المال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) .
وفي ضرورة حفظ العقل قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )
وجاءت نصوص الكتاب والسنة بالنهي عن الوقوع في أعراض الناس، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) وقال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
وقال جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ).
ومما يكمل ذلك أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به، وأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فما أدى إلى حفظ مقاصد الشريعة من الوسائل فهو مأمور به شرعًا، فإنه لما كانت المقاصد والمصالح الضرورية لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق مفضية إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها في أحكامها.
ومن هنا فعلى كل مؤمن أن يسعى إلى المحافظة على الضروريات الخمس مما يؤدي إلى سلامة الخلق واستقرار الحياة وانتشار الأمن وتمكن الناس من تحصيل مصالحهم الدينية والدنيوية، وعليه أن يتعاون مع غيره في ذلك تقرباً لله، وطلباً لثوابه في الآخرة... وعلى كل مسلم عدم تمكين العابثين من محاولة التأثير في مقاصد الشرع في المحافظة على هذه الضروريات.
وعلينا جميعًا كل بحسب مهمته وعمله ومركزه مسؤولية تجاه ذلك وعلينا جميعا أن نربي النفوس وخصوصاً نفوس الناشئة على احترام هذه الضروريات ولئن كانت المحافظة على هذه الضروريات الخمس واجبةً في كل مكان وزمان فإن وجوبها يتأكد في هذه المواطن الشريفة كما قال تعالى: ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ).
ففي الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة لله، وليس مكاناً للشعارات السياسية ولا التحزبات مما يوجب الالتزام بالأنظمة والتعليمات التي تكفل أداء الحجاج لمناسكهم وشعائرهم بأمن وطمأنينة.
حجاج بيت الله الحرام
إنكم في عرفة في موقف عظيم يباهي الله بكم ملائكته فهذا موطن شريف وزمان فاضل تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات، فأروا الله من أنفسكم اتباعًا للسنة، واقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي خطب في هذا الموطن ثم أمر بلالاً فأذن فأقام فصلى النبي فيه الظهر ركعتين، ثم أقام بلال فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ركعتين جمعًا، وقصرًا، ثم وقف على ناقته يذكر الله ويدعوه حتي غرب قرص الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة يوصي أصحابه بالسكينة والوقار والرفق فصلى بمزدلفة المغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين وبات بها إلى أن صلى الفجر، ثم دعا إلى أن أسفر فذهب إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات وذبح هديه وحلق شعره، ثم طاف بالبيت طواف الإفاضة، ثم رجع إلى منى، وبقي فيها أيام التشريق يُكثر من ذكر الله تكبيرًا وحمدًا وتهليلاً، ويرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال يوميًا، ويدعو بعد الصغرى والوسطى ورخص لأهل الأعذار في ترك المبيت بمنى.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المكث في منى إلى اليوم الثالث عشر وهو الأفضل، وقد أباح التعجل في اليوم الثاني عشر، ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من حجه وأراد السفر طاف بالكعبة المشرفة.
حجاج بيت الله الحرام
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً ليكون ذلك معينًا له على الذكر والدعاء، وقد وقف صلى الله عليه وسلم يذكر الله في عرفة ويدعوه فاقتدوا به صلى الله عليه وسلم (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ، (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).
ادعوا الله لأنفسكم ولوالديكم ولمن له صلة بكم، فمن دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك الموكل به آمين ولك بمثل، وادعوا لإخواننا في فلسطين الذين مسهم الضر وتألموا من أذى عدوهم سفكًا للدماء، وإفسادًا في البلاد، ومنعا من ورود ما يحتاجون إليه من طعام ودواء وغذاء وكساء.
وإن من أولى من يُدعى لهم من قدموا الجميل، وأقدموا على فعل الإحسان ومن ذلك الذين يقومون بخدمة الحرمين الشريفين، ويسهرون على راحة ضيوف الرحمن، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده.
اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام نسألك بفضلك وإحسانك أن توفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لكل خير، اللهم كن لهما مؤيدا ونصيرًا، اللهم جازهما خير الجزاء على ما قدماه ويقدمانه من جهود عظيمة للإسلام والمسلمين، اللهم أعظم أجرهما، وأكثر ثوابهما، وأرض عنهما.
اللهم تقبل من الحجيج حجهم، ويسر لهم أمورهم، وأعدهم لبلدانهم سالمين غانمين قد غفرت ذنوبهم وقبلت توبتهم، وقضيت حوائجهم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات واحفظهم من كل سوء واحفظ لهم دينهم وأمنهم، ودماءهم وأموالهم، وعقولهم، وأعراضهم واجلب لهم المصالح والخيرات وادفع عنهم الشرور والسيئات، اللهم أصلح قلوبهم، وآمنهم في أوطانهم، وسد جوعتهم، وبارك لهم في أرزاقهم، وتول جميع شأنهم.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.