كثر الحديث حول العالم عن الأسلحة العنقودية، بعد الحديث عن قرار أمريكي بمد القوات الأوكرانية بكمية كبيرة من تلك الأسلحة في وقت قريب، ومع هذا الحديث كانت هناك تساؤلات طبيعية لدى الرأي العام العالمي حول تلك الأسلحة، ومنها ما تلك الأسلحة وما تأثيرها، ولماذا الجدل الكبير حولها، وهل هي أسلحة محرمة دوليا، وهل بالفعل مستخدمة الآن في الحرب الأوكرانية الروسية، وما الضرورة الحربية التي دفعت واشنطن لاتخاذ هذا القرار، وما هو موقف روسيا، وتلك الأسئلة هي ما نحاول الإجابة عنه في تلك السطور. فكرة القنابل العنقودية .. وهذا ما تمتلكه واشنطن الذخائر العنقودية، وتسمى أيضا القنابل العنقودية، عبارة عن عبوات تحمل عشرات إلى مئات القنابل الصغيرة، والمعروفة أيضا باسم الذخائر الصغيرة. يمكن إسقاط العبوات من الطائرات أو إطلاقها من الصواريخ أو إطلاقها من المدفعية أو المدافع البحرية أو قاذفات الصواريخ، وتنفتح العبوات على ارتفاع محدد، اعتمادا على منطقة الهدف المقصود، وتنتشر القنابل الصغيرة فوق تلك المنطقة، حيث يتم دمجها بواسطة جهاز توقيت لتنفجر بالقرب من الأرض أو عند ارتطامها بها، مما يؤدي إلى نشر الشظايا المصممة لقتل الأفراد أو تدمير المركبات المدرعة والدبابات. وتمتلك الولاياتالمتحدة مخزونا من الذخائر العنقودية المعروفة باسم الذخائر العنقودية "DPICM"، أو الذخائر التقليدية المحسنة ثنائية الغرض، والتي لم تعد تستخدمها بعد التخلص التدريجي منها في عام 2016، يمكن إطلاق هذا النوع من القنابل من مدافع هاوتزر عيار 155 ملم، مع كل عبوة تحمل 88 قنبلة صغيرة، ويبلغ مدى كل قنبلة صغيرة قاتلة حوالي 10 أمتار مربعة، لذلك يمكن أن تغطي العبوة الواحدة الواحدة مساحة تصل إلى 30 ألف متر مربع، اعتمادا على الارتفاع الذي تنطلق منه القنابل الصغيرة، ويمكن للقنابل الصغيرة اختراق الدروع المعدنية، ويؤكد خبراء أن 10 قنابل صغيرة قادرة على تدمير مركبة مدرعة، فيما يمكن إعطاب أسلحة المركبات المدرعة بقنبلة صغيرة واحدة. هل موجودة داخل الحرب الأوكرانية؟ وبالنسبة للواقع داخل الحرب الروسية الأوكرانية، فإن تلك الذخائر مستخدمة بالفعل، ويقول المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش، إن روسياوأوكرانيا تستخدمان بالفعل الذخائر العنقودية في الحرب، والمشكلة مع الولاياتالمتحدة أن الكثير من الديمقراطيين يريدون حظر هذه القنابل كليا، ولكن الآن بعد أن أصبح لدينا دولة صديقة في مواجهة صراع وجودي، يبدو أنه لا بدائل كثيرة متوفرة". ويعتقد دي روش، في تصريحات صحفية، أن هذه الخطوة تمثل تطورا طبيعيا في دعم واشنطنلأوكرانيا، فنحن نوفر لهم إلى حد كبير كل سلاح تقليدي لدينا، وكذلك ويدعم ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد "بروكينغز" خطوة الرئيس بايدن، وقال إن القرار لم يكن سهلا، لكنه كان صحيحا، مبينا أن أوكرانيا طلبت الحصول على ذخائر عنقودية وستتحمل خطر الذخائر الفاشلة التي لا تنفجر، كما وافقت على عدم استخدامها في المناطق الحضرية، وعلى الاحتفاظ بسجلات عن أماكن استخدامها (لتحديد مكان الذخائر الفاشلة ونزعها لاحقا).
واشنطن ترى أن تلك الخطوة ضرورة وترى واشنطن أن تلك الخطوة تعد ضرورة كبيرة في هذا التوقيت، ودافع الرئيس الأميركي جو بايدن عن "قراره الصعب للغاية" - كما وُصفه - بإعطاء أوكرانيا قنابل عنقودية، وهو ما أيده خبراء عسكريون أمريكان، وقالوا إن هذه القنابل ستتيح للقوات الأوكرانية إمكانية تدمير شبكات الخنادق التي حفرتها روسيا على مدار الأشهر الماضية، وهو ما فشلت فيه كييف خلال هجوم الربيع، وسبب ذلك انزعاجا كبيرا في العواصمالغربية، وأوضح بايدن - في حديث لشبكة "سي إن إن" (CNN)- إن اتخاذ القرار "استغرق بعض الوقت لإقناعه بالقيام بذلك" لكنه تصرف لأن "ذخيرة الأوكرانيين تنفد"، وأضاف أنه تحدث مع الحلفاء بشأن القرار الذي يأتي قبل قمة الناتو في ليتوانيا الأسبوع المقبل. في الوقت ذاته، أشار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أن المسؤولين الأميركيين "يدركون أن الذخائر العنقودية تخلق خطرا على المدنيين، وهذا السبب في أننا أجلنا القرار لأطول فترة ممكنة، وأضاف سوليفان أن المدفعية الأوكرانية تحتاج إلى "إمدادات ضخمة" بينما تكثّف الولاياتالمتحدة الإنتاج المحلي، وقال "لن نترك أوكرانيا بلا حماية في أي مرحلة من الصراع الجاري"، فيما يرى روبرت بيرسون، أستاذ العلاقات الدولية بأكاديمية "ويست بوينت" العسكرية، أن قرار الإدارة توفير هذه الأسلحة ضروري، فمن الواضح أن أوكرانيا لا تزال تخوض معركة وجودية من أجل بقائها ضد خصم قوي للغاية. لتلك الأسباب ترغب أوكرانيا بها من جانبه، قال ماثيو والين، رئيس مشروع "الأمن الأميركي" وهو مركز بحثي متخصص بالشؤون العسكرية، إن الأوكرانيين يريدون على الأرجح الذخائر العنقودية لعدة أغراض، إحداها نوع من الذخائر التي يتم إسقاطها جوا لتدمير الدبابات بطريقة دقيقة، كما يرغبون في تلقي قذائف مدفعية تنشر الذخائر العنقودية، وستكون هذه مفيدة في تطهير شبكات الخنادق الروسية، خاصة وأن هذه الخنادق يمكن تثبت أنها مقاومة للنيران غير المباشرة، بينما يمكن للذخائر العنقودية أن تغطي الخنادق بالمتفجرات التي تسقط مباشرة في شبكاتها المحكمة. كما يمكن أن تساعد القنابل العنقودية أوكرانيا على تدمير المزيد من الأهداف الروسية بعدد أقل من الذخائر، فيما يشير خبراء إلى أن الولاياتالمتحدة تمتلك كميات كبيرة من هذه القنابل في مخازنها ويمكن توفيرها بسرعة، وهذا ما تبحث عنه أوكرانيا، وفي رسالة أرسلت في مارس 2023 من قبل أعضاء جمهوريين في الكونغرس إلى البيت الأبيض ذكرت إن الولاياتالمتحدة قد يكون لديها ما يصل إلى 3 ملايين من الذخائر العنقودية المتاحة للاستخدام، وحثت إدارة الرئيس جو بايدن على إرسال الذخائر لتخفيف الضغط على إمدادات الحرب لأوكرانيا.
القرار جريمة أمريكية .. واستخدامها يرتقى لجريمة حرب ويتجنب الخبراء الأميركيون، الإشارة لقانونية قرار بايدن إذا تجاوز قراره القانون الأميركي الذي يحظر إنتاج أو استخدام أو نقل الذخائر العنقودية التي يزيد معدل فشلها عن 1%، وهو ما قد يعنى أن قرار الرئيس الأمريكي قد يعد جريمة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي وقت مبكر من الحرب، عندما سُئل البيت الأبيض عن مزاعم بأن روسيا تستخدم القنابل العنقودية والفراغية، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنذاك إنها ستكون "جريمة حرب" إذا كانت صحيحة. فيما تلتزم 123 باتفاقية حظر الذخائر العنقودية بعد انضمامها إليها، وتمنع استخدامها أو إنتاجها أو نقلها أو تخزينها، لكن الولاياتالمتحدةوأوكرانياوروسيا ليست أطرافا في الاتفاقية، إلى جانب 71 دولة أخرى، ويُعد استخدام هذه الذخائر لمهاجمة قوات العدو أو مركباته عملا غير قانوني بموجب القانون الدولي، كما أن ضرب المدنيين بهذه الأسلحة قد يرقى إلى اعتباره "جريمة حرب" وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش. بادرة يأس تقربنا من حرب عالمية وإزاء هذا الحديث عن القرار الأميركي، ردّت روسيا سريعا على لسان سفيرها لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، والذي قال إن تزويد كييف بالذخائر العنقودية يمثل بادرة يأس من قبل الولاياتالمتحدة، وتقرّب البشرية من حرب عالمية جديدة، وأوضح السفير الروسي: "القسوة والسخرية التي تعاملت بها واشنطن مع مسألة نقل الأسلحة الفتاكة إلى كييف لافتة للنظر، والآن وبخطأ منها، سيكون هناك خطر لسنوات عديدة من أن يتم تفجير المدنيين الأبرياء بذخائر صغيرة فشلت مبكرا في الانفجار". وعن رد الفعل الروسي أيضا، قال المسؤول الأمني السابق ديفيد دي روش: "روسيا ستقول إن هذا تصعيد خطير وتهدد بأنه سيؤدي إلى حرب نووية أو توسيع الصراع الجاري، وهو ما قالته هذا منذ أشهر لردع الدعم الغربي لأوكرانيا، فإستراتيجية روسيا هي إنهاك الغرب من خلال إطالة أمد الحرب والتهديد بالتصعيد.. لا جديد"، واتفق الخبير بمعهد "بروكينغز" ستيف بايف على أن قرار بايدن لن يروق للحكومة الروسية، ولكن لا يمكنها الاعتراض بجدية نظرا لاستخدامها للذخائر العنقودية في أوكرانيا.