أطلق الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، وبحضور سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة، المجلدات ال17 الأولى من "المعجم التاريخي للغة العربية"، وهو المشروع اللغوي الكبير الذي يرعاه صاحب السمو حاكم الشارقة، إذ يؤرخ المعجم للمرة الأولى مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر القرون. وقد جاء ذلك خلال حفل افتتاح الدورة الأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي عقد مساء اليوم، في مركز إكسبو الشارقة، وقد ذكر حاكم الشارقة في كلمته بأن اللغة العربية هي من أطولةاللغات العالميّة عمرا، وأوسعها معجما، وأروعها بيانًا، إذ إن العمل المعجمي العربي ميدان فسيح أبْلى فيه العلماء العرب بلاء حسنًا منذ معجم "العين"، مرورًا ب"جمهرة اللغة"، و"معجم المقاييس"، و"القاموس المحيط"، و"لسان العرب"، و"تاج العروس" وغيرها من أمهات المعاجم والقواميس العربية، إلا أن اللغة العربية كانت بحاجة إلى معجم عربي كبير يتتبع تطور مفرداتها ويؤرخ لجميع جذورها وألفاظها، فكان العمل المعجمي العربي كالصرح العظيم والبناء الشامخ، منظره جميل، إلا أن لبنة كبيرةةواضحة تنقصه، وكل من يمر بهذا البناء العظيم يقول: ما رأينا بنيانًا أحسن من هذا، إلا موضع هذه اللبنة، لكن الآن جاء أوان وضع هذه اللبنة، وملء هذه الفجوة. وأضاف بأنه الآن أصبح بين أيدينا أجزاء من المعجم التاريخي للغة العربية، وهو ليس جهدًا فرديا يحسب لدولة أو مجمع لغوي دون آخر، وإنما جهود مؤسساتٍ ومجامع ومراكز لغوية اشتركت جميعها في هذا العمل الكبير تحت مظلة اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية بالقاهرة وكان لمجمع اللغة العربية بالشارقة فخر التنسيق الإداري والمالي لهذه الجهود العلمية الحثيثة. مشروع عربي وقد تطرق إلى أهمية المعاجم إذ أوضح بأنه المعاجم لها دور كبير في تعليم اللغة وتوسيع دائرة نشرها، وتسهيلها على الباحثين والمتعلمين، فلا لا يوجد مشروع قد استقطب اهتمام اللغويين، ولفت انتباه عشاق لغة الضاد كما لفتهم مشروع المعجم التاريخي للغة العربية؛ ذلك لأن عددًا من اللغات العالمية قد أنجزت معاجمها التاريخية مثل الفرنسية والإنجليزية والسويدية والألمانية وغيرها، وظل المشروع العربي يترنح بين نقص التخطيط، وعوائق فداحة التكاليف المادية، وقد شاء الله تعالى أن يرى النور في زمنكم هذا، بعد أن صدق العزم، إلى أن وفقنا الله بسبعة عشر جزءا للأحرف الخمسة الأولى من العربية. وتغطي مجلدات المعجم الأولى الأحرف الخمسة الأولى: الهمزة، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، حيث تقدّم تاريخ المفردات في السياق الذي وردت فيه في عصر ما قبل الإسلام، على ألسنة الشعراء الجاهليين، مرورًا بالعصر الإسلامي، وتتبع اللّفظ في النص القرآني، والحديث النّبويّ الشريف، مرورًا بالشعر الأموي، فالعباسي إلى العصر الحديث، وترصد حركة الألفاظ. وثيقة تاريخية ويشارك في إنجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية بالشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم في إنجازه على قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الأربعة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية خاصة باللغة العربية، منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام. ويشكل المعجم، إلى جانب أنه يبحث ويوثق لمفردات اللغة العربية، مكتبة إلكترونية ضخمة مكونة من أمهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكّن الباحثين والقرّاء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، الوصول إلى آلاف الكتب والمصادر والوثائق يُعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى في تاريخ المحتوى المعرفي العربي. ويختص المعجم بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة هي تاريخ الألفاظ العربية؛ حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم بتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها منذ الجاهليّة إلى العصر الحديث مركّزا على الاستعمال الحي للغة، أي أنّه يختلف عن سائر المعاجم السابقة بأنّه يستشهد بالنصوص الحيّة قرآناً وحديثًا وشعرًا وخطبًا ورسائل وغيرها. ويكشف المعجم تطور المصطلحات عبر العصور، ويرصد تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة في ذلك. شواهد حية
إلى جانب ذلك، يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون؛ إذ يبحث في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديمًا وحديثًا من نحوٍ وصرفٍ وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويتوقف عند المصطلحات التي ولدت ونشأت في رحاب هذه العلوم. كما يقدم مقارنات بين الألفاظ في اللغة العربية وبين ما انحدر منها في اللغة العبرية والأكادية والسريانية والحبشية وغيرها، وفي هذا المجال تم تكليف لجنة متخصّصة برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التي تدل على ذلك مع توثيق للمصادر والكتب التي أخذت منها.